سورية الحدث د. بسام أبو عبد الله
لا يستطيع الزائر لجمهورية الصين الشعبية أن يُخفي إعجابه، وذهوله لسرعة، وحجم التطور الذي يحققه الشعب الصيني الصديق في مختلف المجالات حتى تحولت الصين إلى أكبر مهدد للتفوق، والهيمنة الأميركية ليس من خلال نشر الأساطيل، والجنود، والقواعد العسكرية، واحتلال البلدان، وإذلال الشعوب، وإنما من خلال منظومة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وتكنولوجية تعمل كخلية النحل من أجل الاستمرار في المنافسة، والتربع على قمة العالم اقتصادياً حيث يتوقع الصينيون أن يحدث ذلك بعد عشر سنوات.
انطباعي عن الصين جاء بعد حضوري لمؤتمر حزام طريق الحرير الذي عُقد في مدينة (اورومتشي) عاصمة إقليم تشينجيانغ شمال غربي الصين، والأمر هنا ليس من باب الدعاية، والترويج، وإنما من باب العلم، وزيادة المعرفة، والتخلص من عقدة الغرب التي ظلت، وما تزال تلازم نُخبنا الثقافية، والفكرية، والعلمية لعقود من الزمن دون القدرة على قراءة تجارب شعوب، وأمم، وبلدان أخرى وصلت إلى مراتب متقدمة في كافة المجالات، ولديها الجذور الحضارية التي تشكل حوامل أساسية لنهضتها، وتقدمها.
مشروع (حزام طريق الحرير) الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جي بينغ الذي انتخب في آذار/2013 يُشكل مشروع القيادة الصينية الجديدة للسنوات العشر القادمة، وسينطلق من إقليم تشينجيانغ الذي كان في مرحلة من التاريخ جزءاً من طريق الحرير وساهم في نقل حضارات ولغات وأديان بين مختلف الأمم والشعوب، وهو طريق استفاد من التجارة كجسر للتفاهم، والوئام، والاستقرار بين الشعوب في وقت أكثر ما نحتاج فيه هو تعزيز مثل هذه المفاهيم، والقيم بعد أن تحول العالم إلى غابة يأكل القوي الضعيف، وتُزال أمم وشعوب، وتستبدل خرائط بأخرى، وتستحدث دويلات لطوائف ومذاهب غير قابلة للحياة، وضد منطق التاريخ والتطور.
يؤكد المسؤولون الصينيون في أحاديثهم على أن هدف المشروع هو وصل الماضي بالحاضر والمستقبل، وأن أساسه هو الثقة المتبادلة والاحترام، والفوائد المشتركة، ولا يُخفون وجود خلافات، واختلافات حوله، لكنهم يرون أن النقاش العلمي خلال فترة المؤتمر ساعد في إنضاجه، ويوضحون أننا أصبحنا أقوى، وليس أضعف لأننا نتفهم بعضنا بعضاً، ويؤكدون أن المسار صعب، وطويل، ويحتاج إلى جهود دول مختلفة، وشعوب متعددة، ولا بد من إتاحة الفرص للآخرين للمساهمة في تقييم هذا المشروع الضخم.
يحمل مشروع (حزام طريق الحرير) أبعاداً اقتصادية، وثقافية، وسوف يقوم على التكامل في المزايا بين الدول المشتركة فيه، ويحتاج إلى بيئة سياسية للتعاون الاقتصادي، وإلى جهد ملايين البشر، ولكن الصين كما بدا من كلام مسؤوليها تُرحب بأي مقترح من أي دولة لتطوير المشروع.
العبارة المهمة التي كنا نسمعها من أكثر من مسؤول صيني أن على الصين أن تعرف العالم، وعلى العالم أن يعرف الصين، وهي قضية مهمة، وأساسية للفهم، والتفاهم بين الشعوب، التي تشكل منطلقاً لتعزيز مختلف أنواع العلاقات.
لا يبرح الصينيون عن التأكيد أن (الحلم الصيني) في التطور، والنمو والتقدم لا يقوم على التوسع، والهيمنة، وأن (القوة) لا تعني التفوق العسكري فقط، وإنما النمو الاقتصادي، والعلمي، والثقافي، والرياضي، أي النمو الشامل، ولا يخفون أن الصين كانت في مرحلة من تاريخها دولة ضعيفة، وأنه حتى الآن لديها العديد من المشاكل، والتناقضات التي تحتاج إلى حلول، ولكنّ الصينيين يقولون لك نحن نعمل على مواجهة المشاكل مباشرة، ولا نؤجلها وتحقيق الحلم الصيني يقوم على العمل المستمر دون كلل، أو ملل، وهو أحد أسرار الصين، فالشعب الصيني يعمل بانضباطية عالية وبحب للعمل، وثقافته، واحترام للمؤسسات، وبلده.
يعتقد الصينيون أن هناك نقطتين أساسيتين لا بد من التركيز عليهما أولاهما: إن القوة ضرورية كي تحظى باحترام العالم، ولكن مفهوم القوة الشامل- وليس العسكري فقط، وثانيهما: إن لا مجال للضعف، والهوان، والتراجع، ولا بد من الثقة بالنفس- لأن من لا يثق بنفسه- لا يمكن له أن يكون قوياً!!
لقد حاولت خلال وجودي في هذا المؤتمر أن أبحث عن إجابات لسؤال ما زال يُطرح في الأوساط العالمية حول سر التجربة الصينية، ونجاحاتها وإذا كان بعض ما قدمت أعلاه هو جزءٌ منها، إلا أن سؤالي لباحثة صينية صديقة في المؤتمر جعلني ألخص السر فيما قالته لي بالحرف الواحد: [لقد قررنا أن نكون أقوياء]، ولأن ما يهمني في كل ما سبق هو بلدي، وشعبي، فإن ما يمكن استخلاصه من حديثنا هو أن شعار السوريين للمرحلة القادمة يجب أن يكون (لقد قررنا نحن السوريين أن نكون أقوياء)، ولأننا أثبتنا للعالم كله أننا فعلاً شعب قوي، وصبور، وأسطوري، فإنه لا بد من تحويل هذه المعادلة إلى رؤية للمستقبل، فحوامل هذه الرؤية ليست عسكرية، أمنية كما يعتقد البعض إنما هي حوامل حضارية، ثقافية، علمية، بحثية، تربوية، وما لم ننفذ ذلك في الواقع من خلال ثقافة عمل، والتزام، ومحبة لهذا الوطن، وترابه، وتاريخه، وتراثه، ومستقبل أبنائه، فإننا نخون دماء شهدائنا الذين سقطوا من أجل هذا الوطن، ومستقبله الواعد.
أمامنا في عالم اليوم، فرصتان: إما أن نكون أقوياء- ونثق بأنفسنا، وإمكانياتنا، وهي كثيرة، وهذا مسار طويل، وصعب، ولكن إرادتنا تتأكد في كل يوم أنها صلبة.
وإما: أن نذهب إلى إمارات، ودويلات يقودها معتوهون، ويمولها مجرمون يحملون شكل البشر.
وأعتقد أن السوريين يؤكدون كل يوم الخيار الأول، وهو: (لقد قررنا أن نكون أقوياء).
التاريخ - 2014-07-04 12:58 PM المشاهدات 1386
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا