شبكة سورية الحدث


هل باتت أيام الأسد معدودة ؟

سورية الحدث - بقلم حسن حسيني هل باتت أيام الأسد معدودة ؟ ما يجري على مستوى العالم يحكم الشرق الأوسط، وما يجري على مستوى إقليم الشرق الأوسط يحكم السياسة الوطنية السورية، وما يجري في السياسة الوطنية السورية يحكم الداخل وتفاصيله: هذه هي القاعدة العلمية. في شهر أيار 2013 وبعد "انتصار القصير"، وفشل "الغارة الإسرائيلية" و"أزمة الإس-300"، تراكمت كل المعطيات والشروط التي كانت الولايات المتحدة قد حددتها للتراجع عن استراتيجيتها لإشعال حرب عالمية ثالثة من أجل تأسيس "النظام العالمي الجديد" والمضي قدماً في استراتيجية بديلة (سلمية)، وهي عبارة عن مرحلة انتقالية وسيطة تمهّد لإعادة العمل على تأسيس "النظام العالمي الجديد" وفق الرؤيا الأميريكية (حيث تكون و"اشنطن" الحاكم الأوحد للعالم) لاحقاً. وعلى هذا الأساس جرى اجتماع "كيري-لافروف" في حزيران 2013، وجرى الاتفاق على مشروع جديد لتأسيس عالم "ثنائي القطبية" في إطار هذه الاستراتيجية الأميريكية السلمية البديلة. ومنذ ذلك الحين، حصلت جملة من التغييرات في جميع أنحاء العالم لم تكن سوى دخول لروسيا – كقوة عظمى جديدة – على الخط، وحصولها على الحصص التي انتزعتها بالمفاوضات هنا وهناك (في العراق وأوكرانيا ومصر وأميريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية والغربية وآسيا واليمن والأردن والخليج وغيرها من دول العالم). وبالرغم من الاعتراض والاحتجاج والضغط الأميريكي (بسبب الصراع مع روسيا على الاتحاد الأوروبي)، فإن كل هذه الضغوط والمناورات ليست إلا من أجل بلورة أفضل صفقة ممكنة ومتاحة للولايات المتحدة، وليس من أجل إلغاء مبدأ الصفقة من أساسه. فهي عبارة عن أوراق سياسية للمقايضة مع الروس، لا أكثر. منذ ذلك لم تعد الولايات المتحدة ترى في مصلحتها إشعال حرب عالمية ثالثة، ولم تعد مستهترة بقضية الخلل الكارثي في الميزان التجاري وفي تغطية "الدولار الأميريكي"؛ بل هي باتت الآن ترى مصلحتها في العكس تماماً: إعادة ترميم هذا الخلل بأقصى سرعة ممكنة قبل أن ينهار "الدولار" ويجرّ العالم قسراً إلى حربٍ عالمية. وهذا يقتضي إعادة الاقتصاد العالمي إلى نشاطه وتوازنه بأقصى سرعة ممكنة؛ وبالتالي فهذا يتطلب إعادة التوازن الاستراتيجي والسياسي إلى العالم من خلال إعادة هذا التوازن والاستقرار إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى سورية (التي هي "مركز التوازن الاستراتيجي في العالم" بحسب "مبدأ آيزنهاور")، خاصةً وأن الشرق الأوسط هو مركز التجارة العالمية والطاقة، وأن سورية هي مركز "الترانزيت" التجاري البري العالمي. وبالتالي، فمنذ ذلك الحين لم تعد الولايات المتحدة تجد في بقاء الحكومة القائمة في دمشق مشكلة، بل أصبحت مصلحة. وكل ما تريده الآن أن تجد صيغةً لإعادة المياه إلى مجاريها مع الرئيس الأسد، بدون أن تظهره بمظهر القوي الذي هزمها استراتيجياً في مشروع عالمي من هذا الحجم، وبدون أن تظهر هي بمظهر الخاسر والفاشل وهي هذا العملاق الذي يدير شؤون هذا العالم. وقد حققت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من استراتيجيتها على مستوى الإقليم: أنهت مشاريع الوحدة "الإسلامية" و"القومية العربية" و"القومية السورية" دفعةً واحدة، وشغلت كل دولة من الدول العربية والإسلامية (بما في ذلك دول بلاد الشام والعراق) في مشاكلها الداخلية والخاصة لسنوات طويلة قادمة؛ وخلقت المناخ المناسب لمشروعها الذي طرحته منذ أيام الرئيس "بيل كلينتون" وخلفه "بوش الابن"، وهو مشروع "تغيير مناهج التعليم الإسلامي" (أو بعبارة أدق صياغة هذه المناهج بما يناسب سياسات الولايات المتحدة حصراً وتحديداً، بغض النظر عن أن هذه المناهج هي بالفعل بحاجة إلى إعادة نظر بالكامل). وفوق هذا وذاك، أصبح للأميريكيين رجالهم وقواهم وتياراتهم وأحزابهم على الأرض: في سورية والعراق وكل الدول التي كانت حليفة للاتحاد السوفييتي السابق، وكانوا من قبل يستعينون برجال الفرنسيين أو البريطانيين وأتباعهم. كما تمت تصفية وجود "حماس" في سورية، وتم تدمير المصالح الأوروبية في المنطقة، فضلاً عن تدمير منظومة "الشراكة المتوسطية" بالكامل. ولم يبقَ مما أرادته الولايات المتحدة إلا فك التحالف ما بين سورية وإيران وحزب الله في لبنان. اليوم، لم تعد الولايات المتحدة تكترث لمن يحكم سورية. بل "من تعرفه خير ممن تتعرف إليه". ولكنها مهتمة أكثر بطحن وتدمير وإبادة "القوى الجهادية التكفيرية" التي صنعها الفرنسيون والبريطانيون (مثل "الإخوان المسلمين" و"القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها). هي اخترقت جميع هذه التنظيمات، ولكنها اليوم – وكما صرّح "السيد حسن نصر الله" في 2013 – استدرجت الجميع إلى سورية حيث جمعتهم فيها، وحيث تجري اليوم إبادتهم من قبل جميع دول العالم. وهكذا لم يعد أحد مهتم لا بـ "جنيف-1" ولا "جنيف-2" ولا "جنيف-1000"، فمع انتخاب الرئيس الأسد في تموز 2014 انتهى مسلسل "جنيف" ولم يعد له أي معنى. من هنا نستطيع أن نفهم أن الولايات المتحدة حصلت على صفقة "تدمير الكيماوي" والتي كانت سورية تحتفظ بها كورقة سياسية للمقايضة في الوقت المناسب، وخلّصت "دمشق" من تكاليفها. كما حصلت على صفقة "الغارات الاستعراضية" (كما وصفها الرئيس الإيراني) لتدمير "داعش" في كل من سورية والعراق: ولكن ليس مجاناً وبدون ضمانات! الضمانة الأولى كانت وصول الحوثيين إلى السلطة في اليمن: فالأسطول الأميريكي الخامس المرابط في ميناء العقبة بالأردن والذي يستطيع قصف الدفاعات الجوية بالتوماهوك والكروز، هو تحت رحمة القوارب المطاطية الاستشهادية الشبيهة بتلك التي دمرت "المدمرة يو إس إس كول" عام 2000 في عدن باليمن من قبل. والأسطول الآخر الذي يقصف بالكروز والتوماهوك هو في الخليج، قريبٌ من السواحل الإيرانية وتحت رحمة القدرات التي سبق للإيرانيين أن استعرضوها للتعامل مع الأساطيل الأميريكية من قبل. وهم لن يترددوا في استخدامها في حال المساس بسورية (لأنهم يعرفون من "استراتيجية الاحتواء المزدوج" التي وضعها "كلينتون" سابقاً أنه بمجرد سقوط سورية سيكون الدور عليهم والقواعد الأميريكية تطوقهم من جميع الجهات). أما الأسطول السادس المرابط في البحر الأبيض المتوسط (حيث تتحشد أيضاً القطع البحرية الروسية)، فقد أثبتت سورية عدم فعاليته في حال العدوان عليها منذ أيلول الماضي (2013)، وهذا قبل وصول "السيسي" إلى الحكم في مصر. وبالتالي فقيمة هذا الأسطول اليوم باتت صفراً في تهديد سورية. فالدفاعات الجوية السورية لن يمكن قصفها بالتوماهوك والكروز، وفي حال حصل ذلك وضحى الأميريكيون بأساطيلهم، فإن السفن الروسية جاهزة بكل ما يلزم للتعويض السريع، وترابط على السواحل السورية. وبالتالي فالطيران الأميريكي هو تحت رحمة هذه الدفاعات الجوية: قد يتم إحداث خروقات صغيرة، ولكن أي حملة جوية مركزة ستؤدي إلى فقدان الأميريكيين وحلفائهم لأكثر من نصف طائراتهم. ولذلك كان الأميريكون مضطرين لإخبار السيد الوزير "وليد المعلم" مسبقاً، وكان تعليق سورية هو الترحيب بأي عمل يدعم جهودها القائمة، وكان ذلك بمثابة الإذن والضوء الأخضر. وكان بإمكان الحلفاء أن يزجّوا بجيشٍ عبر الحدود العراقية أو الأردنية، ولكن تم اختيار الأتراك لأن هنالك ضمانة ضابطة ورادعة وبسيطة تضبط إيقاع حركتهم: روسيا في شمالهم، وإيران في شرقهم، واليونان في غربهم، والمعارضة التركية والعلوية في الداخل. فتركيا لن تتحرك إلا في إطار الضوء الأخضر السوري حصراً. وبذلك تم الحصول على تعاون الأردن. وهكذا راحت "جبهة النصرة" تهلل فرحةً بالهجوم المتحالف، فإذا بالصواريخ تنهال عليها، كما على "داعش". وإذا بـ "الجيش الحر" يبدأ بالانفصال عن "جبهة النصرة"، فتتم إعادة صياغته وتشكيله: 5000 تم تدريبهم في الأردن والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، سيتم إدخالهم على الخط لقيادة ما تبقى منه وتجنيد الآخرين، والقيادات يتم تصفية بعضها، ويتم اعتقال البعض الآخر، وتتم إعادة تشكيلها من جديد، لتأسيس قوة ميليشاوية ضاربة، تطبق من الغرب على "داعش" في مقابل الفك الآخر للكماشة حيث يطبق "البيشمركة" و"القوات الكردية" من الشرق، والجيش التركي من الشمال والغرب؛ وفي الجنوب توجد قوات الجيش العربي السوري، وبالتالي سيتوجهون إلى الأنبار – حيث نشؤوا – ومنها إلى "حائل" في المملكة العربية السعودية، وإلى الأردن كذلك. بعض الانقلابيين والانفصاليين في الداخل السوري (وأحياناً من داخل "حضن النظام") كانوا قد أقاموا شراكة تكتيكية مع "داعش" على أمل تأسيس دويلة لكل منهم بحسب خارطة لتقسيم سورية كانت قد نشرتها قناة "العربية" السعودية عامي 2012 و2013، مع دويلتين أخريين (واحدة للأكراد والأخرى في الجنوب للدروز)، هؤلاء ينتهجون استراتيجية فصل شمال سورية عن الجنوب، عبر بناء محور يمتد من دير الزور عبر حمص وصولاً إلى طرطوس والحدود الشمالية للبنان. وما زاد في تضليلهم إصرار الأميريكيين على "تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة" واتخاذ كل الإجراءات الفعلية من أجل إنشاء 3 مناطق عازلة على الحدود مع تركيا ومع لبنان ومع إسرائيل (في منطقة الجولان). ولكن الحقيقة أن الأميريكيين رعاة بقر: يسمنون الشاة قبل ذبحها، ويتركونها حية طالما كانت تدر لهم الحليب. فهم سيستخدمون "المعارضة المعتدلة" ضد "داعش" و"النصرة" وكل القوى "الجهادية"، ويسمنونها حتى يبيعونها بثمنٍ غالٍ إلى السلطة في دمشق. وأما المناطق العازلة، فهي مصممة تاريخياً وجغرافياً لتكون في خدمة المصالح لسورية. فهي ليست "عازلة" بالمعنى الحقيقي، لأن عمق 30 كلم يمكن تغطية كل ملم2 منه بالقصف المدفعي والصاروخي، وأيضاً بالقصف الجوي من خارج هذه المنطقة. هي في الحقيقة مسافة أمان ضامنة للجيران في حال سلمت روسيا أو إيران لسورية منظومات "إس-300" ذات المدى 150 كلم. وبالتالي فلن يكون بالإمكان حماية هذه "المنطقة العازلة" من الطيران ولن يمكن نصب "دفاعات جوية" فعالة ومؤثرة فيها. هذه المناطق إن تم إنشاؤها فعلاً، فهي ستستخدم لجمع اللاجئين فيها، وتصفية شبكات التهريب بالكامل من خلالها، وتطبيق عملية نزع السلاح بعد الحل السياسي، بمساعدتها. وإن أنشئت أصلاً، فلن تكون مناطق قابلة للاستمرار: فعلى طول الحدود التركية أو اللبنانية أو في الجولان هنالك شريط معزول عن كل شيء سيضطر أهله للتبضع وللحصول على الخدمات بكل أشكالها من الحكومة المركزية. وفي غياب سلطة ضابطة ومسؤولة، سيبدأ الأتراك واللبنانيون بالتمني على الحكومة السورية أن تتحمل هذه المسؤولية: فهم منذ اليوم يئنّون تحت حمل هؤلاء اللاجئين! وبرحيل عدد من الرؤساء (بمن فيهم الأميريكي والتركي) عام 2016، سيصبح قلب صفحة جديدة مع سورية وقيادتها هو أمر بديهي. ولن نستغرب رؤية حساب عسير للفاسدين وبالجملة في الخريف القادم. وأما بالنسبة لاختلاف حدة المواقف الروسية والإيرانية تجاه ما يقوم به الأميريكيون عن الموقف السوري، فهو يقول للجميع رسالة واحدة: سيادة سورية مصونة، وقراراتها تتخذ بحسب ما تراه قيادتها مناسباً وبغض النظر عن مواقف وآراء الحلفاء والأصدقاء.  
التاريخ - 2014-10-04 8:37 AM المشاهدات 1750

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا