كلمة السيد وزير التربية الدكتور هزوان الوزفي المؤتمر الإقليمي للدول العربية حول التربية ما بعد 2015م /شرم الشيخ من دمشقَ ، من أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، أحملُ إليكم بعضَ ياسمين الشام،
بعضَ جراحها، بعضَ آلامها، وبعضَ آمالها، وأنثره أمامكم ليفتّقَ إيماناً
بسورية التي أحببتم، بسورية التي تحبون، سورية التاريخ، والحضارة، والهوية،
والذاكرة. سورية التي كانت قبل أربع سنوات من بدء نزيفها، والتي ستكونُ كما
تشاء هي نفسُها، كما يشاء أبناؤها، كما يشاءُ الغدُ الذي تتطلعُ إليه على
الرغم من وطأة تلك السنوات الأربع التي مضت، على الرغم من العذابات التي
كابدت، وما تزال.
وبعدُ..
واجهتْ سوريةُ خلال السنوات الأربع الماضية تحديات كبيرة انعكست على مختلف
قطاعات الدولة، وكان لها تأثير بالغ في القطاع التربوي، حيث عملت الجماعات
الإرهابية المسلحة على محاولة إيقاف عجلة التعليم من خلال قصف المدارس وإيذاء
المتعلمين والمعلمين، وتصاعدت الاعتداءات في فترة امتحانات الشهادات، لتعويق
العملية التربوية، بل إيقافها، إلا أن وزارة التربية واجهت تلك التحديات وقدمت
الشهداء، وغدت وزارة للدفاع والبناء التربوي، وحرصت على استمرار التعليم
والامتحانات حرصاً على مستقبل الوطن، وتأكيداً لأهمية سيرورة الحياة.
وعلى الرغم من ذلك تابعت سورية تنفيذ خططها التربوية ومواجهة الأزمة من خلال
إيلاء قطاع التربية كل الاهتمام والعناية في ضوء تحديات العصر ومتطلباته
والتطلعات نحو المستقبل، ونهضت بمسؤولياتها لتحقيق أهداف السياسات الوطنية
المرسومة، فعملت على بناء الطالب وتعزيز انتمائه لأمته العربية وعلى تطوير
البيئة المدرسية، لتوفير المناخ التربوي المتمركز على المتعلم، ومشاركته في
عملية التعلّم والارتقاء بنوعية التعليم العام والمهني وجودته، ملتقية بذلك مع
الأهداف الستة الموضوعة للتعليم للجميع قبل عام 2015م ، وسورية رغم كل
الصعوبات التي أفرزتها الأزمة الراهنة حرصت على تلقيّ أبناء سورية جميعاً
تعليماً أساسياً من خلال تسعة صفوف بشكل مجاني وإلزامي ومستوى جيد كي نضمن
التعليم لكلّ الصغار، وكذلك لكل الراشدين من خلال محو أمية الكبار، حيث شارف
العديد من محافظات سورية على الاحتفال بمحو أمية أبنائه.
وركزت السياسات التربوية السورية وإجراءاتها التنفيذية على إزالة أوجه التفاوت
بين الجنسين، وكانت تضع نوعية التعليم وجودته في المرتبة الأولى.
وأصدرت سورية معاييرها الوطنية لبناء المناهج التي طبقت على التعليم ما قبل
الجامعي منذ خمس سنوات مواكبة التطورات العلمية والتربوية ، وتمّ تعميق تأهيل
المعلمين والمدرّسين القائمين على رأس عملهم من خلال إيفادهم إلى كليات
التربية على نفقة وزارة التربية، وتتالت الدورات التدريبية للوصول إلى أداء
متقن في التعامل مع المناهج الجديدة وتعرّف فلسفة بنائها ومضامينها العلمية
والوظيفية، وواكب ذلك تطويراً للبيئات المدرسية، إلا أنّ هذه الجهود لا تزال
تواجه بجملة من التحديات التي بعضها لا يقتصر على سورية وحدها بل يتعداها إلى
معظم دول العالم.
وتتمثل هذه التحديات فيما يأتي:
*1- *الربط بإحكام ما بين التعليم والتنمية.
*2- *ضرورة مواكبة التغيرات السريعة والعميقة والمتلاحقة على مختلف الصعد
الوطنية والعالمية والتقدم العلمي المتسارع واتساع مجالات التقانة الحديثة.
*3- *قدرة المنهج التربوي على استيعاب الحداثة العلمية على الرغم من كل
الجهود المبذولة محلياً.
*4- *ضرورة رفع نسب التحاق الأطفال بالتعليم ما قبل الأساسي.
*5- *مواكبة الأطر التعليمية والإدارية والتوجيهية للمناهج المطورة باستمرار
قبل الخدمة وفي أثنائها.
*6- *ضرورة تطوير نظام تقويم المتعلمين ولا سيما في الشهادات.
*7- *ضرورة تطوير البيئة المدرسية.
*8- *ضرورة الارتقاء بالمستوى التعليمي لتحقيق الجودة في التعليم والوصول
إلى مخرجات بشرية قادرة على صنع مستقبل الوطن.
*9- *الأضرار المفجعة التي ألحقتها العصابات المسلحة مادياً وبشرياً في قطاع
التربية.
*أما السياسات والبرامج والآليات التي واجهت بها سورية هذه التحديات فتمثلت
بما يأتي:*
*1- *الاستمرار في التعليم على الرغم من كل الخسائر التي تعرض لها القطاع
التربوي بخروج ما يقارب الخمسة آلاف مدرسة من الخدمة، ومع كل هذه الأضرار في
البنية التحتية لا تزال(17486) مدرسة تقوم بخدماتها التعليمية يستفيد
منها(4,246,138) متعلماً ومتعلمة منهم(48%) من الإناث. مع التنويه أنه استشهد
(850) شهيداً وشهيدة من الأطر التربوية والمتعلمين بالإضافة إلى الأذية
النفسية لأبنائنا.
*2- *تأهيل المدارس المتضررة: إذ عملت وزارة التربية على صيانة وتأهيل
(5560) مدرسة على مدى سنوات الأزمة الأربع، وللأسف كانت مساعدة المنظمات
الدولية في هذا المجال خجولة.
*3- *وفي مجال تعويض الطلاب عمّا فاتهم خلال الأزمة: تمّ افتتاح (430)
نادياً مدرسياً بالتعاون بين وزارة التربية وبعض المنظمات الدولية.
*4- *أما في مجال حماية الأطفال: فقد تمّت إقامة ورش نوعية حول التوعية من
مخاطر مخلفات المتفجرات، وأخرى للدعم النفسي والاجتماعي والإسعاف الأولي
والتعلم العلاجي.
*5- *وفي مجال دعم عودة المتعلمين المتسربين إلى المدارس أقيمت دورات مكثفة
صيفية بالتعاون مع اليونيسيف، وعملت الوزارة على إعداد وتأليف المنهاج المكثف
للفئة(ب) بحيث يستطيع المتعلم إنجاز صفين في عام واحد في مرحلة التعليم
الأساسي.
*6- *تأمين طباعة الكتب المدرسية وتوزيعها: حيث تواجه وزارة التربية صعوبات
جمّة في طباعة وتخزين وإيصال الكتب المدرسية إلى المدارس لأنّ العصابات
الإرهابية المسلحة دمرت مطبعة الوزارة واعتدت على وسائط النقل التي تحمل الكتب
بقطع الطرق، وقتل السائقين والعاملين أو اختطافهم، وكذلك إحراق المستودعات.
*7- *الاستمرار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتطوير العملية التربوية في
سورية بعد أن تمت إعادة النظر في مفردات المناهج لمختلف المواد الدراسية
ومختلف المراحل مع استمرار الإنفاق الحكومي على مستلزمات تنفيذها، ويمكن تكثيف
الرؤية العامة للإستراتيجية في العمل على تحسين جودة النظام التربوي بمدخلاته
وعملياته للوصول إلى مخرجات تواكب معطيات العصر ومتطلباته والتنمية الوطنية
المستدامة، بما يحقق مستقبل أفضل للجمهورية العربية السورية، واضعين نصب
أعيننا الغاية والأسس والمنطلقات والأهداف والسياسات والبرامج المحققة لهذه
الإستراتيجية.
*أما بخصوص جدول أعمال التعليم إلى ما بعد العام(2015م) ذي الأهمية العالمية*
والذي يركز على نتائج التعلم والتعليم مدى الحياة، ويعمل على ضمان جودة التعلم
بحلول عام(2030م) هذا الهدف الشامل المترجم إلى سبعة أهداف، فالهدف الرئيسي هو
ضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع.
إنّ حكومة الجمهورية العربية السورية تعدّه أساساً وطنياً واستثماراً في
الرأسمال البشري الذي هو أعلى الاستثمارات وأغلاها، وقد أنجزنا لهذا المؤتمر
دراسة نضعها بين أيدي المشاركين فيه، تتصل ببيان واقع التربية في سورية
والتحديات والأولويات، وهي وثيقة الصلة بعناوين الأهداف المطروحة للتعليم ما
بعد العام (2015م) على الرغم من كلّ الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها سورية،
حيث ركزت الدراسة على نقاط عشر هي:
(رعاية الطفولة المبكرة، والتعليم الأساسي والثانوي، والتعليم الجامعي، ومحو
أمية الشباب والبالغين، والمهارات والقيم للعمل والحياة، والمعلمون، والإنصاف
والمساواة بين الجنسين، والجودة في المخرجات التعليمية، والمعايير الوطنية
للتعليم والخطط والتمويل، والرصد والتقويم) بالإضافة إلى إجراءات الاستجابة
الوطنية لما ابتلي به هذا الوطن وإصراره العنيد على بقاء قطاع التربية حياً
حيوياً لأنّ التربية للحياة، لا بل هي الحياة بالذات.
وبعدُ، فلعلّ أبهى ما أختمُ به ما حاولتُ أن أوجزَ من القول ما كان النبيّ
الكريم صلى الله عليه وسلم قال: "الشامُ كنزُ اللهِ مِن أرضه، بها كنزُ الله
مِن عباده"، وما كانَ الشاعر العربيّ الكبيرُ، الجواهريّ، قالَ:
*دِمَشْقُ* *صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ* *سَبائِكُ الذّهَبِ
الغالي فما احْتَرَقا*
*والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته*
*وزير التربية*
*في الجمهورية العربية السورية*
*الدكتور هزوان الوز*
التاريخ - 2015-01-29 11:47 PM المشاهدات 878
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا