التوتر السابق لأي نجاح أو فشل.. لون هذه الأيام الذي يشعرك بواجب مراجعة شعور الفرح الذي قد يغمرك فجأة، ثم يجعلك تقرر السعادة بحساب.. التشاؤم من "التعتير" السوري الكروي التاريخي.. الألقاب السورية القليلة في هذا المجال.. بصيص الأمل بفوز ما يخرج بالسوريين ولو لساعة من دائرة تسييس كل شيء، ويرمم عند بعضهم شعوراً بالانتماء أحدثت الحرب فيه جرحاً لا يهدأ وذاكرة غاضبة.. وسط هذا الجو المشحون بالتركيز، وشعارات البث الحصري الوطني التي ترفعها قناة سما، يتراجع الشعار لمصلحة غزاة الشاشة المعلنين الأفاضل، وتنهمر على "المباراة الحلم"، كما سمتها القناة، عشرات الإعلانات "المتعوب عليها" غرافيكياً.يستعرض أصحاب السلع تماهيهم مع الحدث، فيظهر ربُّ البندورة مشجعاً لـ"نظيره" الأحمر السوري، وعبوة سائل الجلي مزنرة بالعلم السوري والكرة إلى جانبها، وكيس الحليب معرباً عن تمنياته البيضاء بفوز المنتخب، وبين إعلان الرز وإعلان الزيت والسمنة، تتزحلق، وتخرج من مود الترقب إلى مود الاستهلاك، تتذكر أصلك كمواطن مستهلك درجة أولى، وتتنبه لأنك جائع وأنه لا رائحة طهي بعد، ومع انحسار الأمل بهدف جديد تبدأ بالتململ من زوجتك أو والدتك الستينية الجالسة بكل ثقة لمتابعة المباراة معك، تنقح عليك ذكوريتك أو عقوقك فتخاطبها بنزق "وين الأكل؟".. تكادان تنزلقان لمشادة كلامية، فيقوم إعلان السيفة ، التي لاتصدأ، بإعادتك إلى رشدك والحفاظ على الصفاء الأسري.. تنتابك الرغبة بشرب الشاي المعلن عنه ذي "اللون العقيقي"، تطلب من أختك إعداد شاي بهذه المواصفات فتجيبك بأنها متعبة، وقبل أن تثور بوجهها يستوقفك إعلان "الفوطة المريحة"، توشك على استعادة التوازن النفسي، فيطالعك مغنٍ لبناني كئيب الملامح بعنوان أغنيته "ما في أمل"، مسدداً لاسترخائك الضربة القاضية.تشكيلة من السلع، ومن دورات الإعلام والإخراج التلفزيوني"!" تنقلك من شعارات النسور والبطولة والرجولة لتقحمك في عالم الاقتصاد السوري البائس، وتنشط ذاكرتك التي عاصرت حمى الإعلان السوري بموضوعيه الأشهر "العلكة والمحارم". إنها تلاحقك بالميكرفون: أيها المواطن.. مكانك هنا.. لا تغادر هذا المربع إلى نشوة كروية ما تنسيك صراعك اليومي مع حاجاتك إلينا وانتظارك اليائس لعروضنا المخفضة.يعيدك الأسلوب المبتذل في الإعلان إلى ما لجأت إليه المسلسلات ضعيفة التمويل، من خلال أسلوب "الأشكرة"، فتتذكر مثلاً كيس مسحوق غسيل منتفخ الأوداج يفترش المجلى، وإلى جانبه ممثلة حسناء تبكي حبها الضائع وهي تصنع القهوة لزوجها الذي أجبروها على الاقتران به.إنه الإصرار المحموم على إثبات روح "المنفعجية"، وإرادة التوجه بخطا ثابتة نحو الانحدار بوسائل تفتقر إلى الذكاء شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، وتشوش على مناسبة كالمباراة الحلم، التي جمعت أكبر عدد من السوريين المتناحرين، قبل أن يعود كل منهم في نهاية المباراة إلى متراسه الكروي الأوروبي، متراصاً مع المشجعين الآخرين كحبات "الرز.. الكتير كتير معروف".رزان عمران
التاريخ - 2017-10-17 11:25 PM المشاهدات 952
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا