سورية الحدث _ خاص
للمرة الثالثة أحضرُ حفل عزفٍ على آلة البيانو "الكافرة" في مدينة حلب، تلك المدينة التي كانت الحوريات - على أبوابها وأكثر من نصفهنَّ - ينتظرنَ "المؤمنين" على أحرّ من الجمر، لكي يصعدوا إليهم بعد أن يقتلوا ويُدمّروا ويُفجّروا الناس وهم مقتنعين أنهم ينقذونهم من نارِ جهنم.
هذه الموسيقى الفاجرة والكافرة جعلتني أُحلق من خلال الأنغام ومن خلال العازفين الذين في عمر الورود، والحضور هم قليل من المهتمين والغالبية من أهل الأولاد.
ففي الوقت الذي كانت حلب فيه - تتقاذفها النيران ويخيّم عليها شبح الموت ، كان هؤلاء الأولاد من الجنسين يتدربون ويعذفون ويُشعّون الفرح في ركام حلب المعذبة.
عادت بي الذاكرة ربع قرن مضى، عندما كان أطفالنا صغاراً، كنا نجتمع ليلة عيد الميلاد، في حفلة للفرقة الكشفية التي ينتمون إليها "الأخوة المريميين"، لكي نحضر مسرحياتٍ وأغانٍ وفقراتٍ أخرى، يقدمونها هم.
كنت أعتبر أن هذا الحفل - التي تُجبرني زوجتي على حضوره - هو إضاعة للوقت، لأنني أريد أن أتابع الإحتفالات الأخرى - للكبار - بدلاً من حفلات نضحكُ أو نُجبر أنفسنا على حضورها لكي نرى أطفالنا.
اليوم وبعد أن شتتنا الزمن السيء الذي مرّ على مدينتنا وأصبح أبنائي كباراً وكل واحد في بلد، أحسستُ كم كنتُ مخطئاً في عدم الإهتمام لنشاطاتهم، وكم كانوا يفرحون عندما يصعدون المسرح لكي يروننا ونحن نلوِّح لهم.
كم تغيرت حياتنا وتشتتَ الأبناء، وكم كان ماضينا ممتعاً وجميلاً مع أولادنا الذين تركوا جدران منازلهم وعليها خربشاتهم ورسوماتهم.
أصبحتُ أبحث عن صورهم وهم صغاراً و "أُبَحبشُ" في ملابسهم وأحذية طفولتهم وحقائب مدرستهم.
مرايلهم التي كانوا يلبسونها في المدرسة وحقائبهم وحتى صراخهم وبكائهم وجنونهم وعفرتتهم، أصبحت أفتقدها.
الموسيقى التي سمعتها من الأولاد وهم يعزفون مقاطع صعبة ويفتخرون أمام أهاليهم، هي تلك الموسيقى التي رفرفت في السماء وشدتني إليها وجعلتني أعود زمناً طويلاً إلى الوراء.
نهاية عام آخر وأنتم بعيدون.
زمن آخر يمرّ وأنتم في منفاكم الإختياري.
أحبكم أبنائي: إميل ومي ونبيل
ولا تنسوا سورية وحلب.
اللهم اشهد اني بلغت.
فشكراً لك أيها الأخ الراهب "جورج سبع" المريمي، لأنك صنعتَ لنا ماضٍ جميل نحلم به.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا