الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب لسورية الحدث : " لا بدّ أن يكون للثقافة السوريّة إيقاعها الواحد الذي يتكامل فيما بين علاماته الموسيقيّة" ليس خافياً على المتتبع لأحوال وطننا في هذا الظرف العصيب الذي يواجه فيه شعبنا منذ خمس سنوات أعتى مؤامرة دنيئة حاكت خيوطها خفافيش الظلام بهدف تدمير قواعد الصمود الراسخة وإخضاع قامة الوطن الشامخة التي استعصت عبر التاريخ على الركوع والاستسلام.ليس خافياً أيضاً بهذا الظرف دور المثقف العربيّ الرائد الذي يقف إلى جانب أخيه الجندي المقاتل في خندق واحد ويساهم بفكره في تأمين حدود الوطن ونشر الوعي بالأخطار المتكالبة عليه.وحين نهمّ بشرح هذا الدور لتقصّي أبعاد المؤامرة ليكون واجباً علينا أن نتوجّه إلى المنظمةالثقافيّة الرائدة في سورية( اتحاد الكتّاب العرب) وإلى رئيس الاتحاد الأديب والباحث الدكتور نضال الصالح ليضيء لنا وجوه الأنشطة الثقافيّة والعمل الدؤوب الذي يقوم به الاتحاد بشكل خاص والمثقفون السوريون بشكل عام.كان من دواعي سرور جريدة سورية الحدث أن يكون لها حوار مع رئيس الاتحاد عن بعض الأمور الثقافيّة الهامة:1-مضت خمس سنوات على المواجهة المريرة مع المؤامرة الدنيئة المدبّرة لوطننا الكريم، وقد اتخذت هذه المؤامرة وجوهاً كثيرةً ممّا حوّلها إلى أخطبوط شيطانيّ يعمل ليل نهار للفتك بسورية ، وتدمير إرثها الإنسانيّ والحضاريّ.هل لكم أن توضحوا لنا صورة هذه المؤامرة السوداء؟ ما سماتها؟ ما أبعادها؟ ما أهدافها؟ وما وسائلها لإنجاز ما تخططه؟* للإجابة عن هذا السؤال سأنطلق من المرجعيّة الفكريّة للحرب المجنونة القذرة على سوريّة، من المعروف أنّ سوريّة قدّمتْ أوّل أبجديّة للإنسانيّة، وأنّ السوريين هم أوّل منْ اكتشفوا الأرجوان الذي لعب دوراً في التحوّلات الحضاريّة في البشريّة، وأنّهم كانوا علامات فارقة في تاريخ الحضارة البشريّة، فمن الطبيعيّ أن تتعرّض سوريّة التي أبدعت الحضارة لهذه الحرب الطائشة والمسعورة عليها لأنّها تستهدف قيمة أساسيّة فيها هي هذه الحضارة.إذا نظرنا إلى المشهد من هذه الزاويةفسنكتشف أن اللوثة التي أصابت أعداء سوريّة كانت ركائزها أولئك الذين يمكن الاصطلاح عليهم بـ"أبناء الظلام" المعادين لهذه الحضارة والحضارات الإنسانيّة عامّة لذلك لم يكن غريباً أن تتعرّض سوريّة لحماقات ورعونات قادة وساسة ومثقفين وكتّاب شاؤوا أن يلتحقوا بركب أبناء الظلام من أجل تقويض تلك القيمة التي ميّزت سوريّة.بهذا المعنى أستطيع أن أقول إنّ الأسباب السياسيّة والاقتصاديّة والأسباب المختلفة لم تكن كافية وحدها للقول إنّ هذه الحرب كانت تستهدف سورية جغرافيّةً، بقدر ما كانت تستهدفها تاريخاً ومكوّنات وذاكرة وهويّة، لذلك عندما نتطلّع إلى الانتصار الذي ستحققه سوريّة فلن يكون عسكريّاً بحتاً بل سيكون ثقافيّاً في الوقت نفسه لأنّ الحرب في أصلها ثقافيّةً قبل أن تكون عسكريّةً بحتة.2-ماهي المهمّات التاريخيّة الملقاة على أبناء الوطن وبالذات المثقف السوريّ للتصدّي لهذه المؤامرة؟ وما الوسائل التي نملكها للمواجهة؟*من المؤسف أن تمضي هذه الحرب الطائشة بمنْ كنّا نصطلح عليهم كتّاباً ومثقفين مشارب شتّى متناقضة فيما بينها، فعلى حين تمسّك عدد من المثقفين والكتّاب السوريين بانتمائهم إلى هويتهم السوريّة بدفاعهم عن وطنهم سوريّة وبإخلاصهم لهذه الهويّة، مضى آخرون في اتجاه آخر فارتضوا أن يكونوا أتباعاً في جوقة التآمر على سوريّة، ومن المؤسف أيضاً أنّ ضرباً آخر من الكتّاب والمثقفين ارتضى لنفسه الصمت، والصمت لدى المثقف خيانة لأنّ الصمت لا يليق بمثقف بل يجب أن يكون له دوره ورؤيته وموقعه أيضاً.هذه الأشكال الثلاثة من المواجهة مع الحدث السوريّ جعلت الثقافة السوريّة تتشظى إلى حدّ لافت للنظر، الشكل الأوّل من المثقفين أستطيع أن أصفه بالقابض على الجمر تماماً لأنّه مضى بكليّته نحو هويّته الوطنيّة لذلك بدا كمنْ يقبض على جمر في وقت شاء سواه إمّا أن يكون أجيراً لدى أعداء وطنه أو ارتضى أن يصمت في مواجهة هذه الحرب.السنوات الخمس التي مضت لم يكن الأداء الثقافيّ بتقديري لائقاً على النحو الذي يجب أن في مواجهة هذه الحرب على سوريّة، ولو كان ثمّة أداء ثقافيّ جديد بالتقدير لاستطعنا أن نقول إنّ جزءاً أساسيّاً من إرادة الانتصار كان قد أنجز أو قيد الإنجاز على نحو دقيق.إذا لم ينهض المثقف بدور أخلاقيّ قبل أن يكون دوراً وطنياً في الأزمات التي يتعرّض له وطنه فمتى يمكن أن يعبّر المثقّف عن حقيقة انتمائه للثقافة وعن صلته الحقيقيّة بها.أزمات الوطن، تحوّلات الوطن هي الفيصل –كما أرى- بين أشكال الوعي لدى المثقف، بين مثقف منتمٍ حقّاً ومثقّف زائف ومثقف مرتزق ومثقف أجير ينطبق عليه الوصف بأنّه شيطان أخرس.3-أطلقتم في اتحاد الكتّاب العرب مؤخراً ( ثقافة التنوير ) ...ما هي العوامل التي دفعت لاختيار هذا الشعار؟ ما الذي يعبّر عنه بوضوح؟ كيف نجعله شعاراً واقعيّاً لعمل قادر على القيام بأعباء الدور المناط بالمبدعين ومعيناً على مواجهة المشاريع الظلاميّة الحاقدة؟*مرجعيّات الحرب كما أسلفت في الإجابة عن السؤال الأوّل ثقافيّة قبل أن تكون سياسية وعسكريّة، وقد أثبتت السنوات الخمس التي مضت من تاريخ هذا الجرح النازف من الخاصرة السوريّة أنّها كانت ثقافيّة بامتياز ولذلك وجدنا أنفسنا في الدورة التاسعة لاتحاد الكتّاب العرب أمام مسؤوليّة أخلاقيّة قبل أن تكون وطنيّة، وهي أن يكون لهذه المؤسسة دورها في مواجهة هذه الحرب، ولأنّ الحرب كما قلت قبل قليل ثقافيّة بامتياز وتكفيريّة و ظلاميّة فلا بدّ من مواجهتها ثقافيّاً ولا بدّ من مواجهة الفكر الظلاميّ بفكر تنويريّ فكر مضاد مفارق لهذا الفكر الظلاميّ لذلك اتخذنا قراراً أن تحمل هذه الدورة شعار ثقافة التنوير وان نترجم هذا الشعار إلى مادّة ناطقة طوال السنوات الخمس من هذه الدورة.لدينا مشروع وطنيّ وليس مشروعاً ثقافيّاً فحسب أستطيع أن أصفه بالمشروع التشاركيّ فيما ستمضي سوريّة إليه من انتصارات، ولقد وجدنا العلامات الأولى لهذه الانتصارات على غير مستوى ولا بدّ من أن ترافق هذه الانتصارات انتصارات على الجانب الثقافيّ، ويمكنني أن أقول بكثير من الطمأنينة أنّ الأشهر الخمسة التي مضت أثبتت لنا بما يدع لنا مجالاً للشكّ إنّنا وضعنا أقدامنا في الطريق الصحيح واستطعنا أن نؤكّد الدور الذي يجب أن تنهض به الثقافة في هذا المجال لأنّنا نؤمن إيماناً قاطعاً يبلغ حدّ اليقين تماماً بأنّ إعادة إعمار سوريّة لن تكون على النحو الذي يطمح إليه السوريون إلا إذا كان ثمّة إعادة إعمار للوعي السوريّ، وعندما يتضافر الفعلان إعادة إعمار ما هو مادّي وما هو معنويّ آنذاك سورية تمضي إلى الضوء الذي يليق بها.4-بعد خمس سنوات؛ تركتْ الأزمة أثراً واضحاً ملموساً في أعمال الأديب السوريّ؟ هناك منْ يقول " إنّنا لم نر عملاً ارتقى إلى مستوى الحدث" هل هذا تساؤل مشروع؟*أوافق تماماً على هذا التوصيف للمنجز الثقافيّ السوريّ في السنوات الخمس التي مضت بهذه الدرجة أو تلك، فانا أزعم أني متابع حصيف للحياة الثقافيّة العربية عامة لا السوريّة وحدها، وإذا ما شئت التوقف عند المنجز السوريّ أستطيع أن أقول إنّ معظم الكتابات التي حاولت أن تتلمّس هذا الجرح السوريّ لم تستطع أن تغوص على العمق منه بل اكتفت بالسطوح الظاهرة منه ربّما لأنّ الحدث لمّا يزل ساخناً، وربّما لأنّ الجرح لمّا يزل غير واضح المعالم للكثير الذين يدّعون انتماءهم إلى حقل الثقافة.وفيما يتعلق بالمنجز الروائيّ السوريّ فيما يتعلّق بالحرب على سوريّة، بلغ عدد الأعمال الروائيّة نحو 36 عملاً روائيّاً لكتّاب سوريين يختلفون في رؤيتهم للحدث السوريّ، لكنّ اللافت للنظر أنّ عدد الروايات التي مضت في الاتجاه المفارق للحقيقة كان أكبر بكثير من عدد تلك الروايات التي حاولت أن تستقرئ الحقيقة بعينين مبصرتين لا بعين واحدة، ولعلّ ذلك يصوّب الأنظار نحو تواضع الأداء الذي كان على المؤسسات الثقافيّة أن تلتفت إليه.أجد شخصيّاً أنّ ثمّة ضرورات كبرى تقع على عاتق المؤسسات الثقافيّة السوريّة في استنهاض الفعل الثقافيّ فيما يتعلّق بهذه الحرب المجنونة على سوريّة.5-لنتحدّث بصراحة: ما هو واجب المثقف السوريّ في هذا الظرف الاستثنائيّ، وهو يمثّل الشريحة الأكثر تأثّراً وتأثيراً في المجتمع باعتباره يحمل عبئاً مضاعفاً بتوعية الناس وفضح المؤامرة الخبيثة؟*أن يخلص للحقيقة، إذ لا قيمة للثقافة إن لم تكن الحقيقة روحها، ولا قيمة للبعد الثقافيّ إن لم تكن الحقيقة جوهراً فيه، كيف يرتضي المثقف لنفسه أن يزيّف الحقيقة بدلاً من أن يلهث وراءها، لقد قيل" الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها" وأستطيع أن أستثمر هذا القول العظيم لأقول " إنّ الحقيقة ضالّة المثقف أنّى وجدها لهث وراءها".إن لم يخلص المثقف للحقيقة، فلا بدّ لهذه الحقيقة أن تضيع بين أقدام أعدائها لأن المثقف هو النبيّ، الرسول، المخلّص بالمعنى الحقيقيّ للكلمة بكلّ ما يمكن أن ينفذ إلى هذا الشارع من ملوثات، المثقف شاهد على الحقيقة وربّما كان شهيدها إذا كان مثقف آخر قد اختار لنفسه المضي ضدّ الحقيقة ولعل الحرب على سوريّة قدّمت لنا نموذجين من أداء المثقف السوريّ.النموذج الذي أخلص للحقيقة إخلاصاً تامّاً ورأى ما يحدث على أرض الواقع وآخر زيّف هذه الحقيقة من أجل مغانم هنا ومكاسب هناك وآخر. وفي تقديري إنّ السنوات الخمس التي مضت جعلت المثقف السوريّ أمام خيار كان عليه أن يتمسّك به، هو خيار الانتماء للثقافة بالمعنى الدقيق لقيمة الانتماء، وأعني بذلك أن يتلمّس حقيقة ما يجري على أرض الواقع بحواسه كلّها وبعينين مشرعتين على الحقيقة على حين أنّ آخرين اكتفوا برؤية هذه الحقيقة بعين واحدة، بل إنّ بعضهم أغمض عينيه كلتيهما وارتضى أن يكتب ما يملي عليه الآخر المختلف مع سورية.6-يمثّل الجيل الجديد في وطننا أملاً واعداً بحمل الرسالة، وهو ما يحتّم رسم خطط خاصّة للأخذ بيده وإعداده للإسهام بفاعليّة في عمليّة البناء الجديد.ماذا في جعبتكم لإنجاز هذه المهمّة؟وهل تمّ وضع خطّة لذلك سيّما أنه سمعنا عن تشكيل هيئة إشراف للأدباء الشباب في شهر شباط الماضي؟كان المهرجان الرابع للأدباء الشباب الذي أقامه فرع دمشق مقدّمة لإنجاز مشروع يتعلّق بالأدباء الشباب في سوريّة، لأنني شخصيّاً مؤمن إيماناً مطلقاً بأنّ لا معنى للحياة الثقافيّة بسوريّة إن لم يكن الأدباء الشباب شركاء فيها، فهؤلاء علامات أولى لحياة ثقافية قادمة وإذا لم يكن هؤلاء الأدباء الشباب ضمن بوتقة ثقافية رصينة مثل اتحاد الكتّاب العرب فيعني ذلكبعثرة إبداعاتهم بين جهات مختلفة.شكّلنا في الاتحاد هيئة استشاريّة للإشراف على المنجز الشبابيّ الإبداعيّ وسنتابع تفعيل هذه الهيئة بعد إتمام بعض المشاريع التي هي قيد الإنجاز.ولا بدّ للإشارة إلى أنّه لدينا هيئتان ننتظر أن تترجما عملهما إلى حقيقة ملموسة: الهيئة الاستشاريّة الخاصّة بشعار ثقافة التنوير والهيئة الاستشاريّة الخاصّة بإبداع الشباب وأدبهم.7-لا يخفى على أحد الدور الهام الذي تلعبه وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الإلكترونيّة في المشاريع الثقافيّة؟ فما هي في تصوّركم السبل إلى مشاركة هذه الوسائل في مشروع اتحاد الكتّاب العرب المتعلّق بثقافة التنوير بشكل خاصّ؟*شخصيّاً أؤمن أنّ التكنولوجيا المعاصرة التي أتاحت لنا وسائل اتصال مختلفة وجعلت الكون قرية صغيرة –كما يقال- إن لم نحسن استثمارها فهذا يعني أننا لا نليق بالعصر الذي ينتمي إليه، فكيف إن كان الأمر يتعلق بالثقافة التي من بعض حواملها وسائل الاتصال ومن بعض مؤشرات فعلها بالواقع هو هذه الوسائل.كانت أول خطوة قمنا بها في بدء الدورة التاسعة هو تجديد الموقع الخاصّ للاتحاد على الشبكة العنكبوتيّة، حيث يتمّ تحديث هذا الموقع يوميّاً وعدد زواره المتزايد يجعلنا نؤمن أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ ضرورة وليست ترفاً.أطلقنا صفحة على موقع التواصل الاجتماعيّ تنشر نشاطاتنا، ووجهنا كتباً إلى فروعنا بالاتحاد أن يكون لها صفحات أيضاً.وفي تقديري أنّنا لم نبلغ الطموح الذي نتمناه في هذا المجال لأننا نريد أن يكون للثقافة حضورها الفاعل وليس حضورها التزييني لأن الثقافة فعل وليست ديكوراً.ومن هذا المنطلق سنبحث أيضاً عن وسائل اتصال أخرى كأن نحدث لنا صفحة على التويترونكتب بعض التغريدات الجزئيّة التي تتعلّق بأنشطة الاتحاد.8-هل هناك تكامل في الأداء الثقافيّ بين المؤسسات المعنية بالثقافة في سورية؟*سأبدأ الإجابة بالتمني من جميع المؤسسات المعنية بالثقافة أن تنظر إلى الفعل الثقافيّ بوصفه فعلاً تشاركيّاً بامتياز.يجب على المؤسسات الثقافيّة في سوريّة أن تشكّل أرخبيلاً ثقافيّاً بدل أن يكون كلّ منها جزيرة منعزلة عن الأخرى، لا قيمة للفعل الثقافيّ الذي يقوم به الاتحاد إن لم يكن له ما يكمله.أنهي السؤال بتمن آخر هو الوصول إلى مشتركات حقيقيّة فيما يتعلق بالثقافة السورية لكي يكون للثقافة السوريّة إيقاعها الواحد الذي يتكامل فيما بين مكوّناته الموسيقيّة.9-بكلمة: ماذا تعني للدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب:*سورية : أمّي*الفيس بوك: سلاح ذو حدين*انتخابات مجلس الشعب: استحقاق وطنيّ*المنجز النقدي السوريّ: في الدرك الأسفل من الأداء*قصيدة النثر: ضرورة**** سورية حقيقةً تمضي للنور الذي يليق بها مع طموحات اتحاد الكتاب العرب، المؤسسة التي تنام الثقافة مرتاحة البال على كتف داعميها والناهضين بها ضدّ الظلام وأبنائه.سلام خالد التركمانيمكتب دمشق
التاريخ - 2016-04-08 11:25 AM المشاهدات 4417
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا