قال أحد الأكاديميين والخبراء المصرفيين مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن الاقتصاد السوري بحاجة إجراءات غير تقليدية لتحقيق التوازن بين هدف كبح جماح التضخم وتحقيق مستوى مقبول من النمو.
وبيّن الأكاديمي أن من هذه الإجراءات تبني برنامج شراء الأصول المتعثرة لدى المصارف وتعقيم ميزانياتها، حيث أن هذه الإجراءات تسهم في زيادة ضخ السيولة في القطاع المصرفي والاقتصاد ككل بما يساعد في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وأضاف، أن أي سياسة انكماشية تقشفية تتطلب اتخاذ إجراءات مالية ونقدية من أجل كبح جماح التضخم، لتصب في إطار سحب السيولة الفائضة من السوق وإعادتها للمصرف المركزي وهذا ما يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في خفض معدلات التضخم، لكن ذلك سينعكس سلباً على معدل النمو.
وأوضح الأكاديمي أن الاقتصاد السوري يعاني من ارتفاع جامح بمعدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة يترافق مع مستوى متدني لمعدل النمو وبالتالي فالإجراءات التقليدية لا تفيد بمعالجة التضخم الجامح، حيث أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التدهور في معدل النمو وفي الوقت نفسه فإن الاجراءات الرامية لرفع معدل النمو ستسفر عن مزيد من التضخم.
وبين أن السياسات المالية الخاصة بكبح جماح التضخم بشكل عام، يجب أن تتمثل بخفض الإنفاق العام ورفع الضرائب وطرح سندات حكومية، أما النقدية فتتمثل برفع معدل الفائدة الأساسي أو من خلال عمليات السوق المفتوحة التي تتمثل باتفاقيات إعادة الشراء ومعكوسها ورفع سعر فائدة نافذة الخصم، بينما يحتاج دعم النمو لسياسات مالية وإجراءات معاكسة للإجراءت السابقة، فلا بد هنا من سياسة توسعية تيسيرية، كخفض الضرائب وإعادة شراء السندات الحكومية المصدرة.
ولفت إلى أن الإجراءات النقدية المتخذة من قبل "مصرف سورية المركزي" والمتمثلة بإصدار شهادات إيداع بالليرة السورية مفيدة في كبح جماح التصخم، لكن لا بد من إرفاقه بسياسة أو برنامج لدعم النمو كبرنامج دعم القروض لقطاعات إنتاجية معينة يتم تحديدها بما يتسق مع السياسة الاقتصادية العامة.
وتابع بأن "إصدار شهادات الإيداع من شأنه خفض السيولة المتداولة، الأمر الذي يسهم في الحد من إرتفاع التضخم، إلا أنه يقوّض فرص النمو حيث أن ذلك يسفر عن ارتفاع تكلفة التمويل ويؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الحصول على تمويل لإطلاق أو تطوير مشاريعهم فيكون هنا لبرنامج دعم القروض الدور الأساسي في خفض تكلفة التمويل وتوجيه السيولة ضمن قنوات الاستثمار الملائمة وبتكلفة معقولة ومناسبة لإطلاق المشاريع الإنتاجية".
وأكد الأكاديمي أنه لا يمكن الحد من التضخم دون أن يكون لذلك أثر جلي على النمو، فلا نمو دون تضخم مرافق له، لذلك عادة ما تعمل الدول على استهداف التضخم عند مستوى معين يسمى التضخم المحمود لتحقيق مستوى معين من النمو، إلا أن ارتفاع التضخم إلى مستويات تتجاوز المستوى المستهدف يقوّض من علامات وفوائد النمو الاقتصادي المسجلة ويسمى عندها التضخم جامحاً.
وكشف مركز دمشق للدراسات والأبحاث "مداد" في تقرير له نشر مؤخراً، عن مرور سورية في الألفية الحالية بـ3 أزمات بارزة، تم التعامل معها بإجراءات مكلفة ومحدودة التأثير وغير مستدامة، مقترحاً 9 إجراءات منها ربط الرواتب بالتضخم، لبناء منظومة حماية اجتماعية مستدامة.
وبحسب المركز، فإن منظومة الحماية الاجتماعية تُعبّر عن الإجراءات والسياسات التي تنتهجها الدولة لمساعدة الفئات الهشة من السكان، ممّن تتضرّر معيشتهم بسبب الأزمات، أو جراء مفرزات الإصلاح الاقتصادي.
وارتفع التضخم (متوسط أسعار السلع والخدمات) في حزيران من العام الماضي 2019 بمقدار 865.1%، أي أكثر من 8 أضعاف عن 2010، وهي سنة الأساس، فيما زاد بنسبة 10.4% على أساس سنوي (أي مقارنة مع حزيران 2018)، وفق بيانات "المكتب المركزي للإحصاء".
وفي شباط الماضي قدّم "مداد" عدة مقترحات، لإحداث فارق إيجابي في الوضع الاقتصادي، حسبما ذكر، منها رفع الفائدة على ودائع الليرة السورية والدولار الأميركي، مقابل برنامج دعم حقيقي للقروض، إضافة لإصدار شهادات إيداع بالدولار.
واقترح "مداد" رفع أسعار الفائدة على الليرة إلى 15% أو 20%، على أن تتم معالجة ارتفاع الفائدة الدائنة على القروض نتيجة هذا الإجراء، عبر برنامج دعم حقيقي للفوائد مُموَّل من "وزارة المالية".
الاقتصادي
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا