واشنطن وإستراتيجية «تقطيع الوقت»؟ تساؤل مهم يطرح نفسه بإلحاح وهو: من أين جاءت الولايات المتحدة والمخابرات الأميركية بتسمية بعض المجموعات الإرهابية المسلحة التي تقاتل في سورية بالمعارضة المعتدلة؟! كيف توصل بعض المنظرين الأميركيين إلى تقييم مزيف حول من هو متطرف ومن هو معتدل؟! وفق حسابات «لا نغلي» الباحث الأميركي. على أساس هذه الحسابات الأميركية الخاطئة، تمضي واشنطن وحلفاؤها في الغرب والمنطقة في مشروعها دعم وتدريب وتسليح معارضة معتدلة، حيث أوكلت لـ«تركيا» تدريب بعض تركمان سورية وعناصر تركية، فضلاً عن «إخوان سورية»، من دون أن يتعارض هذا ولا ذلك مع الاستمرار في تقديم كافة التسهيلات لـ«عصابة داعش»، إذ كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن التحاق 1000 جهادي أجنبي بـ«داعش» شهرياً يدخلون سورية – كما يعرف الجميع- من الأراضي التركية بمعرفة «أردوغان» شخصياً ومخابراته وعملائه. وبالتوازي مع ذلك، تتولى دول خليجية تدريب جماعات أخرى ممن تسمى معارضة إسلامية لا توجد أية فواصل بينها وبين داعش أو النصرة مثل «جبهة ثوار سورية» وغيرها، علماً بأن هذه المعارضة لم تثبت أي حضور على أية جبهة من جبهات القتال في مواجهة داعش أو النصرة مؤخراً. من المضحك فعلاً، اعتقاد الولايات المتحدة (القوة الأعظم في العالم) بأن إستراتيجيتها لتدريب خمسة آلاف مقاتل «معتدل» قبل انتهاء عام 2015 يتولون مهمة دحر داعش والحلول محلها في استمرار الحرب على الدولة السورية والجيش السوري وعلى الشعب السوري بأسره. إن إستراتيجية أميركية كهذه تجعل المرء يستذكر قول الشاعر المعروف «جرير»: (زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً، أبشر بطول سلامة يا مربع). إن مقدمات مثل هذه الاستراتيجية توحي بأنها لن تقود إلى استئصال داعش والإرهاب بشكل عام، وتؤكد هذه المقدمات بأنها إستراتيجية (تقطيع وقت)، و(إدارة أزمة)، وليس إستراتيجية حل الأزمات في المنطقة وخاصة منها تمدد داعش وأخواتها.. نعم لم ولن توقف هذه الاستراتيجية الأميركية تقدم داعش في العراق وبعض المناطق السورية، كما لن تحول دون استمرار جبهة النصرة في إرهابها وتوسعها، وبالتالي، فإن الشعبين العراقي والسوري هما ضحايا هذه الاستراتيجية الفاشلة التي لا هدف لها إلا تقطيع الوقت، وإطالة أمد الأزمة في سورية والعراق، لأن واشنطن هي المستفيد الأول من هذه الإطالة ومن تمدد داعش. على أية حال، هناك الآن استحقاقات مهمة قد تدفع الإدارة الأميركية- كما يتوقع محللون سياسيون أميركيون- إلى اعتماد إستراتيجية جديدة، منها: انتهاء الموسم الانتخابي لاختيار نصف أعضاء الكونغرس، والثاني انتهاء مفاوضات إيران مع (مجموعة 5+1) كما هو مقرر، بعدها، ربما يحصل تغيير في المقاربة الأميركية لما يحدث في سورية والعراق ولمسألة الإرهاب بشكل عام. وإذا لم تعمد الإدارة الأميركية إلى انتهاج مقاربة سياسية مختلفة مع سورية، وحيال داعش، باتجاه استكمال ما بدأ في جنيف بالنسبة لسورية، وتغيير الموقف الأميركي في مواجهة داعش بحيث تكون الأولوية لمحاربتها واستئصالها، والاقتناع الأميركي بأن لا قوة ميدانية على الأرض قادرة على التصدي لداعش من دون التنسيق مع الجيش السوري، فإن كل حديث أورهان على ما تسميه واشنطن «معارضة معتدلة» سيبقى ضرْباً من الخيال ونشر الأوهام.. والأرجح أنه يشكل أسلوباً لإبقاء سيف داعش مسلطاً على رقاب دول المنطقة تستخدمه واشنطن كما تشاء وفي الوقت الذي تريد ضد شعوبها. الخلاصة، هي أنه بعد انتهاء الاستحقاقات المذكورة سيكون من السخافة النظر للسياسة الأميركية في المنطقة من منظور ما يسميه البعض «غياب الرؤية» أو «ضعف القيادة» أو «غياب البدائل والخيارات» وغير ذلك من تبريرات لا أساس لها من الصحة، بل إنه يقصد بها «التضليل» ليس إلا، وسيكون من حق دول وشعوب هذه المنطقة أن تنظر إلى السياسة الأميركية في هذه المنطقة، على أنها فعلاً عملية «احتواء لداعش»، وليس حرباً عليها لتدميرها واستئصالها كما وعد أوباما.. وسيكون من الصعب قبول حالة «التوهان» التي تعيشها الإدارة الأميركية أو تفسيرها بأي شيء آخر خلاف ذلك.. بالتأكيد، يميل العالم الآن أكثر فأكثر إلى فكرة تقول: لا عذر لواشنطن، ولا تفسير لإحجامها عن الحسم سياسياً وعسكرياً مع داعش وأخواتها وأنه إذا لم تقم واشنطن بذلك- والأرجح أنها لن تقوم- فإنها تبرهن على «توظيف» داعش لاستنزاف من تعتبرهم خصومها في المنطقة والعالم من روسيا إلى إيران إلى دمشق والمقاومة اللبنانية لا أكثر ولا أقل، ولكن هذا التوظيف الذي لم يجد حتى الآن لن يجدي في المستقبل. صياح عزام
التاريخ - 2014-11-11 4:05 AM المشاهدات 1320
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا