شبكة سورية الحدث


الصحافيون في سوريا: مقاومون من نوع آخر

الصحافيون في سوريا: مقاومون من نوع آخرعلي حسن مَن يشاهد المراسلين الصحفيين المواكبين للعمليات الحربية التي تنفذها وحدات الجيش السوري، لا يميز أحياناً بين شجاعتهم وشجاعة الجنود المقتحمين لعمق المخاطر. هي مهنة الصحافة التي لا يعرف مراسلوها في الميادين السورية خوفاً أو تراجعاً. هي مهنة الحقيقة التي يدفع أولئك المراسلون دمهم وجراحهم لأجلها ولأجل بلادهم.أصبحت سوريا منذ أعوام أخطر مكان في العالم لممارسة العمل الصحفي الميداني، حيث جاء وفقاً لجمعية حماية الصحفيين المعنية في العالم ومقرها نيويورك"، أن عددا كبيرا من الصحفيين قتلوا كنتيجة مباشرة لتغطية المعارك الجارية على الأراضي السورية.أصبح الاستيقاظ صباحاً للذهاب إلى التغطية الميدانية شبه وداع للعائلة والأصدقاء، احتمال عدم العودة مطروح إن خطفاً أو استشهاداً، الإحصائيات عن التهديدات الموجهة للصحفيين تصبح أكثر شيوعاً يوماً بعد يوم، وبالأخص بعد مفارقة نخبة من الصحفيين البارزين الذين كان ذنبهم ايصال كلمة الحق من أرض الميدان.معادلة الخبَر والخطرالصحفي السوري ماهر مونس تحدث لموقع "العهد الاخباري" حول مخاطر العمل الصحفي الميداني قائلاً: عند التعرّض للخطر يخطر ببالي أهلي، والديّ وإخواني وكل الذين أحبّهم، أتمنّى لو أنني أودعهم الوداع الأخير. أكثر مخاطر العمل الصحفي في سورية هو العمل الميداني من الناحية العملية، حيث يقع الصحفي في معادلة كيف يحضر الخبر والصورة بأقل خسائر ممكنة، وأحيانا تكون الروح هي أقل الخسائر. أما من الناحية المهنية فمخاطر العمل الصحافي هو أن تخسر مصداقيتك أمام الجمهور، أو أن تكون مرآة نفسك فلا أحد تحدّث سواها.تدابير الحماية غير الكافيةلا يتوقف العمل الميداني على فئة الذكور من الصحفيين، تشارك العديد من المراسلات في تغطية المعارك بعيداً عن الخوف، مراسلات يمتلكن الشجاعة لمواجهة أية مفاجئة تحمل في طياتها ما يهدد حياتهم بالموت، ازداد الصحفي في سوريا خبرةً بكيفية التعامل مع أرض الميدان ولم يعد يعرف انه ذلك الشخص الذي يعمل في مهنة المتاعب لكي ينير الآخرين بالحقيقة.تشرح المراسلة الميدانية زهراء فارس  عن طبيعة المخاطر التي تتعرض لها خلال عملها، بأن الصحفي لا ينفصل عن واقعه إطلاقا، والصحفي في بلد النزاعات والحروب هو مدني لكنه يتواجد في ساحة حرب، مدني يرافق المقاتلين لكنه من غير المسموح له مهنياً أن يسقط على نفسه التفاصيل العسكرية سواء من ناحية المعايير الشكلية أو المضمون، وبالتالي فإن قواعد السلامة المدنيّة نفسها يجب أن يتوخاها الصحفي في تنقلاته ... وتقول فارس أنه خلال تجربتنا في الصحافة الحربية في سوريا لربما تكون التدابير المتبعة لسلامة الصحافيين قليلة وغير كافية، وهذا ما حول سوريا إلى البلد الأخطر للصحافيين في العالم من بين كل دول النزاعات .... على قيد الحياةفارس تتابع: لناحية عدد الضحايا القتلى والجرحى خلال أربعة أعوام من الحرب السورية لا تتعدى تدابير السلامة الحد الأدنى المتعارف عليه عالميا، تنوه زهراء بضرورة ارتداء درع وخوذة واقية من الرصاص، ومحاولة التواجد في الخطوط الآمنة أو الخلفية للقوات التي يرافقها، فضلا عن التنقل في ساحة الحرب بالآليات المصفحة، إضافة إلى عدم نشر صورة أو معلومة قد تؤدي إلى كشف مناطق تواجد وتنقل الفرق الصحفية، وبالتالي إعطاء خدمة مجانية للعدو وتسهيل إمكانية استهدافها من قبله .. وختاماً هناك حد مسموح به للحركة يضعه الصحفي لنفسه يمنعه من التعرض لمزيد من المخاطرة التي قد تكون مميتة حتما، هذه الحدود لربما وضعتها مدارس وتجارب سابقة، بمعنى أن حياة الصحفي أهم من الصورة والخبر والمعلومة، وهذا ما يعرف في الصحافة الحربية بمبدأ "الصحفي الناجح هو الصحفي الحي.أبرز شهداء التغطية في سوريةفي سورية سقط عدد غير قليل من المراسلين الحربيين شهداء برصاص التنظيمات الإرهابية وأصيب عدد آخر بجروح من النيران ذاتها. دفعت قناة الإخبارية السورية الكثير من كوادرها الإعلامية من مراسلين ومصورين وفنيين، استشهدت المراسلة يارا عباس أثناء تغطيتها لعملية تحرير مدينة القصير الحدودية بريف القصير عام 2013 خلال انتقالها من مكان لآخر بكمين نصبه الإرهابيون للسيارة التي كانت تنقلها مع الفريق الفني المرافق. وفي نيسان من العام 2014 استشهد موفد المنار حمزة الحاج حسن والتقني حليم علاو والمصور محمد فنيش خلال تغطيتهم الجريئة لعملية تحرير بلدة معلولا بريف دمشق بنيران غادرة من مجموعات تابعة لجبهة النصرة. قبل ذلك بشهر واحد فقط استشهد مصور قناة الميادين في محافظة دير الزور شرقي سورية عمر عبد القادر بنيران تنظيم "داعش" الإرهابي خلال تغطيته لعمليات الجيش السوري ضد التنظيم المتطرف.مؤخراً، استشهد المراسل الحربي النشيط ثائر العجلاني في حي جوبر شرقي دمشق مع عدد من جنود وضباط الجيش السوري خلال هجوم غادر لمجموعات تابعة لجيش الإسلام جرى الهجوم ليلاً بقذائف الهاون والقذائف الصاروخية على أحد المواقع المتقدمة هناك على خطوط التماس حيث كان العجلاني يوثق عمليات الجيش السوري ضد الارهابيين ليلاً. وقبل كل هؤلاء الشهداء استشهد مراسل التلفزيون السوري بدير الزور محمد الأشرم في العام 2012 خلال تغطيته الاشتباكات بين الجيش السوري والتنظيمات الإرهابية.بين المراسل والمراسِلةتضيف فارس أنه "بعد أكثر من أربع سنوات على العمل الميداني لا يمكنني اعتبار أن عمل المراسلة الحربية يختلف كثيرا عن المراسل أو الصحفي الحربي، الخبرة التي يكسبها الصحفي في الحركة ومهارة الوصول الى قلب الحدث، والقدرة على التصرف في لحظات الخطر أو الاشتباك أو في حالة الحصار، يمكن أن تكتسبها الفتاة أيضا... وحتى في حال الاضطرار إلى حماية نفسها بأية طريقة كانت... تبقى مشاهد الدماء والأشلاء هي الفرق الكبير بين المراسلة وزميلها، لناحية تأثرها أمام هذه المشاهد وابتعادها ربما عن الحدث بحد ذاته...أما الشجاعة، بحسب فارس، فهي معيار لا ترتبط بالأنوثة والذكورة وأنا أتحدث عن المعارك على الساحة السورية على الاقل، فبحكم أنني غطيت معارك أخرى في العراق فإن الظروف تختلف كثيرا هناك.. الحرب صعبة والجغرافيا أكثر وعورة وتعقيدا، وهذا ما يفسر عدم وجود أي مراسلة حربية عراقية، مقارنة بعدد الزميلات المراسلات الحربيات في بلدي سوريا، تعرضنا طبعا لعدد كبير من المواقف كنا فيه قاب قوسين أو أدنى من الموت، لحظات معارك حقيقية تستخدم فيها كل أنواع السلاح، انفجار مفخخات أو حصار فعلي وغيرها من اللحظات، طبعا البدايات دائما هي الاصعب، أول اشتباك أول حصار أول قذيفة أو تفجير دائما يكون الأكثر رعبا بالنسبة لنا، وبعد تكرار المواقف دائما نعتاد عليها وتفقد رهبتها في نفوسنا، ولكن كلما اقترب الموت منا أكثر، يحفر في ذاكرتنا مشاهد يصعب نسيانها، إحدى أقسى اللحظات التي تعرضت لها كانت في ساحة حرب تحت الأرض عبر الانفاق، يفصل بيننا وبين المسلحين دشمة، وكانت قد بدأت القنابل تنهال علينا وأصوات الرصاص لا تهدأ، كنا قادرين على سماع أصوات المسلحين وحتى همساتهم .. لا ضوء ولا هواء تحت الارض .. يومها كتبت: للحرب تحت الأرض كما للموت؛ طعم آخر .. أنت هنا أقرب إلى جذورك، والأرض تمارس تشبثها بك بكل أنانية كأنها تريد ابتلاعك ، رائحة الموت أقوى ورائحة التحدي أيضاً... الحدث - العهد
التاريخ - 2015-08-14 1:38 PM المشاهدات 1441

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا