صخب موسكو وصمت باريس
بقلم عيسى الأيوبي ..عندما يبدأ دبلوماسي فرنسي كبير ومستشار رئاسي في ملف الشرق الأوسط بالحديث عن أخطاء ارتكبتها بلاده ومعلومات استخباراتية خاطئة ارتكزت عليها القرارات الكبرى في هذا البلد العريق في عمله المؤسساتي وفي جانب دقة المعلومات على وجه الخصوص. عندها تدرك فعل الندامة الذي يتلوه الغرب وضرورة المراجعة السياسية والإستراتيجية لمجمل حركته والثمن الذي سيدفعه نتاج الخطيئة التي ارتكبها وما زال.إضافة إلى أن المراجعة السياسية التي يقوم بها الغرب والولايات المتحدة في الموقف مما يجري في سورية تثير أيضاً كماً من التساؤلات حول أسبابها ونتائجها.فهل صحيح أن ثمة مراجعة وتراجعاً أو ثمة تغيير في «التكتيكات»؟ وهل ستترافق هذه المراجعة السياسية مع مراجعة أمنية وعسكرية يتوقف فيها الغرب والولايات المتحدة عن تسليح العصابات المسلحة في سورية ووقف أوامر الصرف المالي المعطاة للسعودية وقطر وبالتالي وقف حمام الدم السوري؟وعندما يتحدث دبلوماسي كبير عن خطأ في المعلومات أدى إلى هذه النتائج الكارثية أفلا يستحق مقدموها بعضاً من عقوبة وإعادة نظر في العلاقة معهم؟يقول الدبلوماسي نعم حصل ذلك وحصلت إعادة نظر في العلاقة معهم وهم اليوم تحت قبة حقوق الإنسان وحق اللجوء ليس أكثر وهذا جل ما تستطيع باريس فعله معهم ففتح هذا الملف إعلامياً وقضائياً يهدد الاستقرار السياسي للبلاد.إلى هنا يبدو الكلام منطقياً لكن لماذا قدمت باريس لائحة بعدد من الأشخاص لدعوتهم للقاءات موسكو؟ يجيب دبلوماسي أنه بطلب من موسكو التي حرصت أن يكون اللقاء شاملاً لمختلف وجهات النظر. وفي هذا اعتراف واضح بانتهاء مفعول ما سمته باريس حينها «ممثلي الشعب السوري» وما سمي مؤتمرات «أصدقاء الشعب السوري» وبالتالي انتهى تاريخ صلاحية هذا المنتج.وفعلاً من يراقب صمت باريس اليوم في هذا الملف واكتفاء رئيسها بتذكير موسكو وواشنطن بأن «لا تنسونا» في كل اتصال يجريه ضمن إطار دبلوماسيته الهاتفية مع العاصمتين برفقة إنجيلا ميركل المعروفة جداً لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان رئيس فرع الاستخبارات السوفييتية في شرق برلين كما يعرفها معظم ضباط حلف شمال الأطلسي الأميركيين في غربها.وهذا واضح أيضاً من مجريات الاتصال الأخير بين نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف ووزارة الخارجية الفرنسية حول نتائج حواراته مع «أطياف» المعارضة السورية تحضيراً للقاء الذي سيكون منسقه قبل نهاية كانون الثاني 2015فقد اعترفت الخارجية الفرنسية أنها لا تملك تصوراً واضحاً لا عن مواقف المعارضة ولا عن حجم تمثيلها في الديموغرافيا السورية. بهذا المناخ يأتي لقاء موسكو فرنسياً. في الوقت الذي تزداد فيه حدة الجدل بين أشخاص المعارضة وداخل كل مسمياته، جدل يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:أولاً - نذهب أو لا نذهب إلى موسكو ثانياً- نفاوض النظام أو لا نفاوض، نحاور أو لا نحاور في جدلية لفظية في الظاهر لكنها عميقة عمق معرفتهم لقدراتهم ومواقعهم التمثيلية.لقاء موسكو امتحان من الصعب أن ينجح به غير أصحاب الإرادات الوطنية والقومية. فهو ليس طاولة مفاوضات ومساومات وتسويات لم تكن هذه المعارضة التي اختارت التبعية للخارج في موقع يسمح لها بالتفاوض بعد أن أوكلت أمرها للآخرين من عربان وغربان ودواعش وفواحش.كما أن الحوار هو مسار وديمومة وليس طاولة حوار وحوار طاولة محدود في الزمان والمكان وينتهي بانتهاء الوقت المخصص له. لقاء موسكو غير قابل للدخول في امتحان ثنائية نجاح وفشل اللقاء بل في ثنائية نجاح السوريين في تأكيد قدرتهم على التلاقي ومواجهة الأخطار المحدقة بوطنهم وأمتهم.فالكل بات يعرف أن المفاوضات تجري في مكان آخر وفي ظروف وشروط أخرى لا علاقة للمعارضات التلفزيونية بها.
التاريخ - 2015-01-01 5:34 PM المشاهدات 848
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا