شبكة سورية الحدث


إنهيار الشرق الأوسط - نبيه البرجي

عشية تسلمه جائزة نوبل، قال الكاتب الياباني الفذ ياسوناري كاواباتا «لكي نقهر الكآبة علينا ان نقهر... التاريخ».لا تدري ماذا كان صاحب «زئير الجبل» قد قرأ تحذير المؤرخ البريطاني ارنولد تويني من الثقافات الكئيبة ومن الايديولوجيات الكئيبة التي يتقاطع فيها ما يقوله الله وما يقوله التاريخ. في نظره ان هذا هو سبب الكوارث الكبرى، والصراعات الكبرى، على امتداد القرون الغابرة...لعل البريطاني روبرت فيسك قد التقط تلك اللحظة ليسأل عن السبب الذي يجعل الفقهاء، واصحاب الفتاوى، وائمة المساجد، يقدمون الله بوجه متجهم، وعاصف، لكأنه خلق البشرية فقط لكي يدوسها، او يسحقها، تحت قدميه...الكلام يتكاثر الان حول تركيا، مصطفى كمال اتاتورك لاحظ ان السلطنة اصابها ما اصابها، من الوهن ومن ترقق العظمة الذي هو اكثر تعقيدا من ترقق العظام، لان السلاطين كانوا يملأون رؤوسهم بالتاريخ الذي قد يكون احياناً مستودعا للجواري كما للقتلة...الذئب الاغبر قال بالقطيعة مع التاريخ، ومع اللغة، ومع الايديولوجيا. ازال الطرابيش وازال اللحى ليعود الرجل المريض وينهض جمهورية للمستقبل بدل سلطنة للماضي.الاسلامي السياسي مشكلة في ايران وفي تركيا وفي السعودية. لا يسطيع الحاكم الا ان يكون خليفة الله حتى ولو اتت به صناديق الاقتراع، لا هيئة البيعة ولا مجلس تشخيص مصلحة النظام. ان التاريخ الذي يمتطي ظهورنا، ويقتل فينا ثقافة الحياة، ويجعل منا ظلالاً لجدران المقبرة.لم يفعل رجب طيب اردوغان شيئاً، ودائماً بتكليف مباشر من السماء، مما لا يفعله الاخرون في المنطقة، وحيث التوتاليتارية والديكتاتورية هما الذراع الفلسفية للسلطة. جلد المعارضين في الطرقات، قطع الالسنة وقطع الاطراف، ناهيك عن قطع الرؤوس، تكديس الناس وراء القبضان، وختم الافواه بالشمع الاحمر.هذه هي تجليات الاسلام السياسية وقد رأى فيه المفكر النمساوي الذي اعتنق الاسلام ليوبولد وايس، متاهة للعقل ومتاهة للروح.وايس الذي اصبح اسمه «محمد الاسد» كان صديقاً لمؤسس دولة باكستان محمد علي جناح. هذا الاخير الذي لاحظ شغف وايس بالنص القرآني عهد اليه بأن يضع الاطار الدستوري للنظام الاسلامي في البلاد.بعد عامين من القراءة التحليلية (والرؤيوية) للنصوص لاحظ انه لا وجود لنظام سياسي في القرآن، وكان ان اقترح ان يلحظ في المادة الاولى في الدستور نص باعتماد الدين الاسلامي مصدرا للتشريع..معلقون غربيون ويكتبون الان عن «عودة الرجل المريض»، الايديولوجيا المريضة. اكثر الاسلام المريض الذي لو بدأت يدمر كل مظاهر الحداثة في تركيا، وبعدما بدا ان رجب طيب اردوغان يريد تفكيك كل اثر لكمال اتاتورك من خلال زعمه انه يطارد كل اثر لفتح الله غولن الذي لم تطأ قدماه الارض التركية منذ ثلاثين عاماً.وحتى لو لم ينجح الانقلاب، ماذا يعني ان يتم اعتقال آلاف الضباط او طرد مئات الضباط، فضلا عن اقالة نحو 3000 قاض بعد سلسلة طويلة من عمليات التوقيف والاقصاء لنخب تخشى على تركيا من السقوط في التوتاليتارية اياها.الان الاردوغانية. العودة الى المشانق، مناظر داعشية على جسر البوسفور، وفي باحات المساجد، باستثناء اندونيسيا وماليزيا اللتين تنفق المليارات لدفعهما الى الايديولوجيات العتيقة والرثة، اي دولة اسلامية تستطيع ان تتحمل الرأي الاخر، كما لو أن القرآن لا يحفل بتلك النصوص التي تحث على الرحمة والتسامح وعلى الأخوة بين البشر...ما حدث ويحدث أظهر الى أي مدى وصل الانهيار في الشرق الاوسط. الانهيار الايديولوجي الذي هو صنو الانهيار الاستراتيجي...هل نحن في قعر الاسلام أم في قعر الوثنية؟
التاريخ - 2016-07-21 4:05 PM المشاهدات 621

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا