شبكة سورية الحدث


آخر العلاج قرار جريء

آخر العلاج قرار جريء بقلم ناظم عيد / جريدة البعث غالباً ما تأتي الحلول الجراحية بإيقاعٍ قاسٍ على المعنيين بها، وفي عالم الطب والتشريح ما يؤكد هكذا حقيقة، عبر معادلات غير قليلة يمكن إسقاطها على أدبيات الحياة العامة، لذا قد لا نجافي الحقائق إن زعمنا أنَّ الأدوية الفعّالة تكون مرّة عادةً، وهي مرارة مسوّغة تحت إلحاح اعتبارات الشفاء المستدام. هي مقاربة -نعتقدها الأكثر وضوحاً وإيضاحاً– للمعالجات الطازجة التي جرت على ملف المشتقات النفطية.. الملف الذي طالما وصفناه بالمعقد والشائك، وتفادته معظم الحكومات السابقة، ورحّلته إلى هذه الأيام الصعبة التي حتّمت “العلاج بالكي”. الواقع أن رفع الدعم كلياً عن المواد البترولية يفترض أن يكون هو المطلب الشعبي وليس العكس، ولعله كان كذلك في سريرة كل من أعاد حساباته بهدوء بعيداً عن جلبة التصريحات واختلاط سيناريوهات التوزيع، لأن المدعوم أكثر هو من يستهلك أكثر، وإن سلّمنا بذلك –وهذه حقيقة– يكون المواطن ذو الاستهلاك التقليدي هو أقل المدعومين، وبالتالي أقل الخاسرين من تحرير أسعار المواد المدعومة. وقد يكون علينا، ولو على سبيل تداعي الأفكار، أن نسترجع صدى فشل المعالجات السابقة، والضجيج الذي أحدثه تهريب المشتقات النفطية السورية المدعومة، وخصوصاً المازوت، إلى الدول المجاورة، والآليات العرجاء التي كانت متبعة في إيصال الدعم إلى مستحقيه.. فكانت “زبدة الدعم” من نصيب مواطني الدول المجاورة بعلاوات مجزية يجنيها من هرّب ومن سهّل التهريب -وحالة الخبز لا تختلف كثيراً- لتسجّل مبالغ الدعم كاملةً في دفاتر ذمة المواطن السوري “المدعوم”، وقد شكلت في بعض السنوات ثلث الكتلة الإجمالية للموازنة العامة للدولة. ولم يكن تجار المواد المدعومة عبر سنوات أزمتنا هذه أرحم حالاً من المهربين، إبّان سنوات الرخاء، وبالفعل كانت تظهر خلاصات أرقام الدعم بقيم هائ أي لم يعد من وسيلة ناجعة تمنع “النزيف الداخلي والخارجي” لمشتقاتنا النفطية سوى تحرير أسعارها، وبما يلغي جدوى التلاعب والمضاربة بها في الداخل وتهريبها إلى الخارج. من هنا يبدو لكل متابع للتفاصيل عن قرب أو عن بعد أن تحرير الأسعار بات مطلباً شعبياً وليس حكومياً، رغم ثقل الوطأة الذي سيرتبه في سجل اليوميات الصعبة تحت عنوان الأزمة. وقد تكون الطريقة التي تمّ إخراج الحل عبرها-إقرار التعويض المعيشي- الخيار الأنسب في إيصال الدعم إلى الجزء الأكبر من مستحقيه، وهي طريقة تؤكد سعي الحكومة والقيادة السياسية إلى تلمّس أوجاع المواطن والتخفيف من معاناة سببتها أزمة أرخت بظلالها الثقيلة على كامل مكوّنات الدولة وبالأبعاد المادية والمعنوية. ولعل ما يمكن وصفه بـ”فضيلة أزمتنا” تلح علينا هنا في طلب الإشارة إليها، وهي أن حكومتنا أنجزت وبجرأة ما يرقى إلى مستوى الاستحقاق المؤجل –تردداً- منذ سنوات، وأغلقت أشهر الملفات الموصوفة بالمعقدة على مدى عقد ونصف العقد من الزمن، لنضع نقطة على السطر ونبدأ بالنظر إلى المستقبل والقادمات من الأيام، وأغلب الظن أن مكافحة الهدر وترشيد الإنفاق سيكون العنوان العريض الذي لن يبرح يومياتنا، لأننا هدرنا وهدرنا.. ولم نكترث قبلاً إلى الحكمة التي تؤكد أن “الغنى يورث البطر”.
التاريخ - 2015-01-19 3:33 PM المشاهدات 728

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا