يأتي شهر أيلول أو “شهر الميم” – كما يحلو للبعض تسميته – حاملاً معه أعباء كثيرة تبدأ منذ الربع الأخير من شهر آب، وتنتهي بنهاية الشهر التاسع تقريباً، إذ تعلن هذه الأيام المباشرة بتحضير مونة الشتاء، وعلى رأسها المكدوس، ولا تنتهي بحاجات المدرسة والمازوت، فالأعباء كثيرة، والطلبات تكثر طيلة العام الدراسي، ولأن الظرف اليوم ليس بأفضل أحواله، سواء المعيشية، أو الاقتصادية، وحتى الإنتاجية، فقد جعل ذلك من أيلول المنتظر على الأبواب شهراً مختلفاً وكاوياً أكثر من ذي قبل، والتحضير له يستدعي على ما يبدو حسابات وورقة وقلماً، والحكاية تبدأ من “المكدوسة”، فهذه الوجبة التي اعتادت الأسر السورية تواجدها على سفرتهم الصباحية لن يستغنوا عنها مهما كانت الأحوال، إلا أن التحايل على المكونات هو السائد في حديث من التقيناهم، إذ يقولون: المكدوس أكلة لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاؤها من المائدة، إلا أن تكلفته ليست بالقليلة إذا ما قورنت بالوضع المعيشي للناس، فكيلوغرام الباذنجان 250 ليرة، والفليفلة الحمراء 300 ليرة، ووصل كيلوغرام الجوز البلدي في بعض المحال لـ 25 ألف ليرة، أما الصيني فقد تجاوز الـ 14 ألفاً بسعر يختلف من مكان لآخر، كذلك ليتر الزيت بلغ سعره 1400 ليرة، وكيلوغرام الفستق 6000 ليرة، وهي أسعار تزداد حسب مزاج التاجر، لذلك قللنا الكمية واستبدلنا بعض المكونات لتخفيف العبء، بعض الأسر، كما علمنا، تحتاج ما يقارب 60 ألف ليرة لصنع 25 كيلوغرام “مكدوس جاهز” بمكوناته الأساسية، وبعضهم روى أنه يحتاج لـ 100 ألف ليرة لصنع 50 كيلوغرام مكدوس بعد تخفيف المكونات، أما من يفضل زيت الزيتون لصنع المكدوس فتكلفته أكثر بكثير، هذا ولم نتحدث عن تكلفة الغاز الذي يستخدم لغلي الباذنجان، و”المطربانات” المعدة لحفظه، فقد وصل سعر البلاستيك منه لـ 1700، والبلور 2500 ليرة، وتتقلب الأسعار من تاجر لآخر، وبالتزامن مع المكدوس تقوم “العيل” بشراء الملوخية والبامياء و”كسيد” الباذنجان والخيار والقثاء لصنع المخلل، إضافة لصنع المربيات من الفواكه التي كان لارتفاع سعر السكر أثره السلبي على تموينها، وبالإضافة لكل ذلك تأتي المدارس بهمومها وحاجاتها إلى جانب الاستعداد لشراء مازوت التدفئة، كل ذلك جعل من أيلول شهر الأعباء و”تك” العملة التي تم جمعها منذ أشهر طويلة على حد تعبير البعض.
بعد امتحان مؤسسات التدخل الإيجابي بعدة ميادين، وإثبات فشلها للأسف لتغدو بعيدة كل البعد عن اسمها، وبعد التعويل الفاشل على الضغط على التجار لتخفيض الأسعار، كان أحد الحلول الآنية تغيير العادات الاستهلاكية علّها تفضي لنتيجة لاسيما في فترة التحضير لفصل الشتاء بكل مكوناته، المهندس والخبير الزراعي والاقتصادي أكرم عفيف دعا لذلك في حديثه لـ “البعث”، ويقول: في ظل الظروف المعيشية الصعبة، علينا أن نفكر بكيفية اتباع عادات استهلاكية جديدة، وتجاوز الأزمة بشتى الطرق حتى وإن كانت بسيطة، وعلى اعتبار أننا جميعاً نحضّر للمكدوس، بإمكاننا صنعه على دفعات لتخفيف العبء المالي، والاشتراك مع الجيران لقيام أحدهم بشراء المستلزمات من سوق الهال بدل تجار المفرق، فالسعر عندها سيختلف كثيراً، ويمكن استبدال الجوز ذي السعر المرتفع بمادة الفستق، خاصة أننا في موسمه وهو متوفر في السوق بسعر مقبول مقارنة بالجوز الذي تخطى عتبة الـ ٢٤ ألفاً، والاستغناء عن زيت الزيتون بأي نوع آخر يحبذه الشخص، وإلى جانب المكدوس تتجه بعض الأسر لصنع المربيات التي سيؤثر سعر السكر وتوفره على الكثيرين ممن قد يستغنون عنه، لذلك بالإمكان الاتجاه نحو تجفيف الفواكه كالبطيخ الأصفر والتين والدراق وغيرها بعد شرائها من سوق الهال، لأن التاجر يتحكم بسعرها، وهنا نتمكن من توفير المربى في الشتاء دون تكاليف، نحن نعمل على المتاح- يقول عفيف- والمتوفر بين أيدينا، إذ إننا لا نملك القدرة على زيادة الرواتب التي إن حصلت لن تكون حلاً نهائياً، الحل بتغيير عاداتنا الاستهلاكية كخطوة أولى.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا