فكرة ابداعية لمحاربة الفساد / الجزر المطهرة والخلايا النظيفة
عبد الرحمن تيشوري / خبير سوري من فريق الوزير الدكتور النوري / عضو مجلس الخبراء في وزارة التنمية الادارية
لعل أبرز مسبّبات الفساد الإداري السوري الواسع يعود بالدرجة الأولى إلى غياب التوصيف الوظيفي الدقيق في معظم المفاصل الحكومية في سورية الحبيبة، وما يتمخّض عنه من تشويه إداري لا يجلب سوى ارتكابات من العيار الثقيل لاقتصادنا الوطني، لكونه –أي الفساد الإداري- لا يعتبر أخطر أنواع الفساد فحسب، بل هو المنبع الرئيسي لأنواعه كافة، وما يتمخّض عنه من خلافات تنشأ بين بعض كبار المسؤولين لتحقيق مصالح شخصية وكيفية الاستئثار بها، وذلك من خلال إتباع المؤسسات المهمة والرابحة لهم دون الخاسرة منها التي تركوها تترنّح بترهّلها كسفينة تمخر عباب البحر بلا قبطان يرشدها إلى برّ الأمان، ما يستدعي بالضرورة القصوى إيلاء هذا الملف اهتماماً حكومياً كبيراً في المرحلة القادمة، وترسيخ العمل بقاعدة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، إضافة إلى الاعتماد على الكوادر والخبرات المؤهّلة وخاصة ذوي الشهادات العليا واليد النظيفة المعروفين بنزاهتهم ليأخذوا دورهم في المفاصل الحكومية ولاسيما المهمة منها علما اننا احدثنا معهد عالي لتدريب المديرين بالتعاون مع الجانب الفرنسي خربته حكومة العطري ولم تفعل له شيء الحكومة الحالية.
حواضن تحمي وتعشعش البيوض / فساد عميق وممنهج ومنظم في الادارات المركزية /
يؤكد المراقبون أن للفساد عموماً وللإداري منه خصوصاً حواضن تحميه، وهذه الحواضن هي الأخطر في منظومة الفساد، لكونها تتحكم بتوزيع الموظفين على مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وتمنع الخبرات المؤهّلة من أخذ دورها الحقيقي، وتعطل سيرورة العمل الحكومي والإداري، وهنا تبرز ضرورة الاعتماد على التوصيف الوظيفي الدقيق غير الفضفاض الذي يفتقده كثير من مؤسساتنا الحكومية حتى لا تتراكم الأخطاء وتتطوّر أكثر مما هي عليه وتصبح على درجة أكبر من الخطورة يستحيل معها السيطرة عليها، وبالتالي فإن هذا الملف بات بحاجة إلى اعتماد استراتيجية وطنية من نوع خاص قادرة بالفعل على محاربة رموزه وتفويت الفرصة على من تسوّل له نفسه اتباع السبل الملتوية لتحصيل ما يمكن تحصيله على حساب المصلحة العامة، استراتيجية قادرة على الضرب بيد من حديد وتقويم مسار العمل الحكومي بشقيه الخدمي والاقتصادي.
ضياع المليارات من الليرات السورية بسبب وصول غير الاكفياء الى مواقع القرار
يتحدّث بعضهم عن مئات الملايين بل المليارات من الليرات السورية التي تضيع على الخزينة العامة للدولة سنوياً نتيجة الفساد، وبعضهم الآخر يتحدّث عن مليارات تذهب سدى بغطاء قانوني يضمن عدم المحاسبة لاحقاً، وبعضهم لا يستطيع حصر الرقم معتبراً أنه يفوق الخيال ومحمّلاً الأجهزة الرقابية مسؤولية عدم المتابعة والمحاسبة، الأمر الذي جعل كرة المليارات تكبر شيئاً فشيئاً..! وهنا يشير أحد المديرين إلى وجود هدر كبير لا يمكن تقديره ببساطة، تحت غطاء بنود من نفقات وإيرادات لتنفيذ أعمال في الدولة، ناهيكم عن الهدر الناتج عن العقود المبرمة مع الخارج المغطى قانونياً تحت مسميات نفقات (الإعلان – فض العروض – الوقود..الخ) إضافة إلى نسبة العمولة غير المستهان بها، ما يستدعي مبادرات وأفكاراً كفيلة بالحدّ من هذا الوباء، ولعل أبرز الأفكار المطروحة لتقليص حجم الفساد هو اعتماد ما يسمّى (الجزر المطهّرة) أي أن يخصص صندوق في المفاصل المالية الحساسة توضع فيه نسبة من الأموال المحصلة من العاملين فيها، على أن توزع عليهم بحصص مجزية كل حسب نشاطه ونزاهته ونظافة يده، فمن شأن هذا أن يحدّ من الأموال الضائعة على الخزينة من جهة وان تكون نسبة المحصلين جيدة لا تقل عن ربع الاموال المحصلة / من يعيد للخرينة مليون من فاسد لماذا لا نمنحه 250 الف منها /، ويدعم مفهوم النزاهة والعمل الشريف من جهة أخرى، وخاصة أن أكثر صور الفساد شيوعاً يتمثل بالتلاعب في المشتريات وأعمال المخازن والمهمّات وغيرها.
أساس الردع / اخلاقي ورقابي قوي وسجن وربما مقصلة /
يبقى الأساس في قمع الفساد الذي لم يعُد يقتصر على كونه ظاهرة وإنما تعداها ليصبح ثقافة تحكم سلوكيات المجتمع برمّته، هو الرادع الأخلاقي والضمير الإنساني الحي بدليل أن محدودية الرشوى في الدول المتقدمة سببها بالدرجة الأولى أخلاقي، وعلى اعتبار أن الأخير موجود من الناحية النظرية دون أن يفعل عملياً، ولنجاح تطبيق فكرة الجزر المطهّرة يجب أن تترافق مع إجراءات أخرى تتمثل بضرورة إنزال أقصى العقوبات بحق المرتشين والفاسدين إلى جانب نشر أسمائهم في وسائل الإعلام ضمن قائمة سوداء تفضح ممارساتهم غير الأخلاقية للتشهير بهم، إضافة إلى وجود خلايا يمكن تسميتها (الخلايا التنظيفية خلايا تطهير) في كل دوائر الدولة تكون سرية وعلى صلة مباشرة بهيئة مكافحة الفساد التي بجب ان تولد وتحدث
التاريخ - 2015-12-27 7:18 AM المشاهدات 762
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا