شبكة سورية الحدث


وتعلو شموخ الذاكرة بجمال الوطن...وفعل الميامين

وتعلو شموخ الذاكرة بجمال الوطن...وفعل الميامين


سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد العماطوري


تنتعش الذاكرة الوطنية حينما يقف المرء على أحداث ووقائع ذات مصداقية واقعية لا تحمل المتخيل ولا الصور الخيالية بل الفعل الإنساني، قام به أناس شكلوا في جبهة التاريخ المعاصر علامة فارقة بالبطولة والنضال، عكس هذا الفعل الوطني على بناء الشخصية الوطنية التي من شأنها حمل مآثر متنوعة من مقومات الواقع البيئي المجتمعي، ولعل إظهار ما في الصدور من مكنونات تعبيرية ووصفية ومعلومات واقعية جعلت المحتوى أكثر غنى ومصداقية من النقل في عالم الثقافة بين الناسخ والمنسوخ، وبالتالي جاء كتاب "ذاكرة الثورة السورية " للمهندس والباحث التاريخي سميح متعب الجباعي، تجسيداً لمعاني عديدة أولها تلك اظهار مكامن الخفاء في الفعل النضالي القائم على الإيمان بالوطن، والثاني الإرادة الراسخة بتحقيق النصر دون مقابل بمناصب أو مكاسب، بحيث عبر الأدب عن تلك الحقبة الزمنية بطريقة انسجامية مع الصور التعبيرية الواقعية وهذا ما أوضحه الأديب الشاعر فرحان الخطيب في بعض ما جاء بمقدمته لكتاب "ذاكرة الثورة السورية الكبرى المجاهد متعب الجباعي ما بين عامي 1920 و1939 والتي جاء بها:
"سميح الجباعي يأخذنا عبر سِفْرِه ِهذا الى رحلة شيّقة نقرأ في مساراتها، وانعطافاتها ما يسرُّ الفؤاد، ويثلج الصدر، مما فعل الاهل الاماجد لأجل تراب الوطن، الذي نحيا الآن بما تركوا لنا من فسيح الكرامة، وشاهق الاعتزاز بالنفس، فسجّل ما رواه ُوالده المجاهد متعب الجباعي، لمدة ساعات وساعات، وبحث واجتهد وتقصى بعين فاحصة، وعقل تنويري منفتح على كل الاحداث التي عصفت بالوطن السوري منذ ان دخلت القوات الفرنسية الغازية الى الساحل السوري ١٩١٨ مرورا بدخولها دمشق في تموز ١٩٢٠ واستشهاد البطل يوسف العظمة وزير الحربيّةِ آنذاك، وتفصيلا لأحداث الثورة السورية الكبرى بقيادة المجاهد سلطان باشا الأطرش، ووصولاً إلى حصول السوريين على معاهدة عام ١٩٣٦ بفضل نضالهم وكفاحهم، حيث رصّعَ سفرَه هذا بأسماء رجالات العدّة الوطنية منذ أن أطلق المجاهد الشيخ صالح  العلي رصاصته الأولى ضد الاستعمار الفرنسي، إلى المجاهدين، ابراهيم هنانو، يوسف العظمة، فوزي القاوقجي، حسن الخراط، احمد مريود، محمد الأشمر، سعيد العاص، رمضان شلاش عادل أرسلان، عبد الرحمن الشهبندر، فؤاد سليم، رشيد طليع، وقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ورجالاتها الأشاوس الذين حفل الكتاب بأسمائهم فردا ، فردا، ومما رصدتُهُ خلال قراءتي لهذا السفر القيّم ما يلي:
١ – قسّم المؤلف الكتاب (ذاكرة الثورة) إلى جزأين، يزيد كل جزء على خمسمائة وخمسين صفحة، تحت عنوان الجزء الأول والجزء الثاني. والجزءان احتويا على ثلاثة أبواب وخمسة ثلاثين فصلا.
٢ – لقد اعتمد المؤلف على ذاكرة والده ومشاهداته خلال خوضه المعارك الى جانب رفاقه الثوار السوريين بدقة عالية، وموضوعية مؤكدة في نقل ماهية الاحداث وتاريخها وحاول جعلها متسلسلة قدر الإمكان.
٣ – تحدث المؤلف عن الثورة السورية الكبرى كثورة تهمّ كل السوريين، وقصد بذلك كل بلاد الشام، حيث توسع في أخباره الى أحداث الثورة في فلسطين ولبنان والأردن، وبيّن مدى اهتمام الشامي بكل انحاء الديار، بالكفاح الوطني لإنهاء الاحتلال الفرنسي ومثيله البريطاني لدول عربية محاذية لسوريا.
٤ – بيّن المؤلف ان التاريخ عند كتابته لابد وان يستند الى وثائقَ تؤيدهُ، ومراجع تدعمهُ، ورواةٍ حاضرين لوقائعه ليسردوا مشاهداتهم، وهذا ما فعلهُ سميح الجباعي، حتى اننا لا نكاد نمر على واقعة تاريخية الا وبين مصدرها، وكثير من الأحايين أرقام توثيقها.
٥ – وجدت المؤلف موضوعيا في سرده للأحداث، حيث أنه استطاع بهذه الموضوعية أن ينقل لنا حادثة تاريخية حصلت في الساحل، أو حمص، او حماه، أو حاصبيا، كما لو أنها حصلت في قرية المؤلف / الشّبكي / وهذا ما يجعل القارئ يثق بهذا التاريخ بشكل مقبول.
٦ – اعتمد المؤلف في كتابه على تصوير الوثائق التي اعتمد عليها في نهاية كل فصل حتى يتسنّى للقارئ مراجعتها بيسر وسهولة، ولم يباعد بين المسرد التاريخي وبين الوثيقة الداعمة، لأجل ما ذكرنا.
٧ – طرّز المؤلف الكتابَ بالقصائد الشعرية، التي ما عثرنا عليها سابقا في قراءاتنا المتعددة عن الثورة السورية الكبرى، وهذا جهد إضافي يسجل للمؤلف ويدلُّ دلالة قاطعةً على ذائقتهِ العالية للكلمة الطّيبة، وتقديره للأدباء والشعراء، لأن الوقائع البطولية تاريخيا، لابد من ان تواكبها الكلمة الشجاعة الصافية والنقية، فالكلمة من جهة والسيف والبندقية من جهة ثانية، جمعتهما اجمل لحظات خلّدها التاريخ، ولا أدلّ على ذلك من المتنبي وسيف الدولة، والشاعر القروي وسلطان الأطرش.
٨ – كانت الحصة المثلى من هذا السفر مخصصة لنضال اهلنا الثوار وهم يعانون شظف العيش، ومرارة الحياة، وقسوة الطبيعة، وهم يقتاتون أعشاب الصحراء، ويلتحفون السماء، ويصطادون زواحف الارض، في صحراء النبك ووادي السرحان،

وكم قاوموا اغراءات العدو والذهب الرنان، ليتنازل سلطان ورفاقه عن الثورة، فلم يقبلوا ولم يهادنوا، ولم يستسلموا، ولم يرجعوا الى دمشق عام ١٩٣٧ الا بعد معاهدة تعترف فيها فرنسا بوحدة اراضي سوريا واستقلالها.
٩ -الكتاب الذي بين ايدينا (ذاكرة الثورة) كتاب جدير بالقراءة، وخصوصا في هذا الوقت الذي نرى فيه ما رآه أهلنا من تكالب استعماري وتهافت دولي، لنهب ثرواتنا، وسرقة خيراتنا، وكأن قدرنا أن نكون دائما على فوهة بركان، قلقين متحفزين لندافع في كل آن عن الأرض والعرض، ومعركة المقرن الشرقي مؤخراً التي ضحّى فيها اهلنا بالغالي والنفس وخيرة شبابنا، خير دليل على أننا لانقبل الهوان، ولا ننام على ضيم.
١٠ –لابدّ من كلمة حق تقال، إنّ المهندس سميح الجباعي، مدعوما بمكارم ومناقب أسرته وعائلته الكريمة، يستحق منا كل تقدير واحترام، وهذا عهدنا به حيث لم يتوان في إحياء تاريخ الاهل وتقديمه لجيل قادم، وهو ما يحق لنا ان نحتفي به، وبمدوّنته التاريخية هذه خير احتفاء، وكما ارى ان بعض السطور، خالدةٌ ومفيدة أكثر من القصور، وإن كلّ منقبة يسجلها ابن بار، تعادل الكثير الكثير مما ملك الكثيرون، وإن غربة سميح الجباعي النديّة الطرية، لم تثنهِ عن شوقهِ و حنينهِ إلى محطّات أهله الشجاعة والوطنية.
رحلة مفيدة اتمناها لقرّاء هذا السّفر الجليل الذي خطّه الاهل بشفرات السّيوف، وخلّده سميح بمداد اللهفة والحُروف.   
إن كتاب ذاكرة الثورة الذي أعده واخرجه للنور الاستاذ سميح الجباعي، هو سفر هام يضاف الى الكثير من الكتب القيمة التي تحدثت عن تاريخ الثورة السورية الكبرى التي قادها المغفور له سلطان باشا الأطرش، ولعل ميزة هذا الكتاب تكمن في ان محتواه جاء من ذاكرة رجل عاش أحداث الثورة، وكان حافظا لشخوصها ولمفاعيلها ومحتشدا بذاكرة  وقّادة لا تنسى  ما مرّ امامها، هي ذاكرة والده المجاهد متعب الجباعي، وما أضاف قيمة عالية للكتاب هو أن الاستاذ سميح قام بمقارنة ما رواه والدهُ مع وثائق تاريخية احتفظ بها اكثر من أرشيف في مكتبات العالم الكبرى، ولم يكتف بذلك بل قدم صور الوثائق في نهاية كل فصل لتوكيد ما تحدث به والده كشاهد عيان خلال احداث ومعارك الثورة.
وقيمة اخرى للكتاب هي أن المؤلف استطاع رغم هجرته التي نافت الأربعين عاماً عن أرض الوطن، لمّا يزل مرتبطا بأرضه وبتاريخ أهله وأجداده، باحثا بأقصى جهد ممكن عما خلّفه الاهل من تضحيات جسام في سبيل الأرض والعرض.
وميزة لا يمكن اغفالها أن الاستاذ سميح الجباعي لم يعتمد التاريخ في هذا الكتاب كمنهج علمي او دراسة اكاديمية، بل ساقَ الاحداث كأخبار لا فتة مدعومة بالشواهد الشعرية التي ربما لا نجدها في كتب تاريخية أخرى.
أخيراً أن المنجز التوثيقي ومقدمة الأديب تعملان على شحن الذاكرة في البحث والاستشراف نحو معرفة مضامين ذلك المنجز الحامل لأهم الأحداث والوقائع التي قل ما اطلع عليها من الباحثين.

 

التاريخ - 2021-05-27 7:47 PM المشاهدات 1672

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا