شبكة سورية الحدث


أطفال يعملون من أجل لقمة العيش..ظاهرة التسول إلى متى ؟!!

أطفال يعملون من أجل لقمة العيش..ظاهرة التسول إلى متى ؟!!
يتحرك مهران الطفل الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره بين مجموعة سيارات تسير بحركة بطيئة، وتنتظر عبور حاجز منطقة الفيحاء في دمشق، وبين سيارة وأخرى يعبر الطفل بخفة محاولاً بيع قطع العلكة، وعلب المحارم التي يحمل عينات منها بين يديه، ويعلّق العلب المتبقية في رقبته بواسطة كيس كبير يقارب نصف حجمه، كان يرجو ذلك الطفل بشدة من يقف على أبواب سياراتهم أن يجبروا عنه بعض ما لديه من قطع العلكة، أو علب المحارم، أو يمنحوه بعض المال، وما تجود به جيوبهم..في الجهة المقابلة، وبمكان ليس ببعيد، يقف بعض الأطفال منتظرين أيضاً، وبأيديهم ربطات خبز تثقل على أجسادهم، يأملون بعابر سبيل، لا يقوى أو يحمل عناء الانتظار على الدور، وربما يتطلعون لسيارة مستعجلة تخفف حملهم، وتمن عليهم بسعر يناسب وقوفهم وانتظارهم هذا، وفي مكان آخر بالقرب من جامعة دمشق تفترش فتاة صغيرة مكاناً يتيح لها رصد حركة العابرين، فتراهم ويرونها، وتضع أمامها بعض قطع الحلوى تسمح لها بنداء تسول مقبول يحفظ لها كرامتها، فهي لا تطلب استحسان الناس، وعطفهم دون مقابل هو قطعة بسكويت، أو علبه علكة، وتكثر الصور، وتتعدد الحالات التي تصادف الكثيرين منا في يومياتهم لأطفال دفعت الأقدار بهم  إلى الشوارع دون حلول تخفف نسبهم المتزايدة، وتعيدهم إلى مدارسهم التي تسربوا منها.أرقام مضاعفةورغم أن الصور السابقة تبدو صوراً تقليدية لحالات مستمرة ومكررة، وأطفال احترفوا صنعة التسول، وأجادوها بطرق وأساليب مختلف، نلاحظ اليوم أن هذا المشهد في تزايد مستمر في شوارع دمشق في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها السوريون، ونتائج حرب دخلت عامها السابع، وشردت الكثير من العائلات والأسر، لنجد أرقاماً ضاعفتها الأزمة، فتركت في الأرصفة والأنفاق والأماكن العامة تجمعات من الأطفال المتشردين، تنوعت أساليبهم وطرقهم في جمع المال، ففي أي مكان عام يمكن أن تسير فيه، هناك دائماً من يلاحقك بنظراته وتوسلاته، ويغدق عليك سيلاً من الأدعية في سبيل أن يناله من عطفك القليل.. إحصائيات حكومية عديدة أظهرت أن عدد حالات التسول المضبوطة تضاعفت في الأزمة الحالية لنحو ٥٠٠٠ حالة، منهم ٢٠٠٠ امرأة تراوحت أعمارهن من ٣٠ حتى ٦٠ عاماً بينما بلغ عدد الأطفال ٢٥٠٠ طفل، وحوالي ٥٠٠ رجل متسول، في حين أن تلك الأرقام لم تكن قبل ذلك تتجاوز الـ 2000 حالة في نهاية عام 2010، ورغم النداءات التي تطلقها الجهات المعنية بين فترة وأخرى بضرورة التشدد في العقوبات الرادعة لمكافحتها هذه الحالات بشكل كامل، تستمر ظاهرة التسول بالتفاقم بتداعيات الظروف الاقتصادية والاجتماعية والعائلية.لا مشكلة ولا حرجوالغريب ألّا يجد أحد الآباء الذين تحدثنا معهم حرجاً في ترك أولاده أمام أحد الجوامع، فارتفاع الأسعار والبطالة والضائقة الاقتصادية مبررات يمكن أن تعفي الأب المقصر من إشارات الاتهام والمساءلة، والتذرع بالحصول على لقمة العيش يمكن أن يخدر لديه الإحساس بالمسؤولية تجاه أولاده، حتى رغم وجود جمعيات كثيرة تقدم المساعدة، أما الأطفال فيصعب معهم أن تخرج بإجابات شافية، إذ يخشى أي طفل متسول الحديث والبوح، وكل ما يعرفه أن من تركه في شارع ما أخبره بضرورة التذلل والتوسل أمام الناس، مهما كانت الطريقة أو الوسيلة، ومن الملفت استخدام بعض المتسولين لشهادات طبية قديمة أو مزورة عن مرضى بحاجة لعمليات جراحية عاجلة لاستدرار العطف، أو بيع أشياء بسيطة حتى لا يقال عنهم إنهم متسولون!.ظاهرة قديمةيعتبر الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم النفس، ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في كل المجتمعات العالمية بلا استثناء، رغم اختلافها في طبيعتها، وأنماطها، وآليات تشكّلها واستمرارها، مع وجود فوارق في انتشارها من مجتمع لآخر، وفقاً للعادات والتقاليد السائدة، وبناء على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، وتركيبة المجتمع، وفي المجتمع السوري ازدادت هذه الظاهرة ضمن الظروف الحالية، وتعددت وتمايزت أساليبها مع دخول فئات جديدة إليها معظمهم من الأطفال، فاحتوت أشكالاً متعددة ومتنوعة، علنية أحياناً، ومستترة في أحيان كثيرة، لذا فقد ظهرت الحاجة إلى دراسة ظاهرة التسول، وتحليلها، والكشف عن أبعادها المختلفة للوصول إلى رسم صورة أقرب إلى حقيقة هذه الظاهرة.أسباب نفسية وتربويةويؤكد د. إبراهيم أن سبب التشرد والتسول الرئيسي هو الحاجة والعوز، لكن تراجع دور المدارس من جهة، والدور التربوي من جهة أخرى، خاصة ضمن الظروف الحالية، أدى إلى انحراف الأطفال واستغلالهم من قبل بعض العصابات والجهات المنظمة التي تستغل طيش الأحداث، وتدفعهم لارتكاب الجرائم، وتدربهم على طرق مختلفة للتسول تضر بالمجتمع والوطن، وتخدم مصالحهم الأنانية، كما يعزو هذه الظاهرة إلى التفكك الأسري، ويقول: انتشار الخلافات في المنزل يؤثر سلباً على الأطفال، فالاهتمام بالأسرة هو مفتاح الحل السحري لإنقاذ المجتمع من هذه الظاهرة، ومن المهم عند الحديث عن العلاج تفعيل دور الأسرة والمؤسسات الإعلامية، ونشر التوعية من خلال وسائل الإعلام على مخاطر هذه الظاهرة، وتعليم الأسرة كيفية التعامل مع مشكلات أبنائهم ومتطلباتهم، كذلك من المهم نشر التعليم الفني والحرفي في المناطق الفقيرة، والتشديد على إلزامية التعليم، ومنع التسرب من المدارس، وتضافر جهود جميع المؤسسات الاجتماعية كوزارة التعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية، لزوال هذه الظاهرة بالتعاون مع وزارة الإعلام، وذلك لخلق مجتمع تسوده الألفة، والتسامح، والعيش المشترك بجميع فئاته.محمد محمود
التاريخ - 2017-10-30 1:34 PM المشاهدات 3669

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا