أضحت الكثير من الممارسات التي يراها البعض شكلاً من أشكال الفساد، بمثابة حاجة مشروعة لازمة اجتماعياً واقتصادياً، وواجبة التلبية للعديد من أطرافها، وغدت عرفاً اجتماعياً سائداً ومتداولاً علناً، يكاد من الجائز تصنيفه بأنه فساد مشروع اجتماعياً، رغم عدم تشريعه قانونياً، وعدم الرضا عنه ضمنياً، إذ ما هو إلا نتيجة لتشريعات وإجراءات وممارسات سابقة، ما جعل من الخطأ مكافحته من وجهة نظر الكثيرين، لا بل أن السلطات الرقابية تغض النظر عن الكثير منه.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
والحال نفسها بالنسبة لأصحاب المنشآت الزراعية والصناعية وأصحاب السيارات العامة والخاصة، الذين يحصلون على الوقود المدعوم، بما يفيض عن استخدامهم الفعلي له، ومثلهم أولئك المواطنين الذين يحصلون على السلل الغذائية والمعونات العينية من مفروشات وغير ذلك، وعلى كميات مقننة من المواد العلفية والسماد والبذور والاسمنت، بما يفيض عن حاجتهم الضرورية الفعلية، ما يدفعهم لبيع الفائض لتجار يسوقون هذه المواد، عدا عن أن الفارق السعري الكبير المغري بين سعر شرائها وسعر بيعها، قد يدفع بعض العاملين في توزيع المواد المدعومة والمقننة للتلاعب في فواتير الكميات الموزعة، ما يمكنهم من بيع كميات للتجار، كل ذلك يترتب عليه أن تكون بعض المواد المقننة متوفرة في السوق سراً أو علناً بأسعار مختلفة حسب الزمان والمكان، وأمام أعين الرقيب، في وقت قد تكون غير متوفرة كاستحقاق تمويني، ما يجعل بعض المواطنين يستغربون وجودها في السوق بأسعار عالية ودوما، ومحدودية وجودها تموينياً في أوقات محددة، وما تم من مخالفات تموينية لم يكبح جماح الظاهرة، فما من رادع قانوني يمنع بيعها لمن لديه إضافة من المستهلكين، ولا من رادع أخلاقي يمنع بيعها لدى المنتجين، ومن غير الجائز منع محتاجيها من شرائها بأي سعر يقبلونه.
صحيح أن بعض المواطنين المستهلكين استفادوا بشكل غير مباشر مما باعوه من مخصصاتهم، ويرى البعض (بما في ذلك بعض المسؤولين) أن هذا من حقهم، ولكن المنتجين / صناعيين أو زراعيين / الذين استفادوا من بيع جزء من مخصصاتهم، تسببوا بضرر كبير أصاب العملية الإنتاجية السلعية، وكذلك تضرر الذين لم تكفهم مخصصاتهم أو اضطروا لشرائها بسعر أعلى، والمستفيد الأكبر هم التجار الذين تداولوا هذه المخصصات، إذ حققوا أرباحاً عالية خسرتها الميزانية العامة، من حصة الدعم المخصص منها.
هذا الدعم الذي كان من الأصوب والأجدى أن يخصص بطريقة أكثر فاعلية وهي الدعم النقدي لا العيني، خاصة وأن ذلك سهل جداً أكان الدعم بنسبة واحدة لجميع المواطنين، أو بنسب مختلفة حسب تصنيف شرائحهم / محتاج لتدني دخله – متوسط الحاجة لتوسط دخله – غير محتاج لارتفاع دخله / وحسب تصنيف معتمد للمنشآت حسب أنواعها وحجمها، خاصة وأن مبلغ الدعم النقدي ممكن التوزيع شهريا وفق الاستحقاق على البطاقة الذكية من معتمدين مقيمين في كل بلدية، مع جواز تعديل استحقاق كل أسرة أو منشأة، في ضوء مستجدات معينة يقتضيها التصنيف المعتمد.
لقد أثبتت الوقائع أن الدعم العيني يؤسس للسوق السوداء، ويسبب هدراً كبيراً في الميزانية العامة، فلماذا تتهرب السلطات الرسمية من الإعداد لاتخاذ إجراءات تنفيذ الدعم النقدي، فلتحضِّر لتنفيذ هذا الدعم كي يتاح للمستهلكين والمنتجين التكيف بالدعم النقدي وشراء حاجتهم من السلع دون انتظار، ولتصب جهدها لمكافحة التهريب والغش والاحتكار وغلاء الأسعار.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا