شبكة سورية الحدث


عقود العمل في مؤسسات الدولة.. مسمّيـات لغير مسمّى.. والتفاف على القانون

عقود العمل في مؤسسات الدولة.. مسمّيـات لغير مسمّى.. والتفاف على القانون
سورية الحدث تحمل عقود التوظيف في مؤسسات الدولة الكثير من المسميات، إلا أنها في الواقع مسميات وهمية خُلقت للالتفاف على القانون والتوظيف بصورة غير شرعية، ما يسيء للقانون ولتلك المؤسسات وطبعا للعمال المتعاقدين وفقها.التوظيف الرسمي بصورة دائمة، يكون وفق قانون العمل والعاملين، عبر المسابقات الرسمية أو التعيين المباشر، حسب الحاجة وحسب الدور في مكتب التشغيل، وهنا تبدأ القصة، وتبدأ محاولات التوظيف بطرق غير سليمة وما لها من تبعات تسيء لجميع الأطراف.عقود « سنوية، مؤقتة، موسمية، عرضية، بونات، فاتورة، خبرة، مياومة وغيرها…»، كل نوع من هذه العقود اسمه يشرح طبيعته بالشكل المنطقي، والقانون سمح بتوظيف العمال حسب هذه العقود المختلفة، إلا أنه كان مشروطاً بظروف وحاجات محددة، مثلاً: عقود المياومة تكون عند حاجة مؤسسة ما، لمجموعة من العمال لوقت قصير نظرا لضغط عمل معين، وعقود الخبرة تأتي للاستفادة من خبرة أحد ما، لديه خبرة غير متوفرة في هذه المؤسسة أو تلك.الواقع جاء مختلفاً تماماً، حيث يتم تعيين العمال وفق هذه العقود لأنه من الصعب تعيينهم بمسابقة، أو أن أدوارهم بعيدة في مكتب التشغيل، إما لأن لديهم «واسطة» أو لأن المؤسسة بحاجتهم فعلا، ولا تستطيع تعيينهم، وفي كلتا الحالتين نجد هؤلاء العمال في وظائف مختلفة وبصورة دائمة بشكل عملي، حيث تُجدَّد تلك العقود إلى ما لانهاية في أغلب الحالات، وهنا تبدأ مطالب العمال الذين عُينوا أصلا بصورة غير شرعية، بالمساواة مع باقي العاملين المثبّتين في المؤسسة.بعد أن أُحدثت مكاتب التشغيل «الدور»، وبات التوظيف يحتاج انتظاراً طويلاً، وبعد أن بدأت محاولات البعض بالتوظيف من خلال «الواسطات» أو غيرها، كان أحد المداخل الملتفة على القانون هي التعيين عبر عقود مؤقتة، وذلك للتهرب من أصول وإجراءات التعيين وأيضا للتخلص من الاضطرار للانتظار ضمن دَور مكتب العمل.خبرة ناقصةومن هذه العقود عقد «الخبرة» ومن المفترض بالتعيين وفق هذا العقد أن يكون المتعاقد معه يملك الخبرة فعلا، وأن يُعلّم هذه الخبرة لعامل واحد على الأقل في المؤسسة التي تعاقد معها، إلّا أن هذا غالباً لا يحدث، فالبعض تعاقدوا مع المؤسسات بعقود خبرة ليعملوا كـ «مستخدمين» في تلك المؤسسات، فعن أي خبرة يتحدثون؟!والبعض الآخر تعاقدوا بعقود خبرة وهم لايزالون في مقتبل العمر وليس لديهم أي خبرة في المجال الذي جاؤوا يعملون به، بل إنهم ومنذ توظيفهم يتعلّمون من الموظفين الآخرين ألف باء العمل، ولم يكن على هؤلاء العمال أن يطالبوا في بداية الأمر بتعويضات أو زيادات مثل التي يحصل عليها الموظف المثبّت، لأنهم يعلمون أن عقد توظيفهم جاء من باب غير شرعي، ومن حاجتهم الملحّة للعمل تحت أية ظروف، ما خفّف المطالب والشكاوى، إلى جانب أنهم يعلمون أن أي تصرف من هذا القبيل قد يجعلهم عرضة للفصل وهو عملية سهلة نظرا لعقودهم الهشّة.وعن عقد « الخبرة» يوضح أمين الشؤون القانونية في الاتحاد العام لنقابات العمال بشير حلبوني للأيام «يمنح العمال وفق هذه العقود بالقانون أجور مناسبة، أي أنه لا يجوز منحهم أكثر من أمثالهم القائمين على رأس عملهم».مضيفا: تتوجه عقود الخبرة للأشخاص «ذوي الخبرة» أي يتم التعاقد معهم للاستفادة من خبرتهم، وبالتالي يجب أن يكونوا من ذوي المعرفة والخبرة المميزة. ويشير حلبوني إلى أن القانون لا يمنح المتعاقدين بموجب هذه العقود أي تعويضات أو زيادات، كونهم من المنطقي أنهم يعملون لدى مكان آخر أو أنهم متقاعدون ويحصلون على راتب تقاعدي.والعقود المؤقتة من هذا النوع وغيرها مما يسمّى مؤقتا حسب المادة 148 من قانون العاملين في الدولة، لا يمكن أن تتحول ولا بأي شكل إلى عقد دائم مهما مُدِّد أو جُدِّد.ويؤكد معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل راكان الإبراهيم لـ «لأيام»: إن التعاقد وفق عقد خبرة يكون وفق القانون حصرا، مع خبراء «اختصاصيين أو فنيين»، وذلك وفق النظام الداخلي النموذجي، وقرار مجلس الوزراء رقم 903 ومن المفترض أن يكون هؤلاء وفق القانون أيضاً حاصلين على شهادات خبرة أو أي شيء يثبت خبراتهم، موضحاً فيما يخص الخبراء، يتم التعاقد معهم وفق أحكام المادة 147 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، وأحكام الصك النموذجي الصادر عن رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم 903 لعام 2005، ويخضع هؤلاء للأحكام الواردة في عقودهم حصرا.وجاء في المادة /147/ التي اعتمد عليها معاون الوزير، أنه وفقها يجوز للجهة العامة وضمن حدود الاعتمادات المرصودة لهذا الغرض في الموازنة، التعاقد مع الخبراء والاختصاصيين والمهنيين. بحيث يحدّد النظام الداخلي للجهة العامة الحالات التي يتم بها التعاقد، وأسُس وقواعد تحديد أجور المتعاقدين، وأسس وقواعد تحديد الحقوق الأخرى لهؤلاء المتعاقدين، على ألا تزيد هذه الحقوق عن الحقوق التي يجوز منحها لأمثالهم من العاملين الدائمين.ويخضع المتعاقدون في علاقتهم مع الجهات العامة التي تعاقدوا معها سواء من حيث الواجبات أو الحقوق، إلى الأحكام الواردة في عقود استخدامهم دون غيرها من أحكام هذا القانون، أو أي قانون أو نظام آخر.من جهته قال مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود دمراني: حتى تتعاقد الجهة الرسمية مع موظف بعقد خبرة، يجب أن تتوافر لدى هذا العامل مؤهلات وخبرات لا تتواجد عند باقي الموظفين، وهنا يجب أن يكون أجره أعلى لا أقل، نظرا لخدمته.مشيراً أنه من الممكن أن يكون الأجر الذي يتقاضاه ليس عبارة عن راتب شهري إنما مبالغ لقاء الخدمة والخبرة التي يقدمها في موضوع محدّد، وهنا لا يمكن أن نقول أنه من المفترض أن يحصل على تعويضات وزيادات الموظف المثبت لأنه غير ملزم لا بدوام ولا بوظيفة ثابتة، وذلك حسب المادة 5 من قانون العمل رقم 17 فلا تسري أحكامه على العمل الجزئي، أما إذا كان الموضوع بغير وجه، أي إذا كان المتعاقد يتبع الدوام بصورة دائمة ومنتظمة، فهو يجب أن يحصل على ما يحصل عليه الموظف المعين من حيث الأجر الشهري، والاستفادة من الإجازات، والترفيعات، والزيادات السنوية، والاشتراك بالتأمينات الاجتماعية والصحية، وكافة التعويضات.13 ألف عامل مؤقتحسب إحصائيات وزارة العمل، هناك حوالي 13 ألف عامل مؤقت بمختلف أنواع العقود، «اليومية والموسمية والعرضية والخبرة وغيرها»، ينتظرون أن يُنظر في وضع عقودهم.والمادة/146/ من قانون العاملين في الدولة هي المادة الوحيد التي تنظّم عملهم، إلا أنها فعليا غير شاملة ولا كافية، وجاء فيها: /أ /يجوز للجهة العامة وضمن حدود الاعتمادات المرصدة في الموازنة لهذا الغرض استخدام عمال مؤقتين /على أعمال مؤقتة بطبيعتها/ أو موسميين أو عرضيين.ويحدد النظام الداخلي للجهة العامة الحالات والأعمال، التي يجوز فيها استخدام هؤلاء العمال كما يحدد بوجه خاص، والأسس والقواعد التي يجري بموجبها استخدام هؤلاء العمال.وجاء في نهاية المادة «يستفيد العمال المؤقتون من التعويض العائلي وفق الأحكام النافذة، بهذا الشأن، على العاملين الدائمين. ويخضع العمال المؤقتون والموسميون والعرضيون في كل مالم يرد عليه نص، في صكوك استخدامهم المنبثقة عن الصك النموذجي لأحكام هذا القانون وقانون التأمينات الاجتماعية في سائر المنازعات التي تنشأ بينهم وبين الدولة».وهنا يأتي التلاعب بالمسميات، فأي عقد لم يَرِد ذكره في هذه المادة – وهم كثر – لا يحصل على أي تعويض، بحجة أنه لا مادة صريحة في قانون العمل تُلزم المؤسسات بدفع مبالغ إضافية على الراتب.وهذا ما أكّده معاون الوزير أيضا حيث قال: عقود المياومة ليست من المؤسسات الحقوقية الواردة في القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50، سنة 2004، وتتم عادة عقود المياومة وفق قانون العقود لعام 2004، حيث تتقاضى هذه الشريحة من العمال أجورها يوميا، ولا يستفيد هؤلاء من زيادات الأجور، ولا من الترفيعات، وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها العاملون الخاضعون لأحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة.«الأيام» التقت مع العديد ممن توظفوا وفق عقود الخبرة أو فاتورة أو غيرها… الجميع لم يصرّحوا عن أسمائهم خوفا من عدم تجديد العقد، وهو ما يتم تهديدهم به دائما، أحد هؤلاء يعمل في مؤسسة إعلامية بنظام فاتورة ويتقاضى مبلغا لا يتجاوز 16 ألف ليرة سورية، قابل للنقصان لا الزيادة، حسب حجم العمل المنفَّذ، علما أنه ملتزم بساعات الدوام التي حددتها تلك المؤسسة، وهو لايزال على هذا الحال منذ ثلاث سنوات. وموظف آخر يعمل بعقد خبرة منذ أربع سنوات، وهو غير حاصل إلا على شهادة الثانوية وراتبه 19 ألف ليرة سورية فقط، وطبعا جميع العاملين وفق هذه العقود، لا يحصلون على تعويض الغلاء المعيشي أو أي تعويض آخر يحصل عليه الموظف المثبّت أو حتى المتعاقد بعقد سنوي.الحل المنتظرالعمال وفقا لعقودهم المختلفة اليوم وبعد سنوات طويلة من تجديد تلك العقود، بغض النظر عن شرعية هذا الموضوع، يجدون أن على الحكومة النظر في وضعهم وتسويته، خاصة وأنهم أصبحوا من الموظفين الذين تعتمد عليهم مؤسساتهم نظرا لطول فترة عملهم بها، ومن جانب آخر بات لابد من تسوية وضعهم المعيشي أيضا، خاصة في الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.اتحاد نقابات العمال طالب بذلك مرارا، حيث أكّد أمين الشؤون القانونية فيه، أن الاتحاد يسعى لتحويل عقود الاستخدام المؤقتة بمختلف أشكالها «المؤقتة الموسمية والمياومة والوكالة والعرضية والبونات والفاتورة وغيرها…» إلى عقود سنوية، ليحصل العمال على حقوقهم كاملة بما فيها التعويضات والزيادات والتقاعد.موضحاً أنه تم تشكيل لجنة في رئاسة مجلس الوزارة لهذا الغرض، وأوصت الجهات المعنية بتحويل عقود العمال المؤقتين، إلى عقود سنوية كخطوة أولى من أجل تثبيتهم لاحقا، خاصة في حال كان هؤلاء العمال يعملون بصورة مستمرة لدى الجهة التي تعاقدوا معها.ويضيف الحلبوني أن مطالب الاتحاد هذه جاءت بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد اليوم، والأجور المتدنية التي يحصل عليها العامل والتي لا تتحمل المزيد من النقصان، وأيضا هدف الاتحاد العام لنقابات العمال الأول كان تحقيق الاستقرار الوظيفيّ للعامل أولا وللمؤسسات تالياً.بدوره أكد معاون الوزير أن هناك أفكار ودراسة لتسوية أوضاع العمال المياومين، والعرضيين، والموسميين، وعمال الفاتورة، والبونات، بتحويل عقودهم إلى عقود سنوية، ومازال الموضوع قيد الدراسة لدى الجهات الوصائية، مشيراً إلى أن الوزارة رفعت مقترحها إلى رئاسة مجلس الوزراء لتحويل عقود جميع العمال المؤقتين الذين بلغ عددهم 13 ألف عامل، إلى عقود سنوية وهي حاليا تنتظر الرد.سياسات خاطئةبانتظار تثبيت هؤلاء العمال لابد من التأكيد أن الخطأ الأول بدأ من توظيفهم بصيغة خاطئة، وقبولهم بذلك عرّضهم لفقدان الاستقرار الوظيفي أولا، وحرمانهم من بعض التعويضات ثانيا، لكن، ومن جهة نظر أخرى لا يمكن إلقاء اللوم على العمال، كونهم ومع قلة فرص العمل سيقبلون بأي عرض مقدّم لهم، مهما كان مجحفا أو ظالما. والمسؤولية الكبرى تبقى على سياسات التوظيف حيث من المفترض أن يتم تعيينهم بصورة دائمة منذ البداية، خاصة وأن وجودهم ضروري في المؤسسات التي يعملون بها، ولولا ذلك لما جُدّدت عقودهم كل تلك السنوات.الايام 
التاريخ - 2018-03-10 11:32 PM المشاهدات 6073

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا