سورية الحدث _ خاص
ميشيل كلاغاصي
11/3/2022
منذ مطلع القرن الحالي , وتحديداً بعد أحداث أيلول 2001 , تضاعف عدد البقع والساحات الساخنة , واستعرت الحروب بشكلٍ كبير, ومع إختلاف الذرائع والمسببات , تصدرت الولايات المتحدة لائحة المهاجمين , وانقسم العالم بين مراقبٍ وصامت , ومؤيدٍ وداعم تحت العباءة الأمريكية , وما بين رافضٍ ومتخوف من تداعياتها ونتائجها وحدود إنتشار نيرانها ..
ومن اللافت أن تظهر تركيا كعامل مشترك في جميع الأحداث والصراعات التي حدثت ولا يزال يشهدها العالم حتى اللحظة , إما كطرف مباشر أو غير مباشر, وأقله كجهة مؤثرة عبر دعمها السياسي والإقتصادي والعسكري لأحد أطراف الصراع , والأهم أنها شكلت الخزان الرئيسي لتجميع وتدريب الإرهابيين , وإرسالهم إلى الساحات الساخنة , وشيئاً فشيئاً , تتحول تركيا نفسها إلى الحدث الأبرز في الحدث , ويلمع نجم أردوغانها وخارجيتها , وتضج وسائل الإعلام بتصريحاتهم , أو بتهديداتهم , أو بوساطتهم , الأمر الذي يؤكد أنها تلعب دوراً رئيسياً في الأحداث الدولية , بما يفوق قدراتها وإمكانياتها , تبعاً لمشاكلها الداخلية , وأزماتها الإقتصادية , ناهيك عن إنعدام ثقة المجتمع الدولي بالرئيس أردوغان وحكومته , التي إعتمدت سياسة الأرجحة على حبال الدول العظمى.
ولا يخفى على أحد , أنها عرضت وساطتها في الأزمة الأوكرانية قبل أن تتفاقم , وتحولت بعد خمسة عشر يوماً لبدء روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة لنزع سلاح النازيين الأوكران , وبعدما بلغت كرة "الثلج" حجماً بدأ يهدد العالم بإندلاع الحرب العالمية الثالثة , نتيجة الدعم السياسي والعسكري والإعلامي , الأمريكي والبريطاني والأوروبي عموماً , وعديد الدول التي تدور في الفلك الأمريكي , بالإضافة إلى دعم حلف الناتو والإتحاد الأوروبي .
ففي الوقت الذي أدانت فيه تركيا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا , لم تتوقف عن تقديم كافة أشكال الدعم للرئيس الأوكراني وحكومته ونازييه الراديكاليين , واستمرت بتزويدهم بالطائرات القتالية بدون طيار, وبتعميق كافة أشكال التعاون العسكري بينهما , ناهيك عن إرسالها اّلاف المقاتلين والإرهابيين , الذين يعملون تحت رعايتها وقيادتها , ممن تحتفظ بهم في مناطق إحتلالها في سوريا وليبيا , ومن تستجرهم وتجندهم عبر شركاتها الأمنية غير الشرعية في اّسيا الوسطى وأفريقيا وغير دول , لمواجهة القوات الروسية في أوكرانيا.
إن سعي تركيا لزج إرهابيي التنظيمات الإسلامية القاعدية , في ساحات أوكرانيا لمواجهة القوات الروسية , يكشف نواياها بدمج التنظيمات الإسلامية القاعدية مع الراديكاليين النازيين الأوكران , لإنتاج إيديولوجيةٍ جديدة مختلطة , أساسها العداء للأمة الروسية وإيديولوجيتها القومية - الأورثوذوكسية بشكلٍ رئيسي , وبما يسمح لهم بمواجهتها وقتالها على جبهتين قد تتخطى حدودهما الأراضي السورية والروسية.
فقد أكد الإرهابي سهيل حمود الملقب بـ "أبو تاو" الموجود في إدلب , عبر موقعه على تويتر, استعداده للذهاب ودعم الجيش الأوكراني , فيما نشرت بعض مواقع التواصل الإجتماعي عن الإرهابي المعروف بإسم "أبو ماريا القحطاني" قوله: "إذا قاتل مسلمٌ الروس في أوكرانيا وهزمهم ، فسيكافىء في السماء ، وإذا قتل فسيكون شهيداً في حربٍ مقدسة".
ويبقى السؤال , ما هي طبيعة الدور والوساطة التي تلعبها أنقرة , هل تبدو وسيطاً محايداً , وهي التي تبدو أقرب إلى حليفٍ عسكري بالنسبة لأوكرانيا , ورأس حربةٍ لحلف الناتو , وقارعاً لا يمل على أبواب الإتحاد الأوروبي !.
وفي الوقت ذاته , تسعى تركيا - أردوغان دائماً للحفاظ على علاقاتها مع روسيا , على الرغم من لدغها ما بين الحين والحين , واسترضاء الرئيس الروسي كلما تأجج استياؤه وغضبه من غدرها , وسط إدراك موسكو أن تركيا لا تنفك عن محاولاتها لمنافستها , لا بل وإقصائها عن مناطق نفوذها تحت عباءة المشروع الطوراني , والعثمنة القديمة – الجديدة , التي لا تحيد في جوهرها عن المشروع الصهيو – أمريكي الغربي المعادي لروسيا , وهذا يزيد بطبيعة الحال درجة تعقيد العلاقات الروسية – التركية , ويجعلها غير قابلة للتفسير لدى البعض , خصوصاً وأنها تتعدى صفقة شراء نظام الدفاع الجوي S-400 الروسي , وسط الحديث عن قيام روسيا ببناء أول مفاعل نووي في تركيا ، وببناء خط أنابيب تحت البحر الأسود يصل إلى تركيا ، في الوقت الذي تُعتبر فيه روسيا أهم مورّدي الطاقة بالنسبة لتركيا , وتستورد منها سنوياً أكثر من 90٪ من احتياجاتها ... ومع ذلك قامت مؤخراً بإدانة العملية العسكرية الروسية , وبإستغلال إتفاقية مونترو لعام 1936, بمنع وصول القطع الحربية البحرية الروسية إلى شواطئ أوديسا.
وفي سياق سعي الرئيس التركي للتمهيد لدور وساطته , أكد يوم أمس الأول , للرئيس بوتين في إتصال هاتفي , استعداد تركيا "لإستخدام الدولار واليورو والروبل والذهب واليوان في التجارة بين البلدين" , كذلك استقبل رئيس الكيان الإسرائيلي في أنقرة , وقام وخارجيته بسلسلة لقاءات واتصالات , لتجميع كافة الخيوط التي تتيح له لعب دور الوسيط.
وقد استطاعت تركيا بالفعل جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا اليوم في انطاليا , وسط توقعات منخفضة لنجاح الوساطة التركية حالياً , لعدم توفر أية أرضية سياسية للحل اليوم , ولا يزال الرهان الأمريكي والغربي يصب في إطالة أمد المواجهات العسكرية لإغراق موسكو في المستنقع الأوكراني , واستغلال ذلك في تطبيق أقسى العقوبات وإلحاق الضرر بالإقتصاد الروسي , كذلك لن يتخلى الروس عن شروطهم المتعلقة بحماية حدودهم وأمنهم القومي , وبمنع أوكرانيا من الإنضمام إلى حلف الناتو عبر نصٍ دستوري , ناهيك عن مدى إمكانية تخلي موسكو عن خلع الرئيس الأوكراني ونظامه السياسي المعادي لروسيا.
ليس من باب المصادفة أن تتواجد تركيا سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وإرهابياً , في كافة الصراعات الدولية , خصوصاً وأنها لا تملك إمكانيات تمويل قواتها وخوض المعارك بعيداً عن أراضيها , بالإضافة لعدم قدرتها على تلبية مطالب واحتياجات الأطراف التي تحاول التوسط بينها.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا