على غير العادة استبدلت عائلات تقطن المدينة اهتمامها بنباتات الزينة المتوضعة بشرفات البيوت الحديثة؛ بإنبات الخضراوات والحشائش الخضراء الصالحة للطعام في هذا الفصل من السنة بردٍ طبيعي على أكبر موجة غلاء غير مسبوقة تعيشها الأسواق.
وأخذت الصناديق البيضاء المعروفة بـ (الفلين) الممتلئة بالتراب الأحمر أمكنتها بانتظام فوق أسطح بيوت طابقية أعادت معها للأذهان مشهد حصار المدينة التي عاشته الشهباء قبل سنوات.
فيما يراهن مواطنون نجاح تلك التجربة في منازلهم واستغلال مساحات صغيرة ومحدودة كـ (البلكون) في استخراج كميات الخضرة من (البندورة والخيار والبقدونس والبصل وغيرها) في تأمين أمنهم الغذائي بأنفسهم إذ يقول الشاب رامي عجم:
“لم أقتنع في البداية بفكرة والدي استغلال مساحة من شرفة منزلنا الكبيرة ووضع صناديق تحوي شتول كالكوسا والباذنجان وغيرها من الخضراوات إلا بعد أن بدأت بالإنتاج وتذوقتها، علمت وقتها قيمة أن تأكل مما تتزرع، حتى الطعام له مذاق لا يوصف”.
“صحن السلطة” الطبق الثانوي وغيره من أطباق الطبخ على الموائد بات يحسب له ألف حساب ولاسيما أن أسعار الخضراوات والمنتجات الزراعية حلّقت أضعافاً، دون طائل من إعادتها إلى أرض الواقع.
“مع هذه التجربة في المدن وإن تمكن كل بيت من اتباعها وسد جزء من حاجته يمكن بلا شك التأثير بالأسعار وخفضها إلى حد ما” تقول إحدى السيدات.
وتشرح أم محمد كيفية استغلالها سطوح البناء بزراعة أشكال مختلفة من المزروعات “الموضوع لا يحتاج إلا لشيء من التدبير أحضرت صناديق وبذور وزرعت أي مكان يمكن استغلاله حتى صحن لاقط مرمي أرضاً زرعت به”.
علّ تلك التدابير المنزلية البسيطة والتي أخذت تنشط في الآونة الأخيرة تطفئ شيئاً من لهيب الأسعار وتقف في وجه عاصفة غلاء “لم تبق ولم تذر” لكنها تمثّل لعائلات محدودة الدخل بأي حال من الأحوال “البحصة…التي تسند الجرّة” كما في الأمثال الشعبية.
ويتحدث المهندس الزراعي “عبد الله جانم” عن الزراعة المنزلية والتي تندرج ضمن المشاريع الصغيرة فيما لا تحقق الاكتفاء الذاتي فحسب بل وفق رأيه تمكّن أصحابها من بيع الفائض في الأسواق وتحقق أرباحاً من تلك المزروعات كونها دون وسيط.
ويردف: “من فوائد الزراعة المنزلية أيضاً أنها تنقي الهواء وتعطي أوكسجين وتوفر مياهاً بنسبة 85 % مقارنة بالزراعة التقليدية التي نستخدمها، وكل شهرين أو شهرين ونصف تعطي إنتاجاً وينعكس على الأسعار وتخفضها، وبالتالي تنعكس إيجاباً على حياة المواطنين المعيشية”.
ويتابع الباحث “جانم” المتخصص بالاقتصاد الزراعي حديثه عن أثر هذا النوع من الزراعة ومنها ما تتركه من أثر جمالي في البيوت، وخاصة أنها لا تحتاج إلى أمكنة واسعة بل هي مساحات متاحة تحقق الاكتفاء الذاتي للفرد وينعكس على الدخل الوطني بالتالي، ويتابع قائلاً:
“تكلفتها تنحصر بمحلول مغذٍ للنبات وشتول زراعية وغطاء بلاستيكي وبيئة زراعية ومكان صرف وتنظيف المكان المزروع وتعريضه من أربع إلى خمس ساعات بشكل كامل للشمس من أجل التركيب الضوئي هي ضمن المشاريع الصغيرة التي يجب دعمها”.
من جانبه يشجّع رئيس غرفة زراعة حلب “محمد علي وراق” على تلك المبادرات الفردية، مبيناً أن الأفكار كثيرة في هذا الخصوص وبالتالي تنعكس إيجاباً بتأمين حاجات المواطنين من الخضراوات بشكل سريع.
في المقابل لفت رئيس غرفة الزراعة إلى أن النظام العمراني في حلب مكّن القاطنين في بيوتهم من استغلال تلك المساحات لتحويلها إلى مساحات خضراء إذ عدا البيوت الطابقية توجد حدائق منزلية ومنها واسعة وأضاف قائلاً:
“مع توفر المياه والأبار في كل حي والبذور يمكن المباشرة بهذه المشاريع الصغيرة”.
ويعزو رئيس الغرفة “وراق” أسباب ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية إلى زيادة تكاليف الإنتاج والضرر الذي لحق بالمزارعين، والتي أدت إلى تدمير وسائل الإنتاج وقال:
“أحد أبرز الصعوبات التي تواجه الفلاح في الوقت الحالي عدم توفر السيولة المالية لاسترجاع وسائل الإنتاج التي كانت لديه سابقاً ونحاول دعم الفلاحين من خلال تقديم قروض عبر المصارف الزراعية”.
لم يعد مشهد صناديق المزروعات إلى جانب نباتات الزينة المنزلية غير مألوف لدى نسبة من الأهالي ولم تقتصر تلك الزراعات البسيطة حُكراً على بيوت محدودي الدخل بل من الوارد أن تصادف شققاً في أحياء توصف بالثرية تتبع تلك الطريقة لما لها من فوائد على الأسرة.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا