شبكة سورية الحدث


الفساد .. الخطر الأكبر

الفساد .. الخطر الأكبر سوس ينخر عظم المجتمعات البشرية فكيف نكافحه؟ لا فساد دون فاسدين ومفسدين ، حقيقة كرستها طبيعة الأشياء من حولنا ، فكلما توسعت جبهات العمل والعطاء الإنساني أطل الفاسدون والمفسدون برؤوسهم يعيدون تشكيل الصورة ليجدوا لهم مدخل سوء يستطيعون عبره إقامة إمبراطورية الخراب التي يمثلونها حيثما وجدوا . ومع تنامي ظاهرة الفساد في المجتمعات قديمها وحديثها يبرز دور الصوت المحذر من انتشارها والداعي لمواجهتها حيث حمل الأدباء والمصلحون الاجتماعيون وبعض رجال السياسة والاقتصاد هذه الراية لفترة طويلة من الزمن ، فكتبوا وشرحوا وفصلوا وحذروا ،لكن أصواتهم لم تجد الصدى المطلوب حيث كانت مظلة الفساد تحجب الصوت قيما يقوم حماة الفساد ورعاته بالتكفل بالباقي إما بتقديم الإغراءات المادية والعينية وإما بالإقصاء وتشويه الصورة في معظم الأحيان فيبدو المندد بالفساد كالمغرد خارج السرب لا صدى لصوته ، لكن ثمة ظاهرة باتت حاضرة في المشهد العام أبطالها نفر من الفاسدين الكبار يبالغون في توصيف الفساد وينقلون عدواه لمحيطهم لدرجة إسكات أي صوت يسألهم حول هذا الموضوع . الفساد .. الخطر الأكبر جديد المتحدثين عن الفساد هو الدكتور الباحث والكاتب عمار مرهج الذي اختار لكتابه الصادر مؤخرا عن دار طلاس بحوالي 300 صفحة من القطع الكبير عنوان " الفساد .. الخطر الأكبر "وفيه يفصل في شرح الظاهرة مشيرا إلى أن الفساد ظاهرة قديمة في فحواها وحديثة في أساليبها .. تنوعت بتنوع بيئته لتتخذ أشكالا مختلفة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والدولية . والفساد برأي الكاتب ظاهرة فردية ، لكنه توسع مؤخرا ليصبح له شبكات مبطنة أقرب ما تكون لاتحاد قوى ونفوذ تضم مسؤولين حكوميين وكبار شخصيات المجتمع ، وقد أفرز ثقافة جديدة هي المصالح المشتركة التي تتخطى الانتماء الحزبي والوطني والديني والطبقي ، فالمصلحة الفردية فوق كل اعتبار وقد عم الفساد كل المهن والنخب الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية وانتشر في مختلف القطاعات الاقتصادية . فالفساد كما يؤكد مرهج آفة تأكل المجتمع والدولة ، والخاسران الوحيدان من انتشارها المرض هما الوطن والمواطن والدولة لا تتحمل تبعاته وحدها وإن تحملت الجزء الأكبر منه وانطلاقا من ذلك يعتقد الكاتب أن دراسة ظاهرة الفساد وتحرير الإدارات الجديدة منها مسألة أساسية لتحقيق الطموحات ودفع عملية التنمية إلى الأمام بمشاركة كل الشعب بتحقيقها لأن التنمية بالأساس قضية مجتمعية . الأذكياء أكثر فساداً يضيف الدكتور عمار مرهج في حديثه عن الفساد أنه من صنع الإنسان وابتكاراته حيث طور أساليبه بسرعة مستفيدا من ارتفاع منسوب الذكاء لدى ممارسيه ، حيث يغلب عامل الذكاء على طبيعة الفاسدين لقدرتهم على استنباط الأساليب والطرق الخفية لممارسة الفساد وإحاطة أنفسهم بسياج من الحماية والسرية والكتمان رغم أنهم اليوم باتوا يلعبون " ع المكشوف " . يشبه الدكتور مرهج صراع الفاسدين بالأولمبياد ومونديال كرة القدم ويقول الاختلاف بين مونديال الرشاوى ومونديال كرة القدم أن الأخير يعقد كل ؟أربع سنوات بينما مونديال المرتشين يجري على مدار الساعة وفي كل المواسم وبطلها في هذا الكون هو الوحيد الذي يفر من تسلم كأس الانتصار. . وبلغة الأرقام يؤكد مرهج أن حجم الإنفاق العالمي سنويا على الرشاوى في القطاع الخاص مابين 20 إلى 40 مليار دولار وهذه الأموال تزيد تكاليف المشروعات بنسبة تصل إلى 10%كما أنها تعادل ذات الحجم للإنفاق مقابل المساعدات التنموية الرسمية كما تلحق أضرارا بالغة بالتجارة والصناعة والتنمية والاستهلاك وهذا ما أكدته منظمة الشفافية العالمية لكن مصادر البنك الدولي تحدث عن حدود 1000 مليار دولار أمريكي تدفع قيمة للرشاوى عالمياً. الفساد يعمل على تعميم ثقافته الدكتور سمير صارم الإعلامي الاقتصادي وعضو لجنة الدراسات والبحوث في اتحاد الكتاب العرب فالمسؤول الحكومي وشريكه اللذان يمثلان قطبي الفساد يجهدان في إبقاء الحال عما هو عليه ويحولان دون تطوير وتحديث الأنظمة والقوانين والمؤسسات وجد في تقديمه للكتاب أن الفساد يعمل على تعميم ثقافته ، وثقافة الفساد إذا ما شاعت تقلب المفاهيم الأخلاقية فتبرر الرشوة وتعتبرها أمرا طبيعيا وضروريا وهي مفتاح تحقيق الهدف ، ومن المفارقات التي يطرحها موضوع الفساد أن هناك من يرى للفساد نتائج إيجابية حيث يقلل من القيود الحكومية ويتجاوز الجمود البيروقراطي تجاه العمليات الاقتصادية والمالية وبرأيهم أن الفساد قادر على تحريك عجلة النمو الاقتصادي لكن هذه الحجة مجرد مبررات لسلوك شاذ وغير أخلاقي . الدكتور صارم يؤكد أن أموال الفساد ساهمت في إفساد فئات واسعة من السكان في دول عالم الجنوب وفي إشاعة نزعة الاستهلاك غير المنتج وشكلت نزيفا دائما للمال العام نحو الخارج . وبالعودة لمضمون الكتاب نجد ان الباحث مرهج قدم في فصله الأول أن الفساد خيانة ثم تحدث عن الجاه والمال عند ابن خلدون ثم ترك مساحة للحديث عن الإعلام والفساد . لينتقل للتفريق بين الفساد الكبر والفساد الأصغر ليصل منهما للحديث حول الرشوة والمحسوبية بصفتهما صورا للفساد ثم خصص فصلا للحديث عن المحسوبية والمحاباة وصولا لأسباب الفساد ومنها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتنظيمية وسيكولوجيه ونفسية ومنها ينتقل للحديث مطولا عن البيئة المناسبة للفساد وإشكال الفساد مفصلا في الآثار المترتبة على الفساد في القضاء وأثره على الحياة الاقتصادية وعلى التنمية الاجتماعية وعلى النظام السياسي بشكل عام وهناك حديث تفصيلي حول الفساد الإداري والمالي مع التفصيل في التهرب الضريبي أحد أبرز أشكال الفساد ثم التهرب الجمركي وبعد الحديث عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للفساد يفصل في ظاهرة " الحيتان " مدخلا للفساد السياسي . وبعد حديث عن الحوكمة والفساد ، والفساد والشفافية ودور المجتمع الأهلي يفصل في موضوع تنامي الموال القذرة والإجراءات والقوانين الدولية لمكافحة غسيل الأموال القذرة بعدها يتحدث عن هيئات واتفاقيات عربية ودولية لمكافحة الفساد ومنها إشارة للفساد في العالم مع تخصيص لقضايا الفساد من الشرق والغرب ومظاهر مكافحة الفساد ليختم بحثه بعنوان جدير بالمتابعة يتحدث عن الفساد في سورية ويختم الكتاب بالقول : في الأدبيات الدولية الحديثة فتش عن القوانين فهي البداية والنهاية ، نظام للإفصاح والشفافية والرقابة ونظام الانتخابات الصحيحة والبرلمان الفعال .. كل هذه الأدوات تصنع مجتمعا نظيفا متبرئا من الفساد فهل من حملة في هذا الاتجاه؟ حملة رسمية وشعبية تضرب مواطن الخلل هنا وهناك في السياسة والاقتصاد والمجتمع نرجو ونأمل ذلك ..   سرية الحدث ـ بشار الحجلي
التاريخ - 2014-05-22 6:42 AM المشاهدات 1665

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا