شبكة سورية الحدث


وسرَح سرحان

وسرَح سرحان

سورية الحدث 

التقيت بسرحان على رصيفٍ ما مصادفة ، فرميت عليه السلام ؛ وقبل أن أسأله عن حاله ؛ سرَح في الحديث ، فحدّثني عن شعوب النياندرتال ، وعن نيرون ، وروما ، حدثني عن محاكم التفتيش ، والمقصلة ، عن الهولوكوست ، والحل النهائي ، وليلة الكريستال ، ووعد بلفور ، والنكبة ، ثمّ عن النكسة ، حدثني عن الحرب الأهلية في اللبنان ، وعن غزو العراق للكويت ، وغزو العراق شخصياً ، وعندما حسبت أنّه سيفرغ من كلامه ، حدّثني عن الشعر ؛ وإن كنت أكتب القصيدة العاموديَّة أيضاً ؛ أم أكتفي بكتابة قصيدة التفعيلة ؛ وأنا لا أكتب هذه ولا تلك ؛ بل أكتب قصيدة النثر ، ثم قال لي : إن مشكلة الشعر الآن هي في من يحسبون أنفسهم شعراء ؛ وهم في حقيقتهم لا يصلحون لكتابة المذكرات ، وعندما أردت أن أؤيّد كلامه ؛ قال لي مقاطعاً : هل تعرف أن شكسبير لم يكن هو الكاتب الحقيقيّ لمسرحياته ؟ ، ثم انتقل إلى البريختية ، والعبثية ، والواقعية ، والواقعية الاشتراكية ، ولا أدري كيف انتقل الحديث إلى الموسيقا ، فحدثني عن موزارت ، وروى لي قصة حياة زرياب ، واستمهلني قليلاً كي يسمعني صولو على آلة الكمان لعازف مغمور كان هو بنفسه - أي سرحان - قد اكتشفه على إحدى صفحات الفيسبوك ، ثم عرّج على الرسم فحدثني عن وفاة لؤي كيالي ، وألوان صفوان داحول ، والسريالية في لوحات سيلفادور دالي ، والتكعيبية في لوحات بيكاسو  ، ناهيك عن القائمة المطولة التي ذكرها لي عن أمهات الكتب ، وأعظم الروايات العالمية التي قرأها ؛ والتي نصحني بقراءتها ، وأفضل الكتَّاب المحليين ؛ والعالميين ، وأفضل الأفلام السينمائية ، وليت الأمر توقف هنا ، فها هو يحدثني الآن عن السيارات ؛ وقد أنهى الجدل الأزليَّ بين أيهما أفضل المارسيدس أم البي إم ، وصال وجال في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين ، وانتقل إلى المعتزلة ، ثم إلى الصوفية ، فالأشعرية ، ونال من بعض علماء الدين ؛ وكفَّرهم ، ثم انتقل إلى عقدة الليبيدو ؛ فأوديب ؛ ودحضهما ، وإلى لعنة نرسيس ؛ وميداس ؛ والفراعنة ، والسحر ؛ والدجل ، والفلك ، والوجود ، والاستشراق ، والاستشراف ، ثم إلى الاقتصاد ؛ وعلاقة النقد بالذهب ، وعن أسعار العقارات ، وعن رأيه بالدرما التلفزيونية ، والطاقة الشمسية ، والترانزستورات ، وعن طبقات الجو العليا ، وطبقة الأوزون ؛ وثقبها ، وثقب الإبرة ؛ وعن كيفية إيجاد الإبرة بين كومة من القش ، إلى أن أخرج من جيبه علبة سجائره الفارغة إلا من سيجارة الرحمة الماكثة في زاوية العلبة وحيدة ؛ وحزينة ، فاستلها على عجلٍ كما يستلُّ الفارس السهم من كنانته خوف أن تفلت منه الفريسة ؛ ووضعها بين شفتيه ، وألقى بالعلبة الفارغة فوق الرصيف - كجثة هامدة - دون اكتراث ، وعندما شاهد استيائي الشديد من فعلته .. قال لي بسخرية : اي شو مفكِّر حالك بأوربا يبوو ؟ ، وتابع سيرَه على الرصيف ضاحكاً ؛ دون أن يلاحظ دخان القطار المتخلّف الذي يعمل على الفحم الحجريِّ ؛ وهو يخرج من فمه .

موفق قره حسن

التاريخ - 2022-06-25 8:49 AM المشاهدات 694

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا