ميشيل كلاغاصي
مع نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، وللمرة الأولى منذ 4 سنوات، حضر رئيسٌ أميركي القمة السنوية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، ليتحدث عن "رؤية مشتركة وتنافس متكافئ يحكمه القانون"، في وقتٍ تسعى إدارته اليوم لإظهار اهتمامها بالمساهمة البناءة مع رابطة "آسيان"، في حين أنها تحاول الضغط على غالبية دول الرابطة لمواجهة الصّين بالنيابة عنها، واستخدامها كعصا غليظة لمنافستها والحدّ من الحركة النشطة للاقتصاد الصّيني، من خلال استراتيجية وخطط خاصّة وضعتها واشنطن لهذه الغاية، فقد تحدّث الرئيس جو بايدن عن "102 مليون دولار لتوسيع هذه الشراكة الاستراتيجية"، وشدّد على أهميتها الحيوية "للحفاظ على الانفتاح وحرية الحركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وتوجيه التمويل نحو برامج الصحة والمناخ والاقتصاد والتعليم.
على الرغم من إدراك دول "آسيان" أنَّ الولايات المتحدة تسعى لاستخدامها ضد الصين، فإنها تفضّل عدم الانحياز إلى أيّ طرف، وتحاول الاستفادة من علاقاتها البنّاءة مع الجميع، ولن يكون اختبارها وجعلها تقف أمام خيارين أمراً جيداً، وسيكون مقلقاً للبعض، فيما سيرفضه البعض الآخر سلفاً، فالصين تعتبر حتى اللحظة أكبر شريك تجاري لرابطة دول جنوب شرق آسيا، إن كان داخل "آسيان" أو ضمن حدود القارة الآسيوية، في حين تعتبر الولايات المتحدة بشكلٍ عام ثاني أكبر شريك تجاري للعديد من دول "آسيان" من خلال العلاقات الثنائية.
ويبدو من الصعوبة بمكان أن تجد واشنطن وسيلةً مناسبة لإقناع تلك الدول وجذبها لاستبدال علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع الصين، ناهيك بالاستثمارات الصينية ومشاريع البنية التحتية التي تقوم بها الأخيرة، بما فيها خطوط السكك الحديدية للقطارات الفائقة السرعة للربط بين دول الرابطة، إضافةً إلى بناء السدود والجسور والطرق السريعة وتنامي العلاقات العسكرية معها وتزويدها بالطاقة.
كما تجدر الإشارة إلى العلاقات السياحية وأعداد الصينيين الذين يتجهون نحو دول "الآسيان" سنوياً، بما يساهم في تنشيط أسواق تلك الدول، إضافةً إلى اللقاحات المضادة لفيروس "كوفيد – 19"، التي لم تتوقف الصين عن توريدها لهم.
وعلى الرغم من العلاقات المتينة والمتطوّرة بين الصين ودول "الآسيان"، فإنَّ ذلك لم يمنع وجود بعض الخلافات والتحديات والمصالح المتداخلة في بحر الصين الجنوبي، وسط سعي أميركي لاستغلالها وفتح الثغرات وتحويلها إلى نزاعات وصراعات، تفسح المجال وتجد الذريعة للقوات العسكرية الأميركية لترسيخ وجودها وتكريسه أكثر فأكثر في المنطقة.
من الواضح أنَّ الولايات المتّحدة لم تستطع تحقيق النجاح في هندسة صراع دول "الآسيان" مع الصين، لكنها استطاعت جذب أستراليا في أوقيانوسيا وبريطانيا في أوروبا كقواعد تثبيت ومراقبة وتهديد، في عالمٍ متعدد الأقطاب لا مكان فيه للحياد مع استمرار الهيمنة الأميركية الشرسة، التي تسعى لزراعة وتبني الجماعات والأحزاب المناهضة للصين داخل دول الرابطة، عن طريق التدمير والتخريب الاقتصادي، في ظل وجود حكومات حالية غير مهتمة بتحويل الصين إلى عدو والقارة الآسيوية إلى ساحة معركة، فهل تحاول واشنطن السير في لعبتها المحبّبة بتغيير الأنظمة واستبدالها بأنظمة عميلة أو خانعة، في محاولةٍ لتكرار "الربيع العربي" وإشاعة الفوضى والخراب على امتداد خطّ سير مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والذي تعتبره واشنطن من ضرورات تأخير الصين وعودة الولايات المتحدة إلى نغمة التفوق الاقتصادي، وفرصة لإعادة رسم دورها العالمي الذي يفوق دول العالم كافة؟
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا