سورية الحدث - نارام سرجون
ستحيل – مهما حاولنا – ان نغير القصص الخالدة العابرة للشعوب والثقافات .. ولايمكن للفطرة البشرية التي كتبت هذه القصص ان تتغير .. وقصص الحب العنيف والعداوات العنيفة هي أكثر القصص التي تتداولها الشعوب وتتعلق بها وتتوارثها وتنقلها معها وتحملها معها .. وكل الحكايات الشهيرة تحكي عن انتصار الحب وسقوط الكراهية .. الا في قصص الحب الاسرائيلية .. ففيها حتى الاله الذي تحدثت عنه أساطير البشر وهو يعامل الناس جميعا بحب وعدالة يتحول في قصص اسرائيل والتوراة الى رب قاسي القلب ويهيم حبا بشعب واحد ويعطيه بلاحساب ويفضله على العالمين لأنه يكره كل الشعوب .. ولايختار الا شعبا واحدا يختاره لشيء لاينسجم مع الطبيعة والمنطق والناموس .. وفي قصص التوراة يقوم الله بالتطبيع مع الاسرائيليين وحدهم دون سائر البشر .. وهو يفهم العدالة الالهية على هذا الشكل الاسرائيلي الأناني المريض ..
واليوم يحدثك الاسرائيليون عن السلام والتطبيع.. وانا أستغرب من السكين التي تطلب من الجرح ان يحبها ويلتقي معها ويطارحها الغرام وأن يتزوجا وأن ينجبا بنينا وبناتا .. وأستغرب من القلب الذي يعتبر ان الخنجر يشبهه وانه يمكن ان يكونا نشأا معا وفق نظرية التطور والنشوء من جذر واحد وخلية واحدة .. فالخنجر واللحم لايمكن ان تنشا بينهما الا عداوة وكراهية مطلقة لأن الخنجر يمكن ان يصادق سكينا او رمحا او فأسا .. وليس قلبا او كبدا .. في عقيدة الخنجر وأعماقه فان الجرح واللحم ادنى منه مرتبة وأقل شأنا وأنهما خلقا كي يثبت الخنجر لنفسه انه خنجر وقاطع ومتفوق ولولا الجرح لما كان للخنجر قيمة او وظيفة ..
بعض العداوات البشرية ترتقي الى مستوى العداوات الابدية والى علاقة الخنجر باللحم والجرح .. اي علاقة بينهما تعني خيانة للطبيعة والمنطق ومهما ضحكنا على انفسنا فان الطبيعة أقوى من كل شيء .. ولذلك كنت أستغرب كل مهرجانات السلام العربية الاسرائيلية .. مهرجانات الزفاف بين السكاكين والجراح .. السكاكين تصافح الجراح ودم الجراح لايزال يقطر من أنصالها .. والجراح تعانق السكاكين .. منذ أيام كامب ديفيد الى الان مرورا بوادي عربة الى اوسلو الى اتفاقات الخلايجة السرية او العلنية لأن كل دول الخليج ولاأستثني أحدا طبع علاقاته مع اسرائيل اما سرا او علنا .. والدليل هو ان كل سياسات الخليج منسجمة كليا مع سياسات اسرائيل اما بسبب التبعية والخضوع او بسبب الانصياع لاحتياجات التطبيع ..
منذ أيام لفت نظري ماقاله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ذكرى حرب اكتوبر التي لايزال الساسة المصريون يحتفلون بها ويحدثوننا عن العبور وعن الجيش الاسرائيلي الذي هزم وكأنهم يتحدثون عن حرب يين ألمانيا وفرنسا انتهت الى الابد رغم ان الجيش الاسرائيلي لايزال يعتبر ان كل الدول المحيطة به عدوة ويجب تدميرها ان عاجلا او آجلا بمن فيها مصر نفسها ..
قال الرئيس المصري كلمة ربما كانت عفوية ولكن مدلولاتها كبيرة وهي: ان معارك الامس اقتضت نوعا مختلفا تقليديا من المواجهة بالسلاح ولكن حروب اليوم انتقلت من الهجوم الخارجي الى اطلاق الحروب الداخلية لدى الخصم .. وهو مايجب الاستعداد له والتحضير لمواجهته ..
وفي هذا الكلام اقرار واعتراف ان العدو الذي حارب مصر والعرب على الجبهات الخارجية هو العدو الذي يحاربها الان من الداخل ويثير فيها القلاقل والفوضى والصراعات والتهديدات .. والا فمن له مصلحة في ان يدمر مصر من الداخل؟؟ هل هي افغانستان ام تايوان ؟؟ قد تكون تركيا هي التي ظهرت بوجه قبيح في الفترة الاخوانية عدوا لمصر كما هي عدو لسوريا وكل العرب .. ولكن تركيا لم تكن لتتجرأ على مصر الا لأنها تلقت ضوءا اخضر من اسرائيل .. لأن اسرائيل لن تسمح لتركيا ان تعبث بجوارها وأمنها وان تصبح تركيا على حدودها الا لأنها سمحت بذلك عن قصد ولغاية في نفس يعقوب .. وهي التي أعطت الاذن بأن المجال الحيوي لها في مصر سيتاح للاتراك كي يتم تدمير الدولة المصرية واستخدام الشعب المصري عبر وكالة الاخوان المسلمين لخوض حرب مذهبية في الشرق بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين باشراف تركيا نفسها .. أي ان من كان له مصلحة اولى في تدمير مصر وسورية والعراق وتفتيتها هي اسرائيل والغرب .. أما تركيا فكانت مجرد أزعر مسلم ضحك عليه الغرب والاسرائيليون وأقنعوه ان يعيد السلطنة ولكن دوره كان سينتهي بمجرد اطلاق الفوضى والحرب المذهبية في مصر وسورية والعراق كي تتفتت المنطقة شر تفتيت .. وكي يموت شباب مصر في حروب اسرائيل على جبهات سورية وايران والحروب المذهبية التي احتفل بها الاخوان المسلمون في خطاب الملعب الشهير لمحمد مرسي .. حيث سيموت من جديد شباب الشرق كما فعل شباب العرب في أفغانستان .. هم ماتوا والاميريكون حصدوا النصر على الاتحاد السوفييتي ..
التطبيع سلاح اسرائيلي جديد
العدو لم يتغير ولن يتغير .. فالعدو الذي حاربك بسلاحه بالأمس يحاربك من الداخل اليوم بسلاحك والنتيجة واحدة .. والتطبيع الذي يتم الترويج له هو شكل جديد من أشكال الهجوم الشرس على الداخل العربي .. والربيع العربي وموجة حروب الجيل الرابع كانت شكلا من اشكال التطبيع العلني والصريح مع اسرائيل .. لأن الربيع العربي أعلن انه لأول مرة يعتبر الفوز بالسلطة اولوية على الصراع مع اسرائيل وقدم الثمن بانهاء العداء لاسرائيل .. وهذا التوجيه للصراع ليكون بعيدا عن اسرائيل هو جوهر التطبيع .. فما هو الفرق بين تطبيع كامب ديفيد لصاحبه انور السادات الذي أعلن نهاية العداوة مع اسرائيل وبين اعلان الاسلاميين العرب عبر الاخوان ان عدوهم لم يعد في تل ابيب بل في دمشق وايران وبنت جبيل وليبيا واليمن ؟؟ أي انتهت صفة العدو الاول عن اسرائيل في الصراعات العربية العربية لأول مرة .. فكل الانقلابات العسكرية والثورات العربية منذ عام 1948 كان جوهرها الغضب من الخمول الرسمي في محاربة اسرائيل ومحاولة تصويب البوصلة السياسية الرسمية .. ولذلك كانت شرعية ثورة عبد الناصر في مصر .. وثورة البعث في العراق وسورية وثورة القذافي في ليبيا وحتى في اليمن .. وهذه الدول هي التي توجه اليها الربيع العربي بزعامة الاخوان المسلمين .. وكان من علامات التطبيع هو سقوط اسم اسرائيل من كل الشعارات الثورية بشكل مريب جدا .. نعم لقد غابت اسرائيل نهائيا عن اي شعار واي مظاهرة واي حشد وأي ثورة واي مقابلة واي مجلس واي خطاب واي لافتة وأي قصيدة واي رسم وأي صورة واي تصريح واي تلميح .. واي شيء .. فما حل محل اسرائيل هو العداوة الوطنية .. أي ان الرئيس او الحكومة او الحكم هو الذي صار جوهر الصراع وليس غياب الرئيس او الحكم عن الصراع مع اسرائيل .. وهذا الانقلاب في مزاج الحراك في الربيع العربي هو تطبيع كبير وشامل .. ولكنه تحول الى فخ تطبيع جماهيري عندما صار مثقفو العرب واعلام العرب والاخوان يقدرون الجيش الاسرائيلي ومساعدته للارهابيين السوريين وتحولوا الى الهجوم على الجيش السوري وحلفائه .. وهذا الهجوم على موقف الجيش السوري والشعب السوري والقيادة السياسية السورية هو عملية تطبيع فاقت كل أشكال التطبيع الاسرائيلي .. حتى عملية ترويج الهجوم الكيماوي في سورية وتبني المعارضات الاسلامية والاخوانية والمثقفين العرب لهذا الاتهام بكل قوة – رغم وضوح ان هذه الذرائع الكيماوي هي التي استعملت في العراق – كان في النهاية عملية تطبيع مع اسرائيل لأن ادانة الجيش السوري واتهامه بارتكاب الجرائم كان ايذانا بأن الجيش الاسرائيلي لم يعد عدوا بل صديقا وأن العدو الجديد الان هو الجيش السوري والايراني وحزب الله .. وهذا أيضا تطبيع اسلامي وعربي علني .. فلم يعد التطبيع التقليدي كما هي عمليات التطبيع ايام السادات .. اي مصافحات حارة وضحكات هستيرية واستعراضية .. فكما ان الحرب تغيرت في شكلها من مواجهة على الجبهات الى تفتيت الخصم من الداخل وهو نفس الغرض من الحرب الخارجية .. فان التطبيع تغير في اسلوبه وشعاراته وصار التصرف وفق خط سلام مع اسرائيل وتدمير كل اعدائها واعلان عدو اسرائيل عدوا للاسلاميين والاخوانيين والمعارضين العرب .. وصار الاسلاميون والاخوانيون يحتفلون بهجمات اسرائيل على الجيش السوري الذي يتم الباسه ثوب الجريمة والابادة بدلا من الجيش الاسرائيلي الذي كان جيشا عدوا يقتل ويبيد .. أليست تبرئة جيش اسرائيل من تهمة الجريمة اتجاه تطبيعي ؟؟ أليس هذا هو التطبيع الجديد؟؟
اسرائيل تلجأ لسلاح التطبيع .. لأنه سلاح لايقل خطرا وشرا من سلاح حروب الجيل الرابع الذي كان الرئيس المصري يعنيه بشكل موارب وخجول او عن غير قصد او باللاوعي .. وهي تحاول ان تجعل الشعوب العربية تجاهر بالتطبيع ليتحول الى خيار طبيعي .. رغم انه علاقة الخنجر بالقلب والكبد .. وعلاقة الجرح بالسكين .. والتطبيع الذي تورط فيه الاسلاميون جميعا واستدرج اليه الاكراد يحاول ان يورط شعوبا عربية كاملة في هذا الفخ مع ان الغاية الآن من موجات التطبيع هو احداث اكبر اختراق ديموغرافي واقتصادي واجتماعي .. سيجعل الشرق يدخل عصر النهاية .. لان الاسرائيليين لايريدون ابدأ الا شرقا فارغا من اي قوة اجتماعية او اقتصادية او ثقافية .. او دينية ..
ان محاولات التطبيع هذه مثل الفضيحة .. تطبيع ماذا؟ .. تطبيع السرقة والقتل والعنصرية والكراهية؟ .. تطبيع ان تصبح الارض من الفرات الى النيل ملكا للاسرائيليين؟ تطبيع بعد مئات المجازر واعدام ألاف الاسرى المصريين وتدمير الشعب العراقي والليبي والسوري واليمني؟
قصص الحب التوراتية
حفلة الحب والتطبيع كانت وصلت الى مايسمى الثورة السورية والمعارضة السورية التي تغزلت باسرائيل ثم غازلتها ثم تغزلت بها ثم غازلتهاثم قبلت يدها وقدمها حتى ظننا أن الجنة تحت أقدام اسرائيل .. ووعدتها انها ماان تصل بأقدامها الى قصر الشعب في دمشق حتى تحل الجيش السوري وتحوله الى فرقىة عازفين للموسيقى .. وتكسر كل البنادق .. وتحول الدبابات الى بيوت للدعارة والنكاح .. وسوق الحميدية الى سوق يهودي .. وقلعة صلاح الدين الى مول مثل مولات دبي او سوبرماركت لبيع التطبيع ..
لايمل الاسرائيليون من سردية الحب والتطبيع ويجوبون العالم العربي ويحتفلون ويقيمون الاعراس في دبي والخليج وعمان حتى ان الشرق الأوسط يزدحم بالعشاق وطالبي القرب والحب .. وفي كل فاصل يطلع علينا رأس يريد التطبيع .. واليوم يقوم الاسرائيليون مع الاكراد باخراج حفلة تطبيع من العراق هذه الايام ..
ولكن هل من أفق وأمل للاسرائيليين من هذه القصص المخادعة التي تريد ان تقول ان الشيء الطبيعي القادم هو قصة الحب العربية الاسرائيلية .. والاسلامية الاسرائيلية؟؟ ..
أنا صرت على يقين ان الاسرائيليين هم من أغبى المخلوقات اذا كانوا يظنون ان تغيير الناموس والمنطق وسرديات الحكايات وتغير نهاية الحكايات ستغير من الحكاية الاصلية والنهاية الحتمية فيها .. فسندريللا لن تتزوج الا أميرها .. والاميرة النائمة لن تستيقظ بقبلة قاتل وقاطع طريق .. فالحب لايستوي مع هذه الرواية الاسرائيلية .. وعلى الاسرائيليين الذين يظنون اننا سنحبهم وهم يسرقون الارض ويقتلون الشرق ويتآمرون عليه ويحاصرون شعوبه ويتصرفون كشرطي للغرب في المنطقة وناطور لمصالحهم .. عليهم أن يعرفوا ان التطبيع الحقيقي هو ان يعودوا من حيث أتوا .. فللطبيعة كلمتها .. والطبيعة تقول ان اللصوص لايستحقون مايسرقون ولو بقي معهم دهرا .. والطبيعة تقول ان القتلة لايمكن ان يصبحوا عشاقا وفنانين وشعراء ونحاتين .. والطبيعة تقول ان السكاكين في أيدي الجزارين والقصابين لايمكن ان تصبح ريشة لرسم اللوحات الرومانسية الجميلة .. ومخالب الذئب لايمكن ان تصنع لنا غزل البنات ..وكف الدب لاتقدر ان تغزل لنا وشاحا من الحرير .. وطبعا لايمكن لحشود الذباب ان تتصرف كالنحل وتصنع العسل ويقطر من أجنحتها الرحيق بل سيقطر بالقذارة والدود ..
ولاأدري كيف نقول للاسرائيليين الذين يرسمون على علمهم علنا انهم يريدون أرضنا من الفرات الى النيل ان نحبهم وان نأمن جانبهم وأن نراقصهم ..
واذا اردت ان اشبه وضع اسرائيل في الشرق الاوسط فانه يشبه حالة اكراه على الزواج .. العروس قبيحة ودميمة ورائحتها كريهة ورائحة فمها كريهة وسمعتها كريهة وأبوها مجرم وأمها مومس وثوب عرسها مسروق وملطخ بدم صاحبته العروس الاصلية .. وأخوها قاطع طريق .. وأختها مهنتها البغاء .. وهي تريد أن تتزوجنا رغما عنا .. وأن نكتب لها المقدم والمؤخر .. وتذكرنا انها ابنة عمنا .. واننا ابراهيميون .. ومن عائلة واحدة ..
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا