شبكة سورية الحدث


عند المغيب تضبح الثعالب

عند المغيب تضبح الثعالب أكرم إبراهيم ، في 16 | 3 | 2009 قبل أن يندحر ضوء النهار تماماً، تقريباً في اللحظة التي تنطلق فيها الخفافيش من أوكارها، في هذه اللحظة المشبعة بالكآبة يضبح ثعلب فيتبعه آخر فثلاثة فعشرة فالكل دفعة واحدة. دخول الطبيعة الوشيك في الظلمة والغموض يبعث فيك إحساساً قوياً بالوحشة، وجلبة عصافير الدوري وهي تتجمع في أماكن مبيتها؛ تقاطر الناس مع مواشيهم من البرّية؛ الدجاجات عائدة من مراعيها تلتقط ما تيسر لا هي فزعة عجِلة ولا هي لاهية بطيئة ، كل هذه المؤذنات بنهاية وشيكة تنتزعك انتزاعاً مؤلماً من يومك الآفل وتبعث فيك الإحساس بالكآبة. يأتيك الضبح كئيباً في اتساق مع هذه الوحشة والكآبة والألم؛ يأتيك من كل الجهات كأنما ليمنع عنك الإحساس بوجود منفذ من هذه الأحاسيس التي أطبقت عليك. تضبح الثعالب هذا الضبح الكئيب الموحش لدقائق ثم تصمت دفعة واحدة تاركة إياك مثقلاً بخدر في روحك وبذكريات يوم مضى بما يرافقها من إحساس بالفقد مختلطاً برهبة الدخول الوشيك في ظلمة النوم مع بقية الكائنات، إذ كانت الناس لانعدام الكهرباء في الأرياف لا تتأخر في النوم عن دجاجاتها. إنها ثعالب تضبح لا غير ، لكنها ثعالب تضبح في الوقت الذي يكون فيه الناس على أشد ما يكون من الفتور. هذه الحالة التي يعرفها سكان الأرياف التي تكثر فيها الثعالب رست في قاع الذاكرة بحكم ابتعاد عهدي بها لأن الكهرباء في المدينة شوشت إحساسي بالزمن فاختلط عندي الليل بالنهار وفقد المغيب سماته، لكن فجأة في ذات شهر من ذات سنة كأنما قفير ثعالب أطلق من قمقمه؛ انطلق صوت فتبعه آخر فثلاثة فعشرة ثم أطبق علينا الصياح من كل جانب. من أين يأتي كل هذا الضبح في مدينة عمرها ثلاثة آلاف عام ؟! أكل هذه الأضواء سراب ؟!. صرخوا كلهم دفعة واحدة؛ كانوا ينطلقون بالعشرات بصياح يصم الآذان ولا يتوقفون إلا بعد أن تنقطع أنفاسهم، ولا تصل الموجة ذروتها إلا ويبدؤون موجة جديدة؛ مثلما يأتي مغيب إثر مغيب بالضبح يأتي صياحهم موجة في إثر موجة، ونحن نرتعد ليس لأن الصوت العالي يعبر عن قدرة على الفعل بل لأنهم يصيحون في وقتهم؛ وقت نكون على أشد ما يكون من الوهن. كأنما عادت الأرض خربة خالية ولا شيء غير الروح يرفرف فوق وجه الماء. جم غفير يعيش في الآن وفي هنا؛ بلا أزمنة أخرى ولا أمكنة أخرى؛ طبيعة في انفصال عن الطبيعة؛ مثل جزيرة أو مثل وحش مروض؛ هو جزء من الطبيعة غير طبيعي أو منفصل عن الطبيعة. من أعماق اللاوعي نهضت تلك الكآبة، بل أنا ذاهل كطائر طار طويلاً بين شطين لسراب ممتد. اجتمعت بعضي على بعض ودخلت حتى رأسي تحت لحاف سميك من الأسى يطبق علي مثل شرنقة ذلك الإحساس بالنهاية الوشيكة. هل أنا في يقظة أم في كابوس ؟! سأجزم في الأمر ساعة أجزم أنني استيقظت.                                                          متابعة : مكتب حمص والمنطقة الوسطى  
التاريخ - 2014-11-29 3:20 AM المشاهدات 844

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا