سورية الحدث _
دالية الفقر موحشة،مرّ عِنبها، لكننا أحياناً نجد مَن يُسكره العنب المُرّ سُكراً يبعث فيه العزيمة، حدَّ أن تتفجّر خلاياه بعرق طيّب تنبع منه العبقرية..
كثير من الناس من يتأذّى من رؤية الفقراء والمعوزين حوله، ثم يمضي لحال سبيله أو قد يشارك على وسائل التواصل ببضع كلمات أو صور تبرز سوء أوضاع الفئات الكادحة.
وأكثرهم من يجعل الفقر منهم مرتعاً للعبقرية للتخلص من واقعهم السيئ على أكثر من صعيد، فيؤهله الفقر لبناء صرح المجد ذاك الذي لا يبلى ولا يموت، بل أكثر من ذلك فإن الزمن يصيّره القُوت لحياته.
بين من كانت تضطره مطرقة واقع الفقر إلى أن يعزف على آلة الكمان في الشوارع طالباً حفنة من المال من فرط الحاجة والإهمال، ومن كان يفرض عليه خنجر البؤس أن يندسّ تحت الفراش حزيناً.
نعيق الفقر كان وما زال يشكل القاسم المشترك بين عدد من العباقرة، أولئك الذين عاشوا حياة موبوءة بطاعون الفاقة الذي عرّى آدميتهم وقلّص المسافة لأقدامهم نحو مدن الحظّ. ولكنّهم عملوا وأصرّوا على ترتيب نجاح مدوِّ صارخ تحت شمس الأمل وبصيص نور الحياة معاً.
(فولفغانغ أمادوز موزار) لم يكن غير واحد من هؤلاء الذين انتشلهم منقار الفقر بعيداً عن حرير رغد الحياة التي كان يحلم بها هؤلاء الذين يزرعون الإحساس في قلوب الناس، وكيف؟ بفضل ما يبثونهم من عذب ألحانهم الشجيّة وموسيقاهم السخيّة تلك التي لا يخطئها الذوق.
أغلب مشاهير العالم هربوا من هشاشة الواقع وتسلّقوا قمم العبقرية والقاسم المشترك بينهم هو الفقر الذين عانوه في بداية حياتهم، ولكأنه الوصفة السحريّة للوصول إلى العالميّة.
بعض الناس نرى الفقر يحكم على حياتهم مع وقف التنفيذ، متناسين أنه العوز نفسه ذاك الذي يربّي فيك الإحساس، ولولا الإحساس لما رأينا_موزار_ وأمثاله وصلوا إلى العالميّة.
فإمّا أن يكون الفقر الضربة القاتلة التي تجعلك تتقوقع في عالم الخوف وعدم التقدّم ولو خطوة نحو الأمام.. وإمّا أن يكون المحرّك الأساس لمكامن النفس والعقل معاً كي تحارب وتقاتل وتخرج من مدن الضباب نحو شمس الحياة..
لتذكّر أنّ الأطباء لا يعالجون جميع المرضى بدواء واحد، الدواء يكون من جنس المرض، كذلك الواقع المعاش لا ينبغي أن نفكر بالحلّ نفسه لمختلف معضلاته.
ثق بنفسك يثق بك الآخر. بسعيهم الدؤوب استطاعوا حلّ شفرة الرسالة، وهي أنّ الفقر لا يمكن أن يقف في وجه من يملك الإرادة.
مسافة الانتظار المُرهقة لقدمي الروح قضت بأن يتناسوا الفقر لإدراك موعد المجد المنتظر.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا