تفسير الصمود الضعيف في الاقتصاد وأهمية حلول غير التي أثبتت فشلها
بقلم : الدكتور دريد درغام
ناتج وثروة سورية في ظل الحربيفيد الإنتاج أو الدخل السنوي في مراكمة الثروة بنوعيها:1. الثروة المصنعة: لا تتراكم إلا بتدخل البشر وتشمل فئتين: الثروة الفكرية ومنها الخبرات والتعليم والتنظيم والإدارة والعدالة وغيرها من مقومات العمل المهني أو العضلي أو الفكري وكل ما قد يضمن العيش في ظروف تسمح بالإحساس بالأمان والطمأنينة..الثروة المادية بما فيها:المنازل والمعابد والآثاربنية تحتية: بما فيها طرق ووسائل الاتصالات والمواصلاتمجوهرات ومعادن ثمينة، عملات أجنبية مهمة 2. الثروة الطبيعية (مناجم، آبار نفط، غابات..) التي يتم استنزافها لمراكمة الثروة المصنعة. ويكون الاستنزاف حسب موقف الدول وحرصها على مراكمة الثروة الفكرية والمادية لمصلحة الجميع أو مراكمة الثروة المادية فقط ولمصلحة البعض فقط...تؤدي عموماً كل زيادة بالإنفاق الاستثماري الخاص أو العام والصادرات إلى زيادة أكبر بالإنتاج (آلية مضاعف أكبر كلما كان ميل الشعب الاستهلاك أكبر). وفي العالم النامي يكون الميل للاستهلاك شديداً ودوران الكتلة النقدية ضعيفاً. وقد تسبب الانخفاض الفعلي بالانفاق الحكومي (حوالي 7 مليار دولار) بنقص الناتج المحلي سنوياً بقيمة لا تقل عن 35 مليار دولار. وقد كان انخفاض الناتج أكبر لأسباب عديدة منها: • انخفاض الاستثمار الخاص في المجالات الرسمية والإنتاجية مع تعويض طفيف في استثمارات القطاعات غير المنظورة.• انخفاض حجم التصدير بسبب الحصار • الركود الاقتصادي بنتيجة ارتفاع الاسعار وانخفاض القدرات الشرائية وهكذا انخفض الناتج المحلي إلى مستويات مخيفة وتعرض جزء كبير من رأس المال (تجهيزات وأبنية وغيرها) للتدمير. أدت أجواء الأزمة والتشاؤم بمعظم المستهلكين إلى التركيز على السلع الأساسية مما جعل الطلب على الاستهلاك لديهم شبه عديم المرونة. وبغياب فرص العمل وانتشار غير مسبوق للبطالة سيتزايد انتشار السلوكيات القذرة (فساد، نهب..) وسيفقد الطلب الحقيقي مرونته. وبالعودة للشكل أدناه نجد أن الدمار والنهب قد جعلا مستوى الإنتاج الممكن في مستويات ضحلة تحتاج إلى سنوات طويلة لتعود لسابق عهدها. لذا ستكون توازنات الأسعار في مستويات أعلى وبالتالي لن تعود الأسعار للانخفاض في الأفق المنظور.
من جهة أخرى لا بد من التنويه إلى أن بعض السلع الضرورية لا يمكن تخفيض الطلب عليها أقل من عتبة معينة كالغذاء والدواء والكساء والبناء ومستلزماته (لمختلف الشرائح) والسلع الكمالية (للطبقات الميسورة التي زاد ثراؤها خلال الأزمة) وبالتالي فإن انخفاض إنتاجها محلياً لا يمكن تعويضه إلا بالاستيراد من الخارج مما يعني مزيد من الضغط على الليرة. ومع استمرار الحرب سيكون لتدمير البنية التحتية والإنتاجية والبشرية واستمرار هجرة الخبرات والعقول دوراً حاسماً في تقهقر الليرة أكبر بكثير من الدور الذي يحاول تضخيمه البعض بالنسبة للمضاربين في الداخل أو الخارج! ورغم كل ما سبق لم تشهد الأسواق حتى الآن مستويات الشح الذي عانى منه السوريون في الثمانينيات؟ وما يزال السوريون في مستويات عيش لا تقارن بالعديد من الدول الفاشلة اقتصادياً . ويسعى الجميع إلى تقليل احتمالات الفشل لأنه إن حدث سيكون الهزيمة الحقيقية. فكيف نفسر مقاومة الاقتصاد السوري ومواجهته لمقومات الفشل الذي تسعى إليه القوى المتربصة بهذا البلد؟ 1- الانتشار الهائل لاقتصاد الظل الذي ثبت قدرته على امتصاص الصدمات وتبين أن الثروات في القنوات غير الرسمية أكبر بكثير مما يتوقع البعض.2- مقارنة مع المناطق المنكوبة الواقعة خارج سيطرة الدولة فقد لعب نزوح بعض أصحاب الورشات والمهن والخبراء من المناطق الساخنة إلى الآمنة دوراً هاماً في تنشيط الاستثمار وتفعيل الثروة الفكرية فيها. ورغم مساهمة الأمر بإحياء غير مسبوق لنشاط المناطق الآمنة إلا أنه يشكل مصدر مخاطر محتملة ومنها:a. طريقة توزيع فرص العمل بين المهجرين والسكان الأصليين وضمان التناغم المطلوب بين بيئة الإنتاج وبيئة الاستهلاك أو العملb. ارتفاع أسعار المعيشة وخاصة السكن في المناطق التي تم النزوح إليها. ونجم عن الأزمة ازدهار السكن العشوائي والمخالف لمعايير الأمان السورية. وتؤكد إحصائيات نقابة المهندسين أنه تم إنشاء 1,1 مليون وحدة سكنية مخالفة في سورية خلال الأزمة معظمها بمواصفات فنية سيئة. ومع ذلك كان الطلب عليها شديداً مما يؤكد وجود سيولة هائلة خارج السيطرة. ونجم عن هذه الأنشطة تشويه العمران وتعقيد ظروف التخطيط والتنمية في مجال التربية والتعليم وغيرها من مستلزمات العمران بالمدن التي زاد اكتظاظ أحزمة الفقر فيها.3- الدعم المالي الخارجي سواء كان بالطرق الرسمية (الحوالات عبر المصارف والقنوات الرسمية وخطوط التسهيلات) أو غير الرسمية (الحوالات من الخارج نتيجة إرساليات المغتربين أو مبيعات التهريب أو الآثار ومختلف الأنشطة المخالفة للقوانين). وإن كانت مدخرات السوريين وثرواتهم (التي راكموها في الماضي) قد سمحت بتمويل عوامل الصمود. فإن استمرار ضغط نفقات الحرب وغياب عوامل ترميم الثروات (تراجع الاستثمارات الصافية وتعطيل الرساميل أو تدميرها جزئياً أو كلياً) يعني خطراً حقيقياً على إمكانات الصمود القادم! ويتطلب الأمر البحث عن حلول جذرية سيؤدي تأجيلها إلى تعقيد احتمالات الوصول بسلام إلى مستقبل يناسب غالبية السوريين.وإن كانت هذه الظواهر أعلاه قد ساهمت بالصمود فإنها بالنهاية قد ناسبت بعض السوريين وتجمعت السيولة لدى قلة منهم. ولكنها لم تكن كافية لتحقيق العدالة والأمان المعيشي الذي تنشده الغالبية بمختلف أطيافها وخاصة من استمر ترحاله نتيجة اضطراره للنزوح عن بيته أو مشغله. ويدفعنا فشل الحلول التقليدية التي تم تجريبها سابقاً إلى البحث عن آفاق مختلفة جذرية للحلول الممكنة والقابلة للتطبيق؟
التاريخ - 2015-09-16 11:01 PM المشاهدات 714
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا