شبكة سورية الحدث


إيجاد محميّة لمدينة دمشق المنسيّة

إيجاد محميّة لمدينة دمشق المنسيّة

 

سامي مروان مبيّض

أصدر المكتب الإعلامي لمُحافظة دِمَشق بيان توضيحي حول قضية الرسومات على جدران دِمَشق القديمة، بعد الضجيج الإعلامي الذي أُثير حول الموضوع يوم أمس. جاء فيه أن هذه الفعالية تأتي ضمن نشاط ثقافي في الهواء الطلق، وأنها تمّت بموافقة أهالي حيّ التيامنة الذين أبدوا، وبحسب البيان، "كلّ الترحيب والتعاون." هنا أبدي تحفّظ لأن العديد من هؤلاء الأهالي تواصلوا معي ولم يوافق أحداً منهم على الرسم على جُدرانهم. ثم أضاف في البيان أن حيّ التيامنة "هو خارج مدينة دِمَشق القديمة المُسجلة باليونيسكو وليس أثريّاً." وبحسب المادة الأولى من قانون الآثار السوري، الصادر سنة 1963، إنّ الأحياء الأثرية هي فقط تلك التي يتجاوز عمرها 200 سنة.

هنا يستوجب الرد، بأن حيّ التيامنة هذا عمره مئات السنين، أي أنه أقدم من البيت الأبيض في واشنطن، وفيه كنيسة جاروجيوس، التي أنشئت عام 1836. أي أن عمرها 184 سنة، وبذك فهي أقدم من ساعة "بيغ بين" في لندن (1859) وأقدم من برج إيفّل في باريس (1889). والمسيحيين المتواجدين فيها والمقيمين في جوارها هم أقدم من سور دمشق. وباب مصلّى، حيث كانت استراحة الحجاج في الماضي والرسومات الإشكالية اليوم، يعود إلى العهد السلجوقي. ولكن وبالنسبة لمحافظة دِمَشق، جميع هذه الأدلّة لا تكفي لمُجرد أن الكنيسة لم يتجاوز عمرها 200 سنة، عِلماً أن الحيّ بحد ذاته هو أقدم من ذلك بكثير.

ولكن وبعيداً عن قضيّة الرسومات يجب أن نسأل: ما هي معايير الأهمية التاريخية بالنسبة لمحافظة دِمَشق؟ هل هي مُرتبطة فقط فيما هو داخل سور المدينة القديمة؟ أم محصورة فيما جاء في قوائم اليونيسكو؟ ماذا عن سوق ساروجا مثلاً؟ هو خارج مدينة دِمَشق القديمة، ولكن عمره تجاوز 800 سنة. وكذلك الحال مع الميدان والقيمرية والصالحية، وجميع قصورهم الفاخرة؟ وماذا عن الأحياء الأحدث من ذلك، مثل الشعلان، الذي أصبح عمرهُ اليوم تسعون سنة، و شارع أبو رمانة، الذي تجاوز عمرهُ السبعين سنة ونيّف؟ صحيح أنه وبحسب قانون الآثار السوري، هذه الأحياء لا تصنّف أثرية لأنّها يوم صدور  القانون كان عمرُها لا يتجاوز الأربعين سنة. ولكن قد مرت ستة عقود على هذا الكلام، وقد حان الوقت لإضافة أحياء جديدة إلى تلك القوائم، مثل شارع بغداد وأبنيته (الذي أنشأ عام 1922) وشارع 29 أيار (الذي شق عام 1925) ومنطقة عين الكرش، التي شيّدت سنة 1936. ماذا عن شارع العابد مثلاً، الذي ظهر في الثلاثينيات، وحيّ المهاجرين، الذي شيّد في نهاية القرن التاسع عشر؟ ماذا عن القصر الجمهوري القديم، وعمره أقل من 200 سنة، وماذا عن السراي الكبير في ساحة المرجة، الذي فتح أبوابه عام 1901؟ بالنسبة لكهم، ولأن هذه الأحياء والأبنية ليست مسجلّة لدى منظمة اليونيسكو ولا يتجاوز عمرها 200 سنة، فهي متاحة لجميع أنواع التجارب والمبادرات. لوكانت موجودة في أي بلد ثاني في العالم، لمُنع الإقتراب منها أو تَغير شيء من هويتها وشكلها المِعماري.   

لقد حان الوقت لإنقاذ ما أمكن وما تبقى من مدينة دِمَشق، الحديثة منها والقديمة. حان الوقت لإستعادة منصب "أمين العاصمة" وفصله كليّاً عن منصب المحافظ، حيث لا يتدخل في الشؤون الإدارية و الأمنية، ولا في شؤون الصرف. مهمته الوحيدة أن يعمل، بالتعاون مع لجنة من الحكماء، على تطبيق ما جاء في كتب التاريخ في كلّ ما هو مُتعلق بأحياء مدينة دِمَشق الأثرية والتراثية. مهمته تكون حماية المدينة من الأذى ومن التشويه البصري، وإحترام خصائصها الجمالية. التسمية ليست جديدة طبعاً، وهكذا كان يُسمّى "السيد المحافظ" في زمن مضى. يومها كان يُطلق على المدينة لقب "مدينة دِمَشق الممتازة،" ولا أعرف من أين جاءت كلمة "ممتازة،" ربما لأنها كانت فعلاً ممتازة يومها، بجمالها وأناقتها ونظافتها. ولو وجدت أذنٌ صاغية، لشُكّل هذا المجلس بالتعاون مع لجنة من أهالي دِمَشق، ولاُعطي صلاحيات واسعة للبت في كل أمورها الجمالية، أي أن يصبح مرجع مُعتمد لا يجرؤ مخلوق على تجاوزه، ولا على ضرب مِسمار واحد في جدران الشّام، ولا الرسم على جُدرانها، دون الرجوع إليه.

التاريخ - 2020-12-29 4:14 PM المشاهدات 439

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا