تسويق الاداء الاداري والاقتصادي العام للحكومة السورية الجديدة ..قرار رفع سعر المازوت الاخير وآثاره
عبد الرحمن تيشوري
من أهم وظائف الحكومات على الصعيد الداخلي مهما اختلف النظام السياسي الذي تتبعه, هي الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية, وحتى تنجح الحكومة في وظيفتها الاقتصادية على وجه الخصوص لا يكفي أن يتم اتخاذ القرارات الصحيحة واختيار التوقيت المناسب, فهما شرطان لازمان لكن غير كافيان, خاصة في عالم اليوم المعولم والمنفتح إعلامياً وفي ظروف الازمة في سورية والحرب المسعورة على الشعب السوري من قبل اوباش القرن, لقد أصبح لزاماً على الحكومات أن تعتمد آليات مدروسة لتسويق قراراتها لدى الفئة المستهدفة حتى تنجح تلك القرارات وتتقلص حدود الرفض والممانعة إلى أدنى حد, وعلى الأخص القرارات التي توصف بغير الشعبية ومنها قرار رفع أسعار المشتقات النفطية أو بتعبير صريح قرار رفع الدعم, فالتسويق الناجح لأي سياسة أو قرار حكومي هو أمر بالغ الأهمية والتعقيد وخصوصاً في البلدان التي تمتاز بتخلفها المركب و المزمن.
من المعروف أن ما يسمّى بالدعم موجود في كل دول العالم وتمارسه كل الحكومات بشكل أو بآخر, فقد يتم دعم سلعة استهلاكية ما أو خدمة ما, أو قد يتم دعم إحدى القطاعات الاقتصادية أو الاجتماعية أو إحدى السلع الاستراتيجية التي تؤمن قطعاً أجنبياً. في جميع الحالات هناك فئة مستهدفة في هذا الدعم و هناك غاية له, لذا يتوجب على الحكومة عندما ترى أن هذا الدعم يصل إلى غير مستحقيه أو يبتعد عن غايته, أن تقوم بإعادة توزيعه او عقلنته كما نقول نحن بما يضمن إصلاح الخلل ووصوله إلى الفئة المستهدفة فقط قدر الإمكان, ومن هذا المنطلق فلا بد من إعادة النظر بالدعم الذي تقوم به الحكومة السورية على المشتقات النفطية من خلال رفع أسعارها, لأن القسم الأكبر منه يذهب إلى غير مستحقيه داخل القطر وخارجه, لكن يجب اتخاذ القرار بطريقة صحيحة بعد التسويق الجيد له واعادة توزيع العائد على الفقراء المستحقين عبر اقنية جديدة لان الاثرياء اليوم مستفيدين اكثر.
طريقة اتخاذ القرار:
تختلف وجهات النظر حول الطريقة التي يجب اتباعها في اتخاذ القرار, حيث يرى البعض أن التمهيد لهذا القرار لفترة طويلة سيؤثر سلباً على أسعار العديد من المواد, فكل تصريح أو تلميح من إحدى الجهات الرسمية عن رفع أسعار المازوت سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار بعض المواد, كما أن التمهيد لهكذا قرار سيسمح للبعض بشراء وتخزين كميات كبيرة منه, ويعبر هذا الفريق عن وجهة نظره بالقول “لا يجب على الحكومة أن تكون شفافة في كل الأمور وخاصة في مثل هكذا قرارات”, لكن من جهة أخرى هناك وجهة نظر تقول يجب على الحكومة أن تمهد لهكذا قرار حتى تتحسس ردود فعل الشارع, حيث أنه لا يمكن تصور الصدمة التي يحدثها هكذا قرار على المواطنين العاديين إن لم يتم التمهيد له حتى يستعدوا له نفسياً بالحد الأدنى.
لكن يمكن القول بشكل عام إن التمهيد لهكذا قرار ضروري في حال كان رفع أسعار المشتقات سيتم بنسبة كبيرة تتعدى 100% بشرط أن لا يتم ذكر أو الإشارة إلى النسبة التي سيتم رفع الأسعار وفقها, بالرغم من أن الفترة التمهيدية سيكون لها آثار سلبية مؤكدة من ناحية ارتفاع أسعار بعض المواد أو استغلال البعض لهذه الفترة والإثراء على حساب البعض الآخر, إلا أن الآثار النفسية التي يحدثها أي قرار من هذا النوع إن لم يتم التمهيد له تكون أشد وطأة من الآثار المادية الحسية بالنسبة للمواطنين, بشرط أن لا تكون الفترة التمهيدية طويلة حتى لا تحول الاستعداد النفسي للمواطنين إلى ضغط وتوتر بانتظار صدور القرار. مع العلم أن التمهيد لهكذا قرار قد يتم من خلال التصريح العلني أو التلميح الضمني, أو قد يتم من خلال إجراءات تمهيدية تقوم بها الحكومة على الأرض لتلافي الآثار السلبية المتوقعة نتيجة القرار, حيث تكون تلك الإجراءات بمثابة مؤشر أو دالة على حصول ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية في القريب العاجل.
أما إذا كانت نسبة رفع أسعار المشتقات غير كبيرة فيمكن أن يتم اتخاذ القرار من دون تمهيد ومن دون شفافية لكن بالتوقيت المناسب, وفي هذا النوع يمكن رفع الأسعار بالتدريج على فترات حتى الوصول إلى السعر المستهدف.
الآثار المترتبة على صدور القرار:
إن دراسة وتحديد الآثار السلبية المترتبة على صدور أي قرار اقتصادي للعمل على تلافيها قبل اتخاذ القرار, يعتبر من أهم الأمور المساعدة على تسويق هذا القرار, فبخصوص قرار رفع أسعار المشتقات النفطية, من المؤكد أن هذا القرار سوف يطال بآثاره السلبية مختلف شرائح المواطنين, حيث أن المشتقات النفطية تدخل في جميع المشاريع تقريباً, وبالتالي فإن رفع سعرها سوف يؤدي إلى:
1. ازدياد أجور النقل بشكل كبير, للمواطنين وللمواد الأخرى المنقولة, والتي تؤثر بدورها على جميع تكاليف المعيشة من تعليم وصحة وغيرهما.
2. ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية كونها بشكل أو بآخر تعتمد في مرحلة أو أكثر من مراحل إنتاجها ونقلها على المازوت.
3. ارتفاع كبير في أسعار مواد البناء التي تعتمد في إنتاجها و نقلها على المازوت بشكل رئيسي, مما يزيد من أزمة السكن الموجودة أصلاً.
4. عدم قدرة العديد من الأسر على دفع تكاليف التدفئة.
إن الآثار السلبية على المواطنين المترتبة على هكذا قرار تتعدى النقاط السابقة, لكن يمكن اعتبار ما تمت الإشارة له هو أبرزها وأكثرها إيلاماً للمواطنين.
آلية تسويق القرار الحكومي بنجاح:
حتى تستطيع الحكومة تسويق قرارها لدى شريحة المواطنين العاديين وجعلهم يتقبلونه, عليها أن تثبت بالأدلة الحسية والإجراءات الملموسة, من خلال تقديم برنامج متكامل للإصلاح من حيث الأهداف والأساليب والمدد الزمنية, أن هذا القرار العيدية ليس ارتجالياً أو اعتباطياً وإنما قد تمت دراسته بعناية واهتمام, كما قد تم تحديد كافة الآثار السلبية المترتبة عليه مع وضع السيناريوهات اللازمة لمعالجة هذه الآثار موضع التنفيذ قبل اتخاذ القرار, فالتصدي لقرار بحجم وأهمية تصحيح الدعم أو بتعبير أصح رفع الدعم عن حوامل الطاقة يحتاج لاتخاذ الاستعدادات المناسبة والكافية لتحضير الأرضية المناسبة له وربما إنشاء برنامج خاص يسمح بالتصدي لحزمة المشاكل الناجمة عنه, حيث أنه من أهم محددات نجاح الأداء الاقتصادي للحكومة هو التسويق الجيد لقراراتها قبل اتخاذها, وفيما يخص قرار رفع أسعار المشتقات النفطية يمكن للحكومة أن تعتمد المراحل التالية للنجاح في تسويق قرارها لدى المواطنين:
1)مرحلة إعلامية:
تقوم الحكومة في هذه المرحلة بالاستعانة بوسائل الإعلام والإعلاميين ذوي الثقة امثال شمس ملحم وزياد غصن وايمن قحف وهيثم يحي محمد وغيرهم من المواقع المهمة وتحت المجهر, من أجل شرح الوضع المالي للحكومة والتكلفة الباهظة للدعم الذي تقوم به الحكومة مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً وانخفاض الإنتاج المحلي, والهدر والاستهلاك غير العقلاني من المشقات النفطية نظراً لانخفاض أسعارها محلياً وما يرافق ذلك من تهريب لهذه المواد إلى دول الجوار والتكلفة الكبيرة التي تتكبدها الحكومة لمنع التهريب وملاحقة المهربين واكتشاف الأساليب الجديدة والمتجددة التي يتبعونها, كما تجب الإشارة خلال هذه المرحلة الإعلامية إلى أن المستفيد الأكبر من هذا الدعم في الداخل والخارج هم من غير مستحقيه, حيث يستفيد من هذا الدعم كل من يعيش على أراضي الجمهورية العربية السورية من سوريين وغيرهم, كما أن الأغنياء يستفيدون من هذه الدعم أكثر مما يستفيد محدودي الدخل بأضعاف مضاعفة, ولا بد من البحث عن طريقة أكثر عدالة لإيصال الدعم إلى مستحقيه الفعليين, والطلب إلى جميع المواطنين إبداء آرائهم ومقترحاتهم حول الطريقة المثلى لإيصال الدعم إليهم من دون أن يشاركهم فيه من لا يستحقه. يجب أن تكون اللغة الإعلامية والوسيلة المستخدمة بسيطة وقادرة على الوصول إلى جميع المواطنين بمختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية بشكل يمكن فهمها, كما يمكن الاستعانة بالوجوه الفنية البارزة المحبوبة لدى المواطنين في هذه المرحلة الإعلامية من خلال برامج بسيطة وممتعة يقدمها فنانون محبوبون ويتمتعون بجماهيرية عالية لدى كافة فئات وشرائح المجتمع, لأن كلمة الفنان قد تكون أسرع في الوصول إلى هدفها وأكبر تأثيراً من كلمة الإعلام. مع ضرورة التأكيد في هذه المرحلة على عدم ذكر أي نية لدى الحكومة لرفع أسعار المشتقات النفطية أو ترويج لأي آلية قد تتبعها الحكومة لإعادة توزيع الدعم, كما يجب على الحكومة التنسيق فيما بينها وخاصة بالنسبة للتصريحات الإعلامية التي تتضمن أرقاماً حتى لا تتناقض مع بعضها البعض, وعدم إعطاء أي معلومة خاطئة حتى لا تفقد مصداقيتها لدى المواطنين, كما يجب أن يبقى الإعلام رديفاً للمراحل اللاحقة.
2- مرحلة ادارية
3- مرحلة توفير المواد التي تم اتخاذ قرار برفع الدعم عنها
4- تنفيذ الاعادة المتوفرة من رفع السعر للفقراء فورا
5- مرحلة الثقة بين المواطن وحكومته
التاريخ - 2014-10-23 9:03 PM المشاهدات 1518
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا