سورية الحدث الإخبارية-السويداء-معين حمد العماطوري
يُقرأ التاريخ من جوانب عدة، وله أقفاله ومفاتيحه، ومنهجه واسلوبه، وطريقة كشف مكامن خفاياه الثقافية والسياسية، ولكن ما أراه أن تاريخ سورية المعاصر هو حلقة متسلسلة ومترابطة مع بعضها بعضاً، فهو كالعقد الفريد الذي لا يمكن أن تنتزع منه حبة واحدة، أو بمعنى أن الوحدة المتكاملة النضالية في الثورة السورية الكبرى المشترك فيما بينها وطنياً وجغرافياً واجتماعيا أفراد المجتمع كافة، والأهم الحس الواحد الموافق للرؤية الإبداعية في العامل الوطني، بحيث لو أردنا دراسة ثورة الشيخ صالح العلي لوجدنا أن أهدافها قائمة على حماية الأرض والعرض ووحدة سورية أرضاً وشعباً والقضاء على الاستعمار والانتداب وتحرير البلد من تلك الاشكال الاستعمارية وإثبات وتعزيز السيادة الوطنية، ومثلها أيضاً ثورة إبراهيم هنانو الذي عمل على التنسيق العسكري بينه وبين الشيخ صالح العلي ربما لقرب المكان الجغرافي بينهما، إلا أن الترابط والتلاحم في تمتين مفهوم العلاقة الوطنية لتشكيل ثقافة جمعية وطنية، كانت تشكل تنوع خاص في المفهوم والعمل والتكوين المكون للشخصية السورية عامة من اقصى شمالها إلى جوبها ومن شرقها لغربها، ولعمري أي باحث حصيف لو أراد تدوين المجريات التاريخية وأحداثها ووقائعها بشكل موضوعي حيادي ونزاهة وجدانية نجد أنه سوف يعمل على إدراك اسرار العلاقة الوطنية بين قادة سورية الوطنيين وعدتهم الوطنية، الواصل بينهم خيط سري متين لا يعلمه إلا الله وأصحاب السر الدفين في العمق الانتمائي، وبالتالي قد تتلاشى العبارات التعبيرية والدينية امام المشهد الوطني والفعل الوجداني الاجتماعي والبطولات التي أُثبت للعالم معنى الشخصية الوطنية السورية، ومفهوم التعالق الوطني ليس بطبيعة العلاقة إنما بطريقة الانصهار الأخلاقي والمبدئي في الرؤية والهدف فيما بينهم وجعل للعروة الوثقى لوناً ذهبياً تتميز بها عن باقي العرى في المناطق العربية والثورات العربية ضد الاحتلال وأشكاله في العالم العربي، ما يكسب للوطنية السورية خاصية أمام الثقافة العربية فكراً ونهجاً، هذا وغيره من المشاهد الفكرية والثقافية يقرأها المهتم بالتاريخ الموضوعي في كتاب/ذاكرة الثورة عام 1920 -1939 المجاهد متعب الجباعي/ للكاتب المهندس سميح متعب الجباعي طبعاً حين يقرأ القارئ العنوان ويتساءل مكانة المجاهد متعب الجباعي يشعر بسر دفين بذلك ولذلك أن الحقيقة حينما كان يتم البحث في ماهية الثورة كان قائدها المغفور له سلطان باشا الأطرش عليكم بذاكرة الثورة متعب الجباعي المعاصر للأحداث والوقائع بتفاصيلها، وربما ما دفع الكاتب أن يتخذ من عنوان كتابه ذلك، ولكن قبيل الثورة السورية الكبرى وفي الوثيقة رقم (24-39-28-30) ضمن متن الكتاب يذكر الكاتب المهندس سميح متعب الجباعي عن ثورة المجاهد إبراهيم هنانو إضاءة بتفصيل عنها لاحقاً في متن كتابه الواقع بجزأين فهو يقول عن ثورة المجاهد إبراهيم هنانو:
بعد معركةِ ميسلون في ذي القعدة ١٣٣٨هـ/ يوليو 1920م ، ودخول الجيش الفرنسيّ دمشق، قامت في حلب شمال سوريّا ثورة بقيادة إبراهيم هنانو ، حيث جرى تنسيق عسكري بين ثورتي العليّ و هنانو، فأخذ هنانو يمدّه بما توفّر لديه من سلاح، وراح العليّ يوسّع حملاته شمالاً، والتي دامت ما يقارب ثلاثة أعوام ونصف، فحقّق انتصارات كبيـرة وألحق خسائر فادحة بالفرنسيّين، وتوالت الوقائع إلى أن قلّ ما عند الشّيخ صالح من ذخيـرة، واشـتدّ القتال بينه وبين الفرنسيين، الذين استطاعوا في النهاية بعد تركيز ثلاث حملات كبرى نجحت بواسطتها فـي تصفية الثّورة واحتلال قاعدتها ذاتها (قرية الشّـيخ بـدر) فـي 7 يوليو1921م، بعد أن استمات الثّوار في الدّفاع حتّى آخر رصاصة يملكونهـا واضـطرّوا فـي النهاية للتفرّق. وفي يوم الثلاثاء ١٠ شوال /6يونيـو 1922م أذاعـت السـّلطات الفرنسيّة بلاغاً رسمياً بأنّ الشّيخ صالح العلي قد خضع لها بعد أن كان متواريـاً عـن الأنظـار قرابة العام.
وتابع الباحث سميح الجباعي بالقول: أمّا ثورة إبراهيم هنانو فقد استمرّت في حلب، إذ لجأ هنانو وجماعته إلى جبل الزّاوية وهو موقع متوسّط بين حماه وحلب، واتّخذه مقراً له، وقاعدة لأعماله العسكرية، كما ضـمّ إليـه الجماعات التي كانت قد تشَكّلت هناك لمواجهة الفرنسيّين، وتولّى قيادتها بنفسه. كثرت جموعـه واتّسَعُ نطاق نفوذه، فلجأ إلى تركيّا لطلب الدّعم من أسلحة وعتادٍ. وتمكّن من أسر عـدد كبير من الجنود الفرنسيّين، وكبّدهم خسائر كبيرة في الأرواح، وكذلك فـي الأسـلحة والـدّواب والذّخائر والمواد التموينيّة ممّا ساعد هنانو على الاستمرار في ثورته، إلا أنّ الفرنسيّين عـزّزوا قوّاتهم في مناطق ثورة هنانو بثلاثين ألف مقاتل، وضيّقوا الخناق على الثّوار، فضعفت إمكانيّات الثّورة الماديّة، ممّا دفع بقادتها إلى التّفرّق.
وعندما وصله خبر البيان الذي أذاعه الشّريف عبد الله بن الحسين والذي يقول فيه:"أنّه جاء من الحجاز إلى الأردنّ لتحرير سوريّة، كاتبه هنانو ثمّ قصده في 12 يوليـو 1921م ومعه خمسٌ وخمسون جندياً وضابطاً للاتّفاق معه على توحيد الخطط. وفي طريقه إلى الأردنّ اعترضته قوّةٌ كبيرةٌ من الجيش الفرنسيّ، فقاتلهم ونجا، بعد أن أُسر أربعةٌ من أعوانه، وتابع سيره إلـى الأردنّ ووصلها في يوم الأحد 31 يوليو 1921م فلم يتّفق مع الشّريف عبد الله، فتوجّه إلى فلسطين، وهناك اعتقلته الشّرطة البريطانيّة في القدس، وسلّموه للفرنسيّين فنقـل إلى حلب لمحاكمته بتهمة القيام بأعمال مخلّة بالأمن. حوكم هنانو محاكمة شغلت سـوريّا عـدّة شهور، وانتهت بإخلاء سبيله باعتبار ثورته ثورة سياسيّة مشروعة.
تـولّى هنـانو زعامـة الحركة الوطنيّة فـي شماليّ سوريّة خصـوصاً أثنـاء الثـّورة السـّورية الكـــــبرى (1925ـ 1927م) التـي قادهـا سـلطان باشـا الأطرش والتي سوف نتحدّث عنها بالتّفصيل لاحقاً.
الجدير بالذكر أن المتتبع للنص يرى إضاءة تفصيلية سريعة على طبيعة ثورة المجاهد إبراهيم هنانو ويختم الكاتب أنه سوف يتحدث عنها بالتفصيل وكوننا نوثق مقالاُ لا نستطيع الاستطراد أكثر فإننا نقف عند وعد الكاتب ونبحث في متنه فصلا فصلاً وبابا بابا ومقالا مقال كي نستطيع استشراف ما يجب أن نعرفه عن الأماجد الأبطال الذين خطوا لنا ثقافة وطنية وجعلوا لنا مكانة بين الثورات لعالمية بوحدتهم وإيمانهم الوطني.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا