سورية الحدث _ كتب صفوان القدسي
(1)
ليس من باب التمني ، وإنما من باب قراءة الواقع كما هو ، ومن دون أية مساحيق تجميلية ، أن أندفع إلى مقاربة مسألة أراها على درجة غير عادية من الأهمية ، وهي أن الجبهة الوطنية التقدمية التي ابتكرها وأرسى مداميكها القائد الخالد حافظ الأسد ، والتي رعاها وحماها قائدنا ورئيسنا بشار الأسد ، شكَّلت وما تزال ، خطوة نوعية في الاتجاه الصائب والصحيح ، تختزل رؤية استراتيجية للعمل السياسي، تقوم على قاعدة إطلاق التعددية الحزبية والسياسية بحسبانها تعددية موجودة على أرض الواقع، لكنها كانت بفعل ظروف مضت وانقضت، مقيَّدة ومكبَّلة بأغلال وأصفاد متعددة، وفي المقدمة منها أنه ما من أحد قبل الحركة التصحيحية، كان مستعدا للاعتراف بوجود الآخر، على الرغم من أن هذا الآخر الذي ، وإنْ كانت له خصوصيته الفكرية، وتجربته الحزبية، وسيرته الذاتية، فإن هناك قواسم سياسية وفيرة وغزيرة تمشي على جسور موصولة، وطرق مفتوحة وممدودة، يتشارك بها مع الآخر، وأولها وأهمها الولاء للوطن ، نهجا وسلوكا . (2). هذه الصيغة المتقدمة للعمل السياسي ، ولدت من رحم حوارات استغرقت سنة بكاملها، شاركت فيها آنذاك أحزاب خمسة كان لها حضور فاعل ومؤثر على امتداد الجغرافيا السورية، وفي المقدمة منها حزب البعث العربي الاشتراكي. ثم من بعد ذلك تشكلت أحزاب جديدة، ولد بعض منها، من أرحام أحزاب الجبهة، وذلك بفعل ظروف وملابسات لا يعرفها إلا من عاصر مسيرة الجبهة، أو قرأ عنها القراءة الوافية والكافية، وهي ظروف وملابسات متعددة الأسباب، لكنَّ بعضا منها موضوعي، وآخر ذاتي تشوبه بعض التساؤلات التي مضت وانقضت وصارت إلى أن تكون جزءا من الماضي الذي لا نستحسن استحضاره ولا استذكاره.
(3) تعزيز هذه الصيغة وترسيخها وتجذيرها، يبدو ، وفي هذه اللحظة الضاغطة بالذات ، أمرا مُلِحَّا، خصوصا أننا، بفعل الحرب على سورية ، وما ترتَّب عليها من تفاعلات وارتدادات، والتي يجوز تشبيهها بزلزال جاءنا على غير توقِّع وانتظار، وإن كانت له مقدمات وإرهاصات لا تخفى على العين الفاحصة والمدققة، مقبلون على استحقاقات لا ينبغي لها أن تكون مثيرة للجزع والهلع، لكنه ينبغي لها أن تكون مثيرة لقدر ما من القلق المشروع والمطلوب والمرغوب، بحسبانها استحقاقات يحاول المستثمرون لها، استلابنا من ذاتيتنا وخصوصيتنا وتاريخنا وثقافتنا، وبالتالي نظامنا السياسي الذي اخترناه طوعا وطواعية ، واخترنا رئيسه بشار الأسد ، قناعة واقتناعا ، وهو النظام الذي ينبغي تدعيمه وتوطيده، وليس تغييره وتبديله، على نحو ما كان الخونة والمتآمرون والإرهابيون ، وما يزالون ، يسعون بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، إلى بلوغه والوصول إليه، على طريق حذف سورية من خريطة العالم، وإلغائها، واجتثاثها من جذورها.
(3)
وإذا كانت الجبهة الوطنية التقدمية هي من الأهداف المستهدفة ، فإن هذا الاستهداف يذهب إلى أبعد من ذلك ليبلغ نظامنا السياسي الذي تشكل الجبهة الوطنية التقدمية ركنا من أركانه، والذي يشكل هو نفسه حالة لا تجوز المساومة عليها، مهما بلغت الضغوط واشتدت الخطوب.
(4)
وفي تفعيل هذه الصيغة ، وإحلالها موقعها الطبيعي من الحياة السياسية السورية ، وهو تفعيل وإحلال يبدو بعض من معالمهما وملامحهما واضحين للعيان ، ما يجعلنا نستحضر من ذاكرتنا السياسية ما قاله ذات يوم القائد الخالد حافظ الأسد ، في خطاب مشهود ألقاه على الملأ ، وهو ما نصه بالحرف الواحد :
( إن الجبهة الوطنية والتقدمية هي الإنجاز الأكثر أهمية من بين جميع إنجازات الحركة التصحيحية ) . (5)
وفي هذا الكلام القاطع والمانع والجامع ، فضلا عن أنه الكلام الوافي والكافي والشافي ، ما يغني عن أي كلام ، وإني على ذلك لمن المراهنين .
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا