بقلم : عماد جبور
من لا يضع التاريخ أمام عينيه عند قراءة الواقع، فسيخسر الرؤية الموضوعية لجذور القضايا، وموروثات
معالجتها، ورواسب استخدامها. لن أدخل في عمق تاريخ القرن العشرين، ولا حتى في سايكس بيكو، أو وعد بلفور، أو وعود ويلسون بإقامة دولة كردية، او حتى المخطط الصهيوني بضرب الامة السنية بإقامة المذهب الوهابي في السعودية لإحداث شرخٍ زلزالي يبقي الصراع مستمرًا على رقعة الجغرافية الممزقة، مترافق مع تأجيج الصراع السني الشيعي.
في العمق، لم تكن الدولة المسيحية في لبنان، التي رسخت المارونية السياسية، إلّا إحدى بدايات التقسيم والترسيخ لعناوين الدول الدينية، ولم تكن سايكس بيكو إلّا بداية استمرت تقريبًا مائة عام لتمزيق الكتلة الاسلامية العربية، والقومية العربية، وكتلة المكونات الحقيقية لبلاد الشام، والتي هي في العمق تمنع قيام الدولة اليهودية، وهذا ما ثبت عبر التاريخ. طبعًا عند تمزيق هذه المكونات، من خلال اللعب على تناقضاتها التاريخية، يصبح تقسيم الجغرافية سهلًا، لا بل بديهيًا. طبعًا كل ما ذكرته يحتاج الى عامل بحثي ضخم ويضم كافة الاختصاصات.
لنعد الى أيام الحرب الأهلية اللبنانية، والتي كانت في العمق تهدف الى ضرب التيار الفلسطيني والعربي المقاوم، وضرب دمشق من خلفها من خلال النار الطائفية التي كان يراد لها ان تصل الى النسيج السوري، وهذا ما دفع سورية للدخول الى لبنان لإيقاف الحرب الطائفية المترافقة مع هجوم إسرائيلي كاسح، والمترافقة أيضًا مع هجوم اخواني في الداخل السوري. هذا الانقلاب المزدوج، او الثلاثي الابعاد، والذي كان يراد به رأس دمشق وخاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد وإخراج العراق من خلال إلهائه بحربٍ مع ايران، دفع دمشق، وبعد مواجهات دموية في الداخل والخارج، الى القبول بهدنة او بالأحرى بوقفٍ لإطلاق النار، والذي دعي بـ"اتفاقية الطائف"، والتي رسخت إبقاء الحال على ما هو عليه، أي بكل مكوناته الطائفية ولكن تحت إشراف أمني سوري، وبالشراكة مع السعودية وامريكا.
في العمق، لم يكن الإشراف الأمني ليتوقف عند رعاية المصالح، بل تطور الى صناعة مقاومة توصلت الى تطوير قوة ضاربة استطاعت إخراج الإسرائيلي من لبنان، وطورت مقاومة فلسطينية بدأت تعمل من الداخل الفلسطيني من خلال ثورة الحجارة في بداية الامر. هذا الانقلاب المضاد، تمت مواجهته بالقرار 1559 الذي ترافق مع اغتيال الحريري لكي يكون هناك سبب لتكوين جبهة عربية ودولية لإخراج سورية من لبنان وإسقاط نظامها فيما بعد. وقد تمت البداية من خلال ما عرف بثورة الارز، طبعًا ترافق ذلك بالمقلب الآخر مع انقلاب ضخم تجلى بحرب الخليج، واسقاط بغداد، ومن ثم البدء بتقسيم العراق. أمام هذا الواقع، لم يكن أمام دمشق إلّا تفعيل المقاومة على كافة الساحات، وهذا ما أنهك اقتصادها وكيانها وخاصةً مع حصار اقتصادي بدأ منذ نهاية السبعينات.
في العمق، كان الانسحاب السوري من لبنان على إيقاع الضغط السعودي الامريكي الاسرائيلي، هو بداية مخطط الانقلاب المخطط لإسقاط نظام الحكم في دمشق حينها، من خلال الادوات الداخلية أيضًا، ولكن إحباط المخطط مهّد لحرب تموز والتي هشمت الفكرة بمقدرة المارونية السياسية على التعاون استراتيجيًا مع "إسرائيل"، وخاصةً بعد إنهاء مخلبها العسكري الممثل بجيش لحد والقوات اللبنانية، ورسخت ولادة حزب الله كقوة اقليمية مترافقة مع ظهور المقاومة الفلسطينية كقوة مسلحة داخل فلسطين، رغم تفعيل اوسلو واتفاقية وادي عربة مع الاردن. وامام هذا الضربة الاستراتيجية التي طالت الكيان الصهيوني، والتي وضعته امام عنوان الفناء او الزوال، وانطلاقًا من هذا كان لا بدّ من التوسع في ساحات المعارك، والانطلاق الى فتح الحرب على كامل الجغرافية والممتدة من المحيط الى الخليج، وعنوانها الرئيسي "رأس دمشق"، أو الانقلاب الكبير.
التاريخ - 2015-06-05 1:04 PM المشاهدات 797
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا