شبكة سورية الحدث


دريد درغام : الحلول الممكنة في السياسة المالية

  من المستغرب الحديث عن إعادة الإعمار في وسط الحرب. ولنتذكر ان المصاعب الحقيقية تبدأ عند انتهاء الحروب وليس قبلها. وتبين تجارب الدول المجاورة أن انتهاء حروبها لم يؤد إلى الانتعاش الاقتصادي "العادل" الذي حلم به الجميع (لبنان والعراق أمثلة واضحة). لذا لا بد من حلول مناسبة لطمأنة الأجيال الحالية والقادمة. وهذا يتطلب مجموعة قليلة من الأهداف يمكن من خلالها تحريك القطاعات المتبقية بما يضمن العيش الكريم للسوريين. وكلما تأخر تطبيق حلول جذرية بالإمكانات المادية المتاحة تفاقمت المشاكل وأصبحت تكلفة معالجتها أكثر فداحة. ولنتذكر أن أزمة الثمانينيات الاقتصادية لم تحلها إجراءات التقنين أو الترشيد أو ملاحقة وسجن صرافي السوق السوداء بل القرارات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي والانفتاح على الغير وغيرها من الانعطافات التي ترافقت مع تغير ظروف السياسة والاكتشافات البترولية التي سمحت بزيادة لافتة للإنفاق الحكومي. تتطلب ظروف الحرب الحالية الحديث عن إجراءات تم تنفيذها بدلاً من حملات إعلامية عن نوايا لا تتنفذ. ويتطلب الأمر خطة استباقية وليس علاجية وبمحاور قليلة ومحددة تقنع السوريين بأهمية التكافل وإلا سيكون انفجار اللغم الاقتصادي هو الأخطر. يفترض بالتغييرات أن تتناول قطاعات محددة قادرة على إحداث تغييرات لاحقة في غيرها من القطاعات. ومن هذه التغييرات يمكن ذكر الآتي:في السياسة الضريبية:لا يمكن في الظروف الحالية المطالبة أو الاكتفاء برفع نسب الضرائب أو الاعتقاد أن المشكلة تكمن في إزالة الدعم. وبالمقارنة مع تجارب الدول الأخرى في إدارة اقتصاد الحروب نجد ان إدارة سورية لاقتصاد الحرب غريب ولا يدل نشاط القطاع المدني فيها على أنها في حرب على الإطلاق. ويبدو أن هناك إشكالية في التواصل بين الحكومة والقطاع المصرفي (وأيضاً باقي الجهات ذات الفوائض عموماً), فلا الحكومة ترغب بالاقتراض منهم خوفا من تزايد أعباء الفوائد عليها. ولا المصارف الخاصة (أكثر من العامة) ترغب بالاكتتاب على سندات خزينة بالحجوم المطلوبة لأسباب مرتبطة بسياساتها الداخلية وسياسة مصارفها الأم. ويؤدي ذلك إلى استمرار الحكومة في إدارة النفقات الجارية مع إهمال متزايد للنفقات الاستثمارية الضرورية لتدعيم مقومات نجاح اقتصاد أي حرب. ففي الحروب الكبرى ركزت الولايات المتحدة على القطاعات المحورية وكان للإعلام دور مهم في اقتناع الجمهور والمصارف بقرارات الحكومة فكان الاكتتاب على سندات الحكومة والترشيد التلقائي لدعم نفقات الحرب رغم زيادة الضرائب ؛ وكانت النتيجة تحول معظم البنى الانتاجية الخاصة لتلبية متطلبات الحرب. أما ألمانيا ورغم انتهاكها معاهدة فرساي فقد استطاعت استخدام اقتصاد الحرب لتحقيق تنمية اقتصادية غير مسبوقة (أمنت ازدهاراً وفرص عمل ولكنها بالمقابل رتبت ديوناً مرتفعة على الحكومة). وفي الوقت الذي نجد فيه معظم الدول تقترض بكثافة في أوقات الحرب نجد أن السياسة النقدية والمالية في سورية مهتمة بالوصول إلى موازنة متوازنة أكثر بكثير من اهتمامها بتغيير وجهة دفة الاقتصاد ومراجعة الأنشطة الموروثة من أزمنة بالية. لذلك يستغرب في السياسة الحالية للحكومة استمرار التقشف غير المجدي وتجنبها الاقتراض الطبيعي (وتركيزها على الاقتراض "السهل" من المركزي) وتقشفها المكثف في مجالات لا ينتج عنها وفورات حقيقية. لذا المطلوب تغييرات جذرية وسريعة يظهر مفعولها بأسرع وقت ممكن ومنها:a. إعادة النظر في عدد الوزارات الحالية والتفكير في حكومة حرب أكثر ديناميكية وقدرة على إيجاد الحلول. ولنتذكر أنه بدلا من حكومة بأكثر من ثلاثين وزيراً فإن دولاً أكبر بكثير وأكثر تقدماً تُقاد بعدد أقل بكثير (إيطاليا والولايات المتحدة وتركيا وماليزيا..) b. إلغاء أو تجميد أو تعديل بنية العديد من الجهات العامة التي ثبت عدم جدواها سواء قبل الأزمة او بعدها وذلك ضمن الشركات أو المؤسسات الإنتاجية أو التعليمية (حيث الكادر الإداري والتعليمي في بعض المدارس أو المعاهد أكبر من عدد الطلاب!) أو دمج (المصارف أكبر مثال). وقد يكون من المفيد وضع الفوائض الناجمة عن إعادة الهيكلة في بطالة تقنية براتب كامل لمدة عام (سيكفي الوفر في النفقات العامة والتنقلات وتأجير المقرات التي تم إخلاؤها لتمويل هذه الفوائض). ويمكن البحث عن العديد من المقاربات التشجيعية التي تسمح بتشجيع هؤلاء على الانخراط في تأسيس بنى إنتاجية صغيرة ولكن فعالة تسمح بتخديم اقتصاد الحرب. وعلى سبيل المثال يمكن بعد عام من وضع الشخص في بطالة تقنية ربط راتبه بتأسيسه لبنية إنتاجية أو الانخراط فيها وقبوله التعامل بمنظومات الدفع المذكورة أدناه (تعتبر هذه المقاربة إحدى وسائل تشجيع البنى التكافلية في زمن الحرب ولاحقا في زمن السلم)c. تكثيف الجهود لتخفيف التنقلات اللازمة لتنفيذ خدمات ومراجعات حكومية: رغم وضوح إجرائيات مراكز خدمة المواطن بقيت محدودة (أقل من عشرة في خمس سنوات). ويمكن إنشاء بنية تقنية عامة لنشر وصيانة البرمجيات بشكل مكثف وأسرع وأكفأ وأرخص من الوضع الحالي. وهذه المراكز ليست سوى بداية للوصول إلى الاستعلام عن بعد عن الوثائق المطلوبة وتسديد الرسوم المطلوبة لها مما يوفر المزيد من نفقات التنقل والروتين والفساد.d. يمكن إلغاء إجراءات الورقيات واعتماد برمجيات شبه مجانية ومضمونة تسمح بتتبع حقيقة وتوقيت المراسلات والحواشي في مختلف البنى العامة الإنتاجية والخدمية والرقابية. وفي ذلك تحسين للأداء وزيادة في ثقة الناس بالموظفين عموماً. أما عن الشكاوى المتكررة بخصوص تزوير الوثائق العامة فقد تقدمنا بحلول مجربة تضمن الحل بسهولة وبوسائل شبه مجانية. e. كما يمكن توفير الكثير من التكاليف ومظاهر الفساد من خلال تنظيم المواد المدعومة وأعمال الإغاثة وتوثيقها بطريقة مختلفة عن واقعها الحالي. وهنا لا بد من التذكير بأن النموذج الذي تم التوافق على تجريبه في استهلاك المحروقات بعينة أولية وأكد المختصون التقنيون على إمكانية تحقيقه تم تمييعه منذ خمس سنوات. وبدلا من ايجاد الحلول اللازمة لتحسين الأداء نجد أن عدد محطات الوقود قد تضاعف عدة مرات. ويبدو أن قطاع توزيع المحروقات مربح جدا ً وإلا كيف نفسر أنه رغم تقنين عمليات التوزيع لا يفصل بعض المحطات الجديدة أكثر من 500 متر عن جارتها.f. في الماضي لم تكن ثقافة الاستهلاك شديدة الانتشار فكان عدد المطاعم ومحلات الاستهلاك أقل بكثير مما هو عليه الوضع الحالي. وكانت ورشات الإنتاج أكثر انتشاراً من محلات الترويج لمنتجات البلدان الأخرى. لذا يتطلب زمن الحرب تغليب ورشات الإنتاج المحلي على محلات تصريف السلع الاستهلاكية القادمة من الخارج.g. تؤكد التصريحات الرسمية أن مصروفات قطاع الكهرباء (بدون الأضرار) تقارب 4 مليار دولار سنوياً. وتناسب المولدات الضخمة زمن السلم لما فيها من وفورات بالحجم. ولكن في زمن الحرب يتطلب الأمر منظوراً مختلفاً. ونظراً لاستمرار ظروف التقنين المخيفة خلال الأسابيع والأشهر القادمة يستحق الأمر مقارنة واقع الكهرباء في دمشق مع حلب بعد أربع سنوات من الحرب حيث المولدات على مستوى الحي أكثر دينامية وتسمح بمواجهة ظروف الحرب بكفاءة أعلى وتكلفة أقل. كما يتطلب الأمر طرقاً مختلفة في نقل تجهيزات المحطات الضخمة لوضعها في الخدمة أو لتخزينها بسلامة في المناطق الأكثر أمناً بدلاً من انتظار تخريبها أو الاستيلاء عليها من قبل المسلحين وبيعها كما حدث للمصانع في حلب. وفي هذه الحالة يمكن تخصيص كهرباء المحطات الكبيرة للبنى الانتاجية تحديداً نظراً لأهمية تشجيع الإنتاج وضمان طاقة مستقرة له بدلاً من الاستهلاك المنزلي الذي يمكنه التكيف مع إنتاج كهربائي مقنن من المولدات الأصغر.
التاريخ - 2015-09-16 11:02 PM المشاهدات 1593

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم