شبكة سورية الحدث


ما هو مفهوم الهوية بين الأنا والنحن؟؟

من كتابي مقالات في الفكر والفلسفة الصادر عام 2005م عن دار التوحيدي بحمص بقلم: ناجح خضر الحمود   إذا كان العنوان سؤال فهذا يعني أن كلّ ما يستتبعه من كلام هو جواب علماً أنه كثيراً ما يحمل السؤال ذاته مجموعةً من الأسئلة الملاصقة لوروده فعندما أقول أنا أو يقول آخر نحن فهذا يعني أننا جميعاً وكلٌّ بطريقتهِ يبحث عن ميزته خاصيته - هويته - بمعرفته أو بفكره وهنا تبدو الأهمية للسؤالين التاليين هل ينتمي الإنسان إلى الفكر أم الفكر ينتمي إلى الإنسان فإذا كان الإنسان هو الذي ينتمي إلى الفكر فهذا يعني أن الفكر هو شيء خاص بذاته مستقلٌ عن محيطه استقلالاً فوقياً يدل على تحكمه  بمحيطهِ كأدواتِ تعبيرٍ له والموجودة كواقعٍ موضوعي تُمثله حركةُ هذا الواقع في فعاليتها واعتبار هذه الحركةِ هي المستوى الدوني المحكوم عليه كوجودٍ ملزم. واعتبار الحركة الجسم المادي الإنسان -عضوية - المستوى الدوني هو انتزاع لصفة المسؤولية عنها وتحميل المسؤولية لشيء آخر خارج عنها كونها مجرد أداة تنفيذ أي ليست بحد ذاتها المنتج الفعلي لوجودها كحركة قوانين _فكر _كتلة مادية وإسقاط المسؤولية عن الإنسان ككائن حي عاقل هو تبرأته من كل ما ينتج عنه من أفعال سواء أكانت سلباً أم إيجاباً وتحميل الفكر مسؤولية وجود الإنسان كفاعل وفعل في آن معاً وهذا يعني أن الفكر هو خالق المادة أي منتجها وهي التي تنتمي إليه انتماءً دونياً منفصلاً كوجود. فالانتماء دائماً يكون من الأدنى إلى الأعلى والاحتواء هو دائماً احتواء الأعلى للأدنى وربما نستطيع إيضاح جانب الانتماء - الهوية - إذا استعرنا محاكمة سقراط التالية _ كل إنسان فان سقراط إنسان سقراط فان فلهذه المحاكمة وجهان الأول تجريدها من صاحبها _قائلها. فهي بذلك تدل بشكل صريح على أن الإنسان هو مجرد كتلة مادية مستقلة عن الفكر كونها محكومة بالتحلل والفناء والوجه الثاني هو ربطها بقائلها وبذلك تبدو محاكمة  نصف خاطئة كونها كفكر دلالة على مبدعها واستمرار لذاته من خلالها. أما إذا كان الفكر هو الذي ينتمي إلى الإنسان فهذا يعني أنه جزءٌ منه وخاصة من خاصياته وأحد أدواته ففكره إذاً محتوى ضمنه متصلٌ فيه اتصالاً فعلياً دونياً إذن ليس الفكر نموذجاً فريداً أو عالماً خاصاً ومنعزلاً وكلمة إنسان تحوي ثنائية في التعبير عنه أولاً ككائن حي عضوي ثانياً كفكر وهما متداخلان تداخلاً جوهرياً. فاستمرار الفكرة وفناء المادة العضوية الحاملة لهذه الفكرة القائمة فعلاً ليس دليلاً على تفوق أحد الطرفين على الآخر بل دليلٌ على مدى أهمية تلك المادة الفانية والحديث عن الفكر هو ذاته الحديث عن الثقافة باعتبارها شكلاً من أشكال تحديد الهوية الذاتية للأفراد والجماعات إلا أن في صيغة السؤالين الأولين عن الانتماء قصور في تحديد صلة الفكر بذاته من جهة وبحامله من جهة أخرى وللثقافة أشكال مختلفة وألوانٌ متعددةٌ إلا أنها تدور جميعها في خدمة جوهرٍ واحدٍ هو الذات أولاً دون أن تستطيع حكمها أو تقييدها بحد ود جغرافية أو بيئية فالألفاظ المختلفة للشيء الواحد لا تدل على تعدديته بل تؤكد على وحدته مثلاً إن الكلمات التالية (صباح الخير) بالعربية أو (كود مورني) بالإنكليزية أو (بونجور) بالفرنسية كلمات مختلفة التركيب اللغوي مختلفة اللفظ إلا أنها تعبر عن حقيقة واحدة هي التحية في الفترة الصباحيةوما تحمله هذه التحية من مشاعر إيجابية للوداد الإنساني  فالخلاف بالمستوى الأخلاقي ليس خلافاً حول الفعل ذاته كضرورة بل حول كيفية تنفيذ هذا الفعل وهنا تكمن مسألة تحديد الهوية. إن كل منّا ينتمي إلى ذاته، إلى عضويته. حاجاته. ضرورات استمراريته. وهذا هو الانتماء الجوهري إلا أن هذه العضوية الذاتية ليست معزولة أو وحيدة فهي إذن موجودة ضمن مجموعة من الذوات الأخرى. ولا تستطيع بحال من الأحوال تحقيق وجودها دون هذا المجموع فحاجات استمراريتها لديهم وهذا قانون حتمية طبيعية وهنا يتشعب الأمر إلى اتجاهين هما : 1 - أنا أنتمي إلى ذاتي باعتبارها غاية مطلقة وهذا ما يؤدي إلى إنتاج ثقافة معينة تخدم هذه الغاية. 2 - أنا انتمي إلى ذاتي باعتبارها وسيلة للآخرين وغاية لي ولهم وهذا ما ينتج ثقافة أخرى. والحالة الأولى تنتج ألواناً عديدة من الثقافات المتنوعة التي تخدم بجملتها غاية واحدة بينما الحالة الثانية فهي تنتج لوناً ثقافياً واحداً لغاية واحدة وهكذا تتحدد باعتبارها نموذجين من الاحتواءات هما : أ-       الحق الجزئي . ب-     الحق الكلي . وهكذا تتشابه ردود الأفعال في كل مكان وزمان حول القضية ذاتها . وهذه الردود محتواة ضمن حدين أدنى وأعلى يحددان الحركة الفعلية للأفراد والجماعات في قوام الاستمرارية العضوية للكائن الحي هذه الاستمرارية التي يرافقها الخوف الكامن داخل أعماق النفس البشرية والخلية الحية تظهر بأشكال مختلفة وباستمرار التفاعل الحركي القائم بين الأنا والهم أو الفرد والمجموع وليس الانتماء إلى الأسرة أو القبيلة أو الجماعة الدينية أو الفكرية سوى اللجوء إلى حماية هذه الذات والذي من الممكن فكّه عند الشعور بعدم ضرورته فلذا يبدو تماماً غير جوهري باعتباره أداة- وسيلة- وليس غاية بينما الجوهري هو تحقيق الذاتلذاتها ككيان متميز فاعل إيجابي ولا يأخذ هذا التحقيق شكله السليم دون المعرفة الجوهرية لمنطقية الأشياء والوجود كمقدمات سليمة ونتائج سليمة فواحد يساوي واحد حكماً ما دام من نفس النوع . *        *        * لا بدّ من الاعتراف بأن الأنا ، لا يعني الخضوع المطلق للنحن بل هو المساواة بين مجموعة الأنات المشكلة عموماً للنحن ، هذه المساواة التي تظهر إشكاليتها بمسألة القدرة على إدراك معنى الانتماء إلى الذات أو ( الأنا ) ، وهو حقيقة الانتماء الجوهري لكل كائن بشري . فالخلاص هو خلاصي أنا ، (والسعادة هي سعادتي أنا) وأيضا (الحزن هو حزني أنا كما الفرح هو فرحي أنا) . إذاً أنا أتوجه حكماً باتجاه خاصيتي ، ( كليتي ) جوهرياً فكيف لي أن أتوجه التوجه الصحيح الذي يحقق لي فعلاً هذه الخاصية ، إننا هنا لا بدّ أن نعود إلى حكمة سقراط العظيمة (اعرف نفسك) فكيف سأعرف نفسي، وكيف سأنتمي إليها انتماءً صحيحاً .                  
التاريخ - 2015-12-19 4:05 PM المشاهدات 727

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا