شبكة سورية الحدث


توثيق الجسر الملغوم وسيف سلطان في أحداث الثورة

توثيق الجسر الملغوم وسيف سلطان في أحداث الثورة

 
سورية الحدث الإخبارية-السويداء- معين حمد العماطوري 


حينما ندخل إلى سفر ذاكرة الثورة السورية وندرس بإمعان ودراية كيف استطاع الباحث الموثق أن يتخذ من أحداث الثورة رؤية فكرية في تواتر الاحداث، وربطها في خيط سري بين العوامل المؤدية للثورة وبين السياق التاريخي الذي من شأنه جعل التاريخ جمال سردي في متعة المتابعة والقراءة لماض عريق، نشعر بأهمية الجهد والتعب الذي قام به صاحب كتاب "من ذاكرة الثورة 1920 -1939 المجاهد متعب الجباعي" وهو الذي خرج للنور بقلم وتأليف المهندس "سميح متعب الجباعي"، حيث بدأ في التهيئة أو ما يسمى بالاستهلال للدخول في الأحداث العملية واضعاً القيمة المعرفية والمرجعية من وثائق تاريخية هامة قام بسردها قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" واتخذ الكاتب من تلك السرديات روابط علمية في تقديم التاريخ بشكله الإنساني ذو المصداقية بعيداً عن الأهواء والمحسوبيات الاجتماعية، جاعلاً التاريخ حكاية تحمل عنصر التشويق والوجدانية يتحدث بها كل من أحب الانتماء الوطني...
لذا نستطيع القول في قصة الثورة العربية الكبرى قام الباحث المهندس "سميح متعب الجباعي" بإجراء مقاربات ومقارنات معتمداً على أهم وثيقة تاريخية معاصرة وهي مذكرات "سلطان الأطرش" كما سردها بنفسه، ولعمري هي قيمة مضافة تضاف إلى متن الكتاب ومضمونه رغم أهمية البحث وربط الوقائع بشكل علمي تاريخي متقن، لجعل القارئ يعيش التاريخ بمنهجية مصبوغة بأمانة البحث والعلم...
فهو يقول أي الباحث "سميح متعب الجباعي" في منجزه الثقافي /من ذاكرة الثورة/: بعد إعلان الثّورة العربيّة الكبرى عام 1916 والتي بدأت بتحرير مناطق الجزيرة العربيّة انطلاقاً إلى بلاد الشّام، والتي انتهت مع خروج الأتراك من سوريّة عام 1919 ودخول البلاد في مرحلة جديدة أقسى وأمرّ بالمؤامرة التي كان يحيكها في الخفاء الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا، لتقاسم المناطق المحرّرة من الأتراك. كتب القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش في مذكّراته:
"كان الجيش التّركي يمتدّ مشتّتاً على طول خطّ الجبهة من جنوب الأردنّ حتّى جبل المانع ما يزيد على 200 ألف جندي تركي بدؤوا بالتّراجع إلى داخل سوريّة أمام تقدّم قوّات الحلفاء مدعومة  بالقوّات العربيّة بقيادة الشّريف حسين في تلك الأثناء كانت قد وصلتنا برقيّة رسميّة من قبل الشّريف حسين إلى أمير قرية أمتان أنّ النّاصرة قد سقطت وأنّ المهمّة لكم الآن في متابعة النّضال حتّى يخرج المحتلّ التّركي من أـرض سوريّة، طبعاً في هذه الأثناء كان الجيش التّركي المتشرذم الذي وقع تحت هول الصّدمة لا يعرف كيف ينظّم صفوفه فبدأ بالتّراجع والتّمركز في قرى درعا نظراً لحالة القتال التي كانت مستمرّة معه في الجبل، وفي درعا بدأ قادة الجيش التّركي يزرعون الرّعب في قلب الأهالي كي لا يحاول أحدٌ أن يستغلّ هذا الضّعف الذي أصاب الجيش التّركي فقاموا بتوزيع مذكّرات على قرى درعا بأنّ على الرّجال أن يأتوا بيومٍ تمّ تعيينه، لكي يقوموا بإثبات وجودهم كي لا يقوموا بالعصيان ضدّهم، وتمّ تهديدهم بأنّ القرى التي لن تحضر سيتمّ ضربها. 
هنا في هذه الأثناء قمنا نحن ثوّار السّويداء بتجميع قوّاتنا، وتحرّكنا متّجهين إلى قرية بصرى في درعا رافعين بيارقنا ملاحقين فلول هذا الجيش التّركي الجرّار المهزوم هنا قمنا باحتلال بصرى من يد الأتراك وانتزعنا قلعتها منهم، وبتنا ليلتنا في قرية بصرى وقمنا بفتح عنابر الجيش التّركي ومستودعاته هناك، وقمنا بتوزيع كلّ المخزون من القمح على كلّ أهالي بصرى بالعدل دون أن نأخذ شيئاً منه، بالتّعاون مع محمد مصطفى علي من أهالي بصرى. وفي اليوم التّالي تابعنا تقدّمنا والتقينا نحن وقوّات الشّريف حسين قبل دمشق، وكان الهدف الدّخول إلى دمشق وتحريرها من يد الأتراك، وعندما اقبلنا على قرية الدّير عليّ وقع القائد العسكري رضا الركابيّ أسيراً بأيدي الثّوّار فأخذه فرسان قرية الغاريّة، وحموه ومع تقدّمنا إلى دمشق كان فلول القوّات التّركية متمركزة في تلّ المانع بمدافعها الثّقيلة، وبدأت بالضّرب على قوّاتنا المتقدّمة مع الشّريف حسين.
 هنا تحت ضرب الأتراك تزعزعت بعض الفصائل، منهم عرب النّور بن شعلان وعودة ابن فايز وعربه والشّريف ناصر أيضاً وجرت معركة هناك في منطقة الدّير عليّ حتى غياب الشّمس وكان متمركز  فيها أكثر من عشرين مدفعاً تركها الأتراك خلفهم عند انسحابهم بعد هذه المعركة وذهب عدد كبير من الشّهداء، وعند الصّباح تابعنا طريقنا نحو دمشق وعندما وصلنا إلى جسرٍ بدأ الجميع يصرخ الجسر ملغوم الجسر ملغوم، فلم يقترب أحد من القوّات من الجسر، فجأةً إذ بفارسٍ على حصانه يأتي من خلف القوّات وينطلق مباشرةً إلى الجسر ويقف عليه وإذا هو من فرسان قرية أمتان اسمه أبو نسيب، عندها تأكّد الجميع بأنّ الجسر غير ملغوم وتابعنا طريقنا نحن فرسان الجبل وبيارقنا المرفوعة وقوّات الشّريف حسين وكنّا قبل انطلاقنا من السّويداء قد قمنا بخياطة علم الثّورة العربية في السّويداء وكان مرفوعاً مع بيارقنا وعندما تقدّمنا نحو الشّام ودخلناها توجّهنا مباشرةً نحو السّراي الحكومي، وكنّا نحن فرسان السّويداء أوّل الواصلين المحرّرين، فقمنا ورفعنا العلم العربيّ الذي قمنا بحياكته فوق السّراي الحكومي فكان ذلك شرفٌ كبير لنا أن نكون أوّل من يرفع العلم العربيّ معلنين الانتصار وهزيمة القوّات التّركيّة،     
في اليوم التّالي تمّ عقد اجتماع في السّراي الحكومي، وكان يحضره كلٌ من القائد رضا الرّكابي وسعيد الجزائري والشّريف حسين وأرسلوا خلفنا فأتينا لحضور الاجتماع حضرنا جميعنا كلّ بيارق الجبل وجلسنا إلى الطّاولة مع باقي قادة الثّورة العربيّة واكتظّ الاجتماع بالحضور هنا أتى عودة ابن فايز وبدأ رضا الرّكابي وسعيد الجزائري يحادثنا وبدأت فوضى عارمة في الاجتماع فقلنا إنّ هناك فوضى أصبحت في البلد فهل يعقل أن نطرد العدو ونخرّب البلد هذا لا يجوز يجب أن نحافظ على البلد، وفي الثّورات يصبح هناك بعض الفوضى ولكن هذا لا يجوز وكانت معظم هذه الغوغاء التي حصلت بسبب البدو الذين لم يعتادوا على النظام، فانتفض عودة بن فايز قائلاً: "والله هاي الرّزالة من بني معروف (اي الفوضى) فوقفتُ أنا وكان معي سيفٌ شرقيٌّ مجدولٌ جدلاً، وكان عودة بن فايز يقف بمواجهتي فقلت له بني معروف رزيلين فضربته بسيفي في وجهه فأصبته بين عينيه، وبدأ الدّم يسيل من وجهه وقامت فوضى كبيرة هنا قام الحضور من وجهاء القبائل، وامسكوا بعودة بن فايز وأخرجوه خارج السّراي خوفاً عليه من يقوم فرسان الجبل الحاضرين بقتله، وقالوا له: "تحمّد الله أنّهم لم يقتلوك وانتهت القصّة على ذلك وفي اليوم التّالي كانت قد هدأت النّفوس وبدأت مرحلة جديدة.
نلاحظ من خلال السرد التاريخي أن الواقعة أو الحادثة التي حملت في متن النص شكلت اتساقاً أدبياً وباتت جزءا من المتخيل السردي الجمالي ولهذا نشعر بأهمية العمل في تتابع أحداثه المتواترة، والتي لابد من قراءتها في مقالات لاحقة.

التاريخ - 2021-07-03 5:34 AM المشاهدات 1091

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا