شبكة سورية الحدث


مسلسل «أحمر».. ومقاربة سلطة الجهات الأمنية بروح إنسانية

على الأرجح أن معظم من شاهد مسلسل «أحمر» لكاتبيه (علي وجيه، يامن الحجلي) وإخراج (جود سعيد)،  الذي عرضته «سورية دراما»، لم يتقبّلوا شكل العلاقة المتبادلة بين العناصر والضباط في فرع الأمن الجنائي، بل ربما وجدوها بعيدة عن الواقع وأقرب للتهريج، إلاّ أنني أزعم أن الكاتبيْن حاولا تقديم هذه الجهة الأمنية وعناصرها، بملامح أكثر إنسانية، فيها الجدّ والمزاح والغضب والقسوة، والمشاركة في الأحاسيس والهموم.تقول شخصية صالح (مصطفى المصطفى) بلهجة ديرية متقنة وجميلة للعميد حليم (رفيق علي أحمد): «من سوف يشاركنا همومنا ويقرضنا المال آخر الشهر!؟»، يقول كلامَه مغلَّفاً بأسى بعد أن قال له العميد إنه سيتقاعد. وكان العميد قد مازحه ذات مرة على الهاتف طالباً منه أن ينزل قدميه من على طاولة مكتبه، ما يعني معرفته بفعلته دائماً، يطلب منه ذلك من دون غضب. بمعنى أن الكاتبين حاولا تقديم اقتراحٍ لما يجب أن تكون عليه سلوكيات عناصر وضباط هذه السلطة، والفن ما هو إلاّ دعوة للسمّو.هذا الاقتراح يذّكرني بما قاله الناقد الأدبي حنّا عبود في حوار سابق لي معه من أن الشاعر لا يمدح سلطاناً جائراً، بل يمدحه بما ليس فيه، أي بما يتمنى أن يكون عليه. وما قدّمه المسلسل من خيوط درامية عبر شخصياته نزعم أن الكاتبين على وعيِ تامٍّ بما ذهبنا إليه.طرح جديد وخطأيحمل المسلسل في طياته طرحاً جديداً من دون تكلّف بل جاء بمقدمات، ونقصد دعوته لمسألة التبرع بالأعضاء، التي تم طرحها في برنامج للصحفية الإذاعية سماح (سلاف فواخرجي) إذ قال الطبيب الضيف: «إننا نحتاج دعماً من مجلس الشعب لإقرار السماح بمثل هذا العمل الإنساني»، وعلى إثره يُعجب المخرج جود (عبد المنعم عمايري) خطيب الصحفية بهذه الفكرة، وعندما تهيأت له سفرة للبنان وقّع على أوراق تسمح إن فارق الحياة بأن يهِبَ أعضاءه، وكان أن تعرض فيما بعد لطلق ناري في رأسه أودى بحياته، فأعطت المستشفى قلبه للضابط عاصي (يامن الحجلي) الذي يعاني ضعفاً في العضلة القلبية، وكان قد سجّل في المستشفى ينتظر متبرعاً.إلاّ أن الكاتبين فاتهما استشارة طبيب قلبية -كما فعلنا- لنتأكد من أن القلب بعد دقائق معدودة لا يمكن نقله لمريض آخر، وليس كما رأينا في المسلسل، إذ استطاع المريض عاصي السفر من دمشق لبيروت، كما أن كل ما تغيّر من سلوك المريض لا علاقة له بالقلب الجديد، إذ إن دماغ الإنسان هو المسؤول عن السلوك والمشاعر.فساد أخطبوطيمسائل كثيرة طرحها المسلسل من خلال موت القاضي الفاسد «خالد العبد الله»، جسّد الشخصية (عباس النوري)، والذي يكشف موته الخلّبي خلال بوحه لصديقه المحقق حليم في نهاية المسلسل فساداً في أكثر من مؤسسة (الكاتب بالعدل، الطب الشرعي، دائرة النفوس). إذ روى القاضي كيف زوّر وفاته بحادثة قتل خلّبية، وصدّر بطاقة شخصية باسم جديد، ونقل كل أملاكه لنفسه التي حملت اسماً جديداً. وكيف قتل كل الذين ساعدوه لأنهم الشهود على هذا التزوير.كما عرض المسلسل اشتغال هذا القاضي الفاسد بتهريب الآثار والزئبق الأحمر. وطبعاً لا بد لكل عمل فني أن يطرح نماذج إيجابية في الحياة بدليل أن من نظر في قضية يمام (صفاء سلطان) حكم عليها بالسجن مدة طويلة، وقد صَعُبَ على محاميها شراء ذمة أحد . كما أن المحقق حليم لا يشبه الضابط عاصي الذي يعمل بإدارته والذي يستغل نفوذه فيكسب المال من الأكشاك، والعنصر الذي تحت يده يساعده في هذا الاستغلال.محفّزاتقدّم المسلسل تحفيزاً لدفاع المرء عن علاقة حبّه من خلال شخصية ابن القاضي وشقيقة رجل الأعمال الفاسد، يضعها في مواجهة عجز المحقق حليم والضابط عاصي بعدم الدفاع عن علاقة حبهما، وعرض تأثير ذلك على العلاقة غير السوية بين المرأة وصال (نادين خوري) التي أحبها المحقق وصديقه ابن حارته مدرس التاريخ (نجاح سفكوني). وكذلك من خلال انتظار سماح عشيقها وخطيبها عشر سنوات قبل أن يعقدا قرانهما. وركّز المسلسل على أن الطمع بالمال هو أصل الشرور، تجسد ذلك في شخصيات بائع الأحذية وابنه وابن شقيقته الذي أراد استعادة حصة والدته من بيتها التي سرقها خاله مستغلاً فقدانها عقلها، فأقدم على قتله.وهذا ما نراه أيضاً في محاور رجال الأعمال الفاسدين وشقيقة أحدهم التي يسلط المسلسل الضوء على زيف مشاريعها الإنسانية بما فيها كيفية تأسيس حزب. كما انتقد المسلسل تعامل المجتمع مع المرأة التي تفقد زوجها والسعي لحرمانها من إرث زوجها. وهذا محور درامي هام تمكن معالجته بعمل مستقل، وطرح تبعات ذلك على المجتمع ككل.عثرات بالجملةويتقاطع «أحمر» مع مسلسل «دومينو» في تصفية هؤلاء الفاسدين إمّا بالموت وإما بالسجن، وهذا طرح ساذج، إذ كان من المفترض ترك شخصية ما، على قيد الحياة من خلال هروبها أو اختبائها، لأنه حسبما عُرِض في العملين، انتهينا من الفاسدين والانتهازيين ومن كل المافيات الاقتصادية التي خرّبت البلد، وهذا غير منطقي ولا واقعي.طبعاً المقارنة بين المسلسلين ككل هي لمصلحة «أحمر» لأن طروحاته أعمق وأكثر أهمية، وغنىً درامياً. لكن ذلك لا يعني عدم وقوعه في عثرات كثيرة، ففي محور القاضي خالد لا يبدو اشتغاله بالزئبق الأحمر واقعياً، لأنه يحتاج وقتاً طويلاً وكمية كبيرة من أجهزة الترانزستور لاستخراج الكمية التي تاجر بها. ثم كيف استجّر لمنزله تلك الكمية من دون أن يلفت نظر أحد؟ إلاّ إذا أراد كاتبا العمل من وراء ذلك الإشارة إلى متاجرة هذا الشخص بكل ما هو ممنوع وخطير، وأن الزئبق ليس المقصود مادياً بل دلالياً.كما فات الكاتبان أن معاناة المدرّسة وصال (نادين) خلال سجن زوجها (نجاح سفكوني) بالتدريس في البيت غير مقنع في ضوء امتلاكها بيتاً كالذي تسكنه الذي يساعد في إمكانية تأجير بعض غرفه والاستعانة بما يدرّه عليها من أجر. كما أن المسلسل أخطأ في رسم شخصية هذا المدرّس فهو مثقف ولكنه لم يستطع تقييم أهمية وخطورة الأوراق التي أودعها القاضي خالد بين يديه قبل ثوان من حادثة قتله المزيفة، وترك المسلسل هذه المهمة لشخصية الصحفية سماح التي تكتشف أهميتها بعد حلقات عدة، وهذا ساعد على «مطمطة» العمل!. ومن غير المقنع أيضاً، تقديم الصحفية بشكل خارق في مشهد بيت الدعارة لأجل كتابة تحقيق عنه، هو مشهد ضعيف جداً، إذ كيف استطاعت الصحفية أن توهم القائمين على البيت بدخولها وأن تصوّر من دون أن يعترض أي شخص من الموجودين على ما تفعله، ثم تأتي دورية الأمن بالاتفاق معها للقبض على الموجودين؟! وهذا يشبه ما فعله مخرج العمل بأخذه شخصية (زهير عبد الكريم) لمدينة حمص كي يكفّر عن ذنوبه على الرغم من أن في دمشق أماكن وأشخاصاً كثراً يستحقون المساعدة منه، وما ضاعف ضعف هذا الطرح أن المكان الذي اختاره المخرج لتصوير فعل الخير لهذه الشخصية ظهر في الكادر مدمراً بالكامل فما الذي ذهبت تفعله هذه الشخصية في منطقة الخالدية بحمص؟!، وعلى الرغم من ذلك يقدم لنا المخرج الشخصية تساعد في تنظيف بيوت من يودون العودة لمنازلهم هناك! واكتملت سذاجة هذا الطرح بتزويج هذه الشخصية من امرأة عادت لأحد تلك البيوت، وكانت قد فقدت زوجها في هذه الحرب.كما لم يقنعنا المسلسل فيما سبق من أحداث، تخص شخصية (زهير عبد الكريم) إذ كيف استطاع معرفة ما أصاب عائلة الضابط عاصي بعد الحادث الذي تسبب هو به دون قصد، وكيف استطاع أن يتعرف على (طاهر) شقيق (عاصي) الذي أصيب بإعاقة بسبب الحادث، وذلك بعد سنوات طويلة؟ ويزوره في المنتجع الطبي، هذا المكان الذي يتيح لأي شخص كان دخوله وزيارة المقيم فيه لمن يشاء من دون إثبات صلة قرابة، فهذا غير مقنع، بل مفتعل لتسهيل عملية قتل هذا المريض من خلال شخص أرسلته يمام، وللمصادفة هو الشخص نفسه الذي أرسله شقيقها رام (محمد الأحمد) إلى المستشفى لقتل طفل القاضي خالد الذي ظل يحلم به طوال حياته، فكيف يكون الشخص ذاته ويمام لا تعرف شيئاً عن عمل شقيقها ولا من يساعده بما أنهما على شقاق؟! فتقنية الاسترجاع التي بُني عليها هذا المسلسل لا يمكنها التعتيم على بعض الأخطاء، وهي تقنية متعبة للكثير من المشاهدين، فهي كما أشرنا في مقال سابق تناسب عشاق الأفلام السينمائية أكثر من مشاهدي المسلسلات التلفزيونية، ومتعبة على الرغم من محاولة المخرج التخفيف منها بتكرار بعض المشاهد في بداية كل حلقة لتحريض ذاكرة المشاهدين. لكن وعلى الرغم من كل ما سبق من ملاحظات لا يمكننا أن ننفي أن العمل ممتع بجهد كل الممثلين الذي جسدوا شخصياته فقدموا مساهماتهم بطريقة تجعلنا لا نتصور غيرهم من الممثلين في هذا العمل.تشرين
التاريخ - 2016-07-23 7:21 AM المشاهدات 1503

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا