شبكة سورية الحدث


صـراع بيـن المالية والتجار لا يحلّه إلا نظــام الفوتـرة

صـراع بيـن المالية والتجار لا يحلّه إلا نظــام الفوتـرة
سورية الحدث لا يزال النظام الضريبي في سورية يفتقر إلى مقوماته الأساسية مثل العدالة والوضوح والاقتصاد في نفقات الجباية، ولم يحقق سوى هدفاً أولياً من أهداف فرض الضريبة ألا وهو الهدف المالي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في مجال ضريبة الدخل المقطوع، تلك الضريبة التي تحكمها الأهواء الشخصية لجباة الضرائب أكثر من البعد الموضوعي في التقييم، وفي ظل غياب الثقة بين وزارة المالية والتجار الذين يرفضون الإفصاح عن أرباحهم الحقيقية، ومع انتشار التهرب الضريبي وغياب العدالة والعشوائية في التقدير، فإن العلاقة الضريبية بين تجار سوق الحميدية ووزارة المالية تبقى ملعباً واسعاً للفساد بأشكاله كافة.تخمين عشوائي وأرقام افتراضيةيؤكد سامي صاحب محل أقمشة في سوق الحميدية أن الزيادات في معدلات الضريبة التي حصلت في السنوات الثلاثة الأخيرة، ليست متوافقة مع حجم المبيعات، ففي عام 2015 كانت الضريبة المقطوعة التي يدفعها نحو 50 ألف ل.س، لكنها وصلت في 2017 إلى نحو 150 ألف ل.س، فإذا كانت وزارة المالية تود رفع الضرائب، فيجب أن تتناسب طرداً مع حركة السوق، حيث أن قيم هذه الضرائب يجب أن تطبق بعد 7 سنوات من الآن، ويتابع سامي قائلاً: أقرت وزارة المالية علينا ضرائب دخل مقطوع، لذلك لا يحق لجابي ضرائب المالية الاطلاع على فواتير المبيعات، إلا في حال تم القضاء على التهرب الضريبي، وعندما يطبق القانون على الجميع. قبل 3 سنوات كانت وزارة المالية تأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات التي يقدمها التجار وأصحاب المحلات، عندما يشعرون بظلم الضريبة أو عدم عدالتها، لكن وزارة المالية الآن لا ترد على أي اعتراض نقدمه، إن المشكلة ليست في رؤية الوزارة وإنما في أداء موظفيها، والأمر الأخطر هو أن الاعتراض قد يقابل بقرارات كيدية من قبل موظفي الضرائب، ويقول سامي: بالنسبة للتخمين فإن وزارة المالية تقوم به كل 3 سنوات، حيث يأتي موظف المالية ويقف أمام المحل ويقيم الضريبة بشكل عشوائي دون أي قواعد.أبو عاصي، عامل في أحد محلات الألبسة، يقول لـ «الأيام»: لم يزرنا أي موظف من وزارة المالية طوال السنوات الماضية التي عملت فيها، أما بالنسبة لضريبة عام 2017 فقد قدرتها وزارة المالية بناء على بيانات عام 2016، ويتابع أبو عاصي: يجب على الخبراء أن يروا حركة السوق قبل تقدير الضريبة، فالحركة الشرائية في عام 2018 ضعيفة جداً مقارنة مع عام 2017، ويجب أيضاً أن توضع الضريبة حسب النشاط التجاري لكل سوق من الأسواق السورية بشكل منفصل، فالضرائب تزداد كل عام، بالمقابل حركة السوق تتراجع، أضف إلى ذلك ازدياد المصاريف مثل أجور وخدمات، بشكل أكبر من حركة المبيعات.ضريبة ترتفع من 30 ألف ل.س إلى أكثر من مليون فجأةيقول الصائغ أبو رامي إن مبلغ الضريبة المقطوعة الذي كان يدفعه لغاية عام 2015 حوالي 30 ألف ل.س، ومن ثم ارتفع إلى 400 ألف ل.س خلال أعوام 2015 و 2016، وفي عام 2018 جاء موظف المالية ووقف شكلياً أمام المحل لنفاجئ عند مراجعة وزارة المالية بارتفاع الضريبة إلى 1.1 مليون ل.س، أي أن الضريبة ارتفعت بنسبة 175% عن عام 2016، ولقد امتثلنا لدفع قيمة الضريبة مجبرين تحت تهديد الحجز على المحل، إن هذه الزيادة هي زيادة تعسفية غير مبررة، وقد قدمنا اعتراضا لكنه رفض من قبل الوزارة، ويتابع أبو عاصي قائلاً: أنا شخصياً لم أستطع رشوة الموظف لأنني أخشى من أن يرفض أو أن ينقلب الأمر ضدي، ولكنني أعتقد أنه إذا كان لديك واسطة فقد يخفف الموظف ضريبتك إلى النصف، نحن لا نعلم ما هي مبررات الحكومة ووزارة المالية، فهم يعلقون شماعتهم على ارتفاع الدولار والتصريف وغيرها. الحكومة ستحصل الضرائب بأي طريقة (حلال أو حرام)، ونحن نعتقد بأن وزير المالية على علم بما يحصل لكنه لا يحرك ساكناً.يتحدث مؤيد (صاحب محل ذهب) قائلاً: في عام 2005 كان يوجد هناك لجنة مالية وخبير مهنة لتقدير قيمة ضريبة الدخل المقطوع، فإذا صدر عن اللجنة بدفع قيمة ضريبة ما واعترض خبير المهنة لا يمكن فرض الضريبة عندها، لكن حالياً لجنة وزارة المالية تصدر قرارها حتى لو كان الخبير غير موافق، والوزارة تحتج بازدياد معدل التضخم ،وهذا صحيح فربما تضاعف التضخم بمعدل 8 مرات، لكن الضريبة تضاعفت نحو 10 مرات، ويتابع مؤيد: كانت ضريبة المحل منذ 5 سنوات نحو 50 ألف ل.س، لكنها وصلت الآن إلى 400 ألف ل.س، وإذا دفعت الضريبة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام سيتم خصم من 2% إلى 4% من قيمتها، لكن في حال التأخير إلى ما بعد الشهر السادس فإن المكلف سيتعرض لدفع غرامات، المشكلة أن مبيعاتنا لم تزيد والحركة الشرائية ضعيفة، الحل برأينا -مؤقتاً- أن تُدفع الضريبة حسب معدل التضخم أو أقل، أما الحل الدائم فهو تطبيق نظام الفوترة، كما هو الحال في الدول الأوروبية، أي أن يفرض قانون الضريبة بشكل عادل على كل التجار، الكبار والصغار، نعم ربما أخسر قليلاً لكننا سنشعر بالعدالة.يقول مروان (صاحب محل أحذية): «لقد رضينا بما رضي به الآخرون، ودفعنا الضرائب رغم أنها ظالمة، حالنا كحال كل أصحاب المحلات في سوق الحميدية، لأننا على يقين أن لا طائل من الاعتراض، بل ربما ترفع لجنة الضرائب بشكل كيدي، كما أننا لا نريد أن نصنع مشكلة مع جباة الضرائب، لأنهم ربما يدبرون اتهامات جاهزة بحقنا، لقد فعلوها بأصحاب محلات في باب توما من قبل، ويمكن أن يفعلوها بحقنا أيضاً».غموض في قانون الضرائبتشرح المحامية آلاء شاهين الأطر القانونية لضريبة الدخل؛ فقد صدر قانون خاص بضريبة الدخل رقم 24 في 2003، وهناك عدة أنواع للضريبة، منها ضريبة مباشرة على الشخص لا يستطيع التهرب منها، وضريبة غير مباشرة، وفي هذه الحالة يستطيع الشخص نقل عبء هذه الضريبة إلى غيره، مبينة أن ضريبة الدخل هي أهم أنواع الضرائب المباشرة وأكثرها إثارة اللغط والإشكاليات، أما الضرائب غير المباشرة فهي مثل ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، وضريبة القيمة المضافة والرسوم والضرائب الجمركية.يفرض القانون على أصحاب المهن التجارية وغير التجارية، ضريبة الدخل المقطوع، والفرق بين المكلفين بضريبة الأرباح الحقيقية والمكلفين بضريبة الدخل المقطوع، هو أن المكلفين بضريبة الدخل الحقيقي محددون، على سبيل الحصر بالقانون 24 لعام 2003 مثل أصحاب المنشآت والمعامل، في حين أن أي صاحب مهنة تجارية وغير تجارية لم يرد ذكره ضمن فئة الأشخاص الخاضعين للأرباح الحقيقية يدخل ضمن ضريبة الدخل المقطوع.قسّمَ المرسوم 10 لعام 2015 والمعدل للقانون رقم 24 لعام 2003 وهو خاص بضريبة الدخل المقطوع المكلفين بضرائب الدخل المقطوع لأربعة فئات، الفئة الأولى هي فئة كبار المكلفين، والثانية فئة متوسطي المكلفين، والثالثة فئة باقي المكلفين، والفئة الرابعة هي فئة المهن الحرة، ليس هناك في القانون معيار موضوعي يوضح للموظف كيفية فرض الضريبة، لذلك يطغى الجانب الشخصي على الجانب الموضوعي في عملية التقدير. لكن التقدير يبقى مؤقتا حيث تناقش لجنة الفرض الضريبي هذا التقدير، وهي لجنة تُشكَّل بقرار من وزير المالية، ولها الخيار باعتماد التقدير، أو زيادة الضريبة، أو إنقاصها، وبعد التقدير النهائي لـ اللجنة، يعطي القانون مهلة 30 يوماً من تاريخ تبليغ المكلف، للاعتراض على الحكم أمام لجنة إعادة النظر، أو اللجنة الاستئنافية. وبحسب المادة 6من القانون 24 وبعد تعديلها بالمرسوم 10 لعام 2015، فإنه تشكل لجنة إعادة النظر من موظف مالي من الفئة الأولى، ومن موظف خبير بالقطاع العام الأكثر ارتباطاً بهذه المهنة، ثم الخبير، كان موضوع وجود الخبير في المادة 6-قبل تعديلها- جوازيا، لكن الآن أصبح وجوده وجوبياً. إن المشكلة في آلية تطبيق القانون، فالقانون يقول بأن قرارات لجنة إعادة النظر نهائية أي لا تقبل الطعن، وهو ينافي الحق الدستوري باللجوء إلى القضاء.ترى شاهين بأن تعديل القانون بالمرسوم خطوة جيدة لكنها غير كافية، لذلك تقترح بأن يلتزم موظف المالية المكلف بالضرائب، بقواعد موضوعية مثل دفاتر وقوائم جرد معينة، والتاجر بحسب القانون ملزم بمسك دفاتر تجارية، تتضمن كل عملياته التجارية، كما يفضل وجود خبير مع موظف المالية، إضافة إلى وجود منظومة ربط إلكتروني لكل قطاع بقطاعه، للتعبير عن العمليات التجارية بالتعاون بين وزارة المالية والتجار. وهذا يحد من الاحتكاك مع موظف المالية ويمنع الرشوة والفساد، وأيضاً عندما يضع المشرع مؤيدات أي عقوبات قانونية رادعة، في حال التهاون بالنص التشريعي لن يجرأ أحد على التلاعب بالتشريع.نسب ضريبية حسب شرائح الأرباحقسّم المرسوم رقم 51 لعام 2006 نسب دفع الضرائب إلى شرائح حسب الأرباح، بحيث تكون نسبة الضريبة 10% لمن وصلت أرباحه إلى 200 ألف ل.س، في حين تفرض ضريبة 15% على من تتراوح أرباحه بين 200 و500 ألف ل.س، كما يدفع ضريبة نسبتها 21% للتاجر الذي تتراوح أرباحه بين 500 ألف و مليون ل.س، في حين تُحصّل ضريبة 24% من التاجر الذي تراوحت أرباحه بين 1 مليون إلى 3 ملايين ل.س، وضريبة 28% على كل من تجاوزت أرباحه 3 ملايين ل.س، لذلك هناك نوع من الضبط على ضرائب الأرباح الحقيقية، في حين تكون الإشكاليات على ضريبة الدخل المقطوع.ضريبة الدخل المقطوع تشرعن الفساديقول إبراهيم العدي (أستاذ المحاسبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق) إن ضريبة الدخل المقطوع في سورية وجدت منذ 1949، عندما كان قسم كبير من السوريين أميّا لا يقرأ ولا يكتب، فالضريبة كانت مفروضة على أناس أميين، ومتناسبة مع ظروف تلك الفترة، لذلك يفترض إلغاؤها منذ زمن، لأن ضريبة الدخل المقطوع تشرعن الفساد، فالتاجر يدعي أن الضريبة تزداد أربعة أضعاف خلال أربع سنوات، في حين لا علاقة بين ضريبة السنة الماضية والسنة الحالية، ويتابع العدي قائلاً: مكلفو ضريبة الدخل المقطوع يكلفون كل 3 سنوات بشكل ثابت، لذلك غيرت وزارة المالية الضريبة حسب رؤية زيادة المبيعات.سورية جنة ضريبية للتجاريضيف العدي: «ينتشر في ضريبة الدخل المقطوع نوع من المزاجية، والشخصنة، والفساد مرتبطة بمراقب الدخل، ويكون الحل بفرض ضريبة عامة موحدة على دخل التاجر، بالطبع لن يرضى التجار بفرض ضريبة أرباح حقيقية بدلاً من ضريبة الدخل المقطوع عليهم مقابل التصريح بالدخل الحقيقي. كما أن وزارة المالية في وضعها الحالي عاجزة على فرض ضريبة أرباح حقيقية على التجار، لعدم وجود فواتير، الحل الأفضل لتحقيق نوع من العدالة هو نظام الفوترة الذي تم التحدث عنه في سورية منذ عام 1964، ولم يُطبّق لأن المستفيد من عدم وجود فوترة له مصلحة في عدم تطبيقه، ربما تسأل التاجر عن الممنوعات! لكن أخطر ما تسأله عنه هو الفاتورة! تفكر وزارة المالية حالياً بضبط التجارة عن طريق عملية الدفع الإلكتروني، وهنا تستطيع الوزارة فرض الضريبة بناء على عمليات الشراء والبيع الحاصلة إلكترونياً، كما ستنهي بالتالي المساومة والرشوة بين مراقب الدخل والتاجر».يختم العدي بأن سورية جنة ضريبية بالنسبة للتجار فهي ملاذ آمن. كما أن هناك علاقة غير ودية بين التجار والمالية منذ أيام العثمانيين وما زالت مستمرة.بدوره يشير شوقي كريم (دكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق) إلى أن ضريبة الدخل المقطوع توضع جزافاً وبشكل تقديري من قبل مراقب الدخل، فهو يقدر العمل اليومي وعدد أيام العمل، فيحصل على تقدير للربح السنوي. هناك نسب وضعتها وزارة المالية، فلكل مهنة حد أعلى وأدنى، والمراقب يختار بين هذه النسب، ويضرب رقم عدد العمل مع نسبة الربح، بالمحصلة يبقى نظام الفوترة أحد أفضل وسائل الإصلاح الضريبي.إن عدم اعتماد نظام الفوترة الذي يكشف عن القيمة الحقيقية للمبيعات والأرباح، وعدم اعتماد ذلك النظام أساساً لفرض الضرائب، سيبقي من أفكار الإصلاح الضريبي في سورية حبراً على ورق في أدراج وزارة المالية، وسيسمح للفساد والمحسوبيات في فرض آليته الخاصة على عمل ضريبة الدخل المقطوع.الأيام
التاريخ - 2018-05-24 4:17 AM المشاهدات 3119

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا