السويداء- معين حمد العماطوري
لم تكن أحداث الثورة السورية الكبرى من خلال عقل وإرادة رجالها الأبطال الميامين أحداثاً عابرة تحمل الطابع السرد التاريخي أو كما يظن بعض أنه عمل ينضوي تحت إطار النخوة فقط، إنما هناك هدفاً أسمى وأقوى وأفضل مما هو عليه من مطالب ترضي ثوار الجبل أو بقعة جغرافية محدودة المساحة في سورية أو الوطن، إذ في كل مكان من الوطن يعقد فيه مؤتمر أو اجتماع بغية تفعيل الثورة ودحر الفرنسيين يعتبر مكاناً شاملاً بالتاريخ والواقعة والحدث لكل السوريين، وهناك ثقافة فطرية غريزية حملها معهم الثوار، في تغذية هذه الثقافة في نفوس وأفئدة المقاومين للعدو الفرنسي، وربما نحن نعيش اليوم تقانة حديثة تتطلب منا دمج العلاقة بين المعلومة التاريخية والمعلومة العلمية والموثقة، وتوثيقها يتطلب من الباحثين إجراء المقارنات والمقاربات في بطون المراجع والكتب وإثبات الحق والحقيقة نحو تطلع رؤية ثاقبة ثابتة في الهدف المشترك بين السوريين جميعهم وهو الوطن والاستقلال الوطني عن الاحتلال الفرنسي.
مما لا شك فيه أن العوامل المساعدة للباحث هي الوثيقة، والوثيقة الصادرة عن جهات رسمية عالمية أو من مرجع علمي يحمل الصفة المرجعية الأكاديمية العلمية، أو من معاصر حاذق ينقل الأحداث بصدق وأمانة.
لعل ما طرحه كتاب ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي، لمؤلفه المهندس سميح متعب الجباعي، يحمل تلك الرؤية ولكن برؤية مختلفة في طبيعة السرد التاريخي إذ ما يميزه عن أقرانه أنه أتكأ على المعلومات وليس على البيانات، واستطاع تحويل البيانات إلى المعلومات، وهي خطوة جديدة ضمن نظرية التلقي الإعلامية في إغناء المحتوى الرقمي العالمي بالمعلومات ليتحول إلى معرفة..
يذكر الباحث المهندس سميح متعب الجباعي في الجزء الأول من كتابه ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي بالقول:
مؤتمر المجيمر الثّاني:
في السّابع عشر من آب عام 1925 عقد مؤتمر المجيمر الثّاني وانتدب وفدٌ منه لاستلام شروط الفرنسّيين من الكابيتان رينو التي استملها من الجنرال سراي لينظر المؤتمر فيها مبدئيّاً، وهو مؤلّف من الزّعماء: سليمان عبدي الأطرش- هايل عامر- فضل الله هنيدي - محمد عزّ الدّين الحلبي – سليمان نصار وهذا نصّها :
1 –إعادة العتاد الذي استولى عليها الدّروز في الحرب.
2 –إعادة حامية السّويداء الفرنسيّة إلى ما كانت عليه قبل الحرب .
3 –إعادة منهوبات التّجّار والأهالي بواسطة لجنة مختلطة تدرس ذلك فيما بعد.
4 – دفع غرامة حربيّة قدرها 5000 جنيهاً فرنسيّاً ذهباً.
فأقرّها الوفد ما عدا مسألة الغرامة حيث لم يسبق لهم عهدٌ بها في تاريخ الجبل، فتؤجّل لاجتماع آخر. وعلى أثر ذلك تمّ تسليم شروط المؤتمر لرينو مقفلاً ومختوماً عليه بختم المؤتمر وهذا نصّه:
1 – العفو العامّ مصدّقاً عليه من الجمهوريّة الفرنسيّة، وعدم التّحقيق في حوادث الثّورة وعدم اعتبارِ أحد مسؤولاً.
2 – لا ترسل الحكومة الفرنسيّة قواتٍ لا كبيرةً ولا صغيرةً إلى الجبل .
3 – إطلاق سراح جميع من اعتقل بسبب الثّورة، سواء كان من سكان الجبل أو الخارجين عنه.
4 - يقبل مستشار فرنسيّ في الجبل دون أن يتدخّل فعليّاً في شؤونه. ويطلب الشّعب الدّرزي أن يكون الكابيتان رينو هو ذلك المستشار.
5- ينتخب الشّعب الدّرزي لجنة مؤقّتة لتشكيل حكومة للجبل تحلّ محلّ الحكومة الملغاة بسبب الثّورة
6 – ينتخب الشّعب الدّرزي حاكماً وطنيّاً ومجلس أعيان تقرّر كيفيّة تأليفه، ودرجة ارتباط الحاكم به اللجنة المذكورة في البند الخامس.
7 – تعاد المبالغ الخاصّة بصندوق الجبل، والمبالغ المودعة بالبنك السّوري أو غيره إلى إدارة ماليّة الجبل.
8- تدفع حصّة الجبل من الجمارك لخزينة الجبل ولا يصرف شيء منها قبل إدخاله إلى الصّندوق.
9- لا تمنع الحكومة الفرنسيّة الدّروز فيما بعد إذا شاؤوا الدّخول في الوحدة السّورية.
10-عدم نزع السّلاح من الدّروز (كما قرّرت الحكومة الفرنسيّة سابقاً) بسبب مجاورتهم للبادية.
11- عدم تعيين أحد من الموظّفين السّابقين إلاّ بقرار خاصٍّ من اللجنة المذكورة في البند الخامس.
12- إلغاء وظائف الممثّلين ومأموري الاستخبارات الفرنسيّين الذين كانوا سابقاً
15 آب سنة 1925 الإمضاء أعضاء الوفد
هذه وثيقة هامة في السياق التاريخي لأحداث الثورة السورية الكبرى وربما كثيرا ما غفل الحديث عنها وعن أمثالها، ولكن السؤال الأهم ما هو رد الفرنسيين على وثيقة أعضاء وفد مؤتمر المجيمر، وهنا تحسب للكتاب الموضوعية والواقعية الصادقة حيث وثق بكتابه الرد بقوله:
رد الفرنسيين على شروط الدّروز (مؤتمر المجيمر الثاني)
سافر الكابيتين رينو حاملاً شروط الدّروز إلى دمشق، في الخامس عشر من آب، وفي اليوم التّالي أُطلق سراح الزّعيم المسيحيّ في الجبل عُقلة القطامي. وفي الثّامن عشر من آب عاد رينو إلى إزرع ومنها إلى عين المزرعة حاملاً جواب الجنرال ساراي على شروط مؤتمر المجيمر راجع صور التّقارير والرّسائل التي نشرتها جريدة الإيكودى باري صفحة 274 عن جبل الدّروز .
دواعي تشديد الفرنسيين على حزب الشّعب السّوري :
وممّا يؤسف له أنّ الجواسيس الخونة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، ما كادوا يرونَ الوفد الدّمشقي يصل إلى جبل الدّروز، حتّى طيّروا خبره إلى البعثة الفرنسيّة بدمشق، وإذ ذاك أخذت تلك البعثة حذرها من جميع الوطنيّين سيّما آل عطا الله البكري وحزب الشّعب، وذهبت ثقتهم حتّى ممّن يواليهم ويتزلّف إليهم.
مؤتمر عين المزرعة في20 آب 1925 ووصول نجدات الحورانة والبدو
اجتمع زعماء الدّروز في عين المزرعة للمداولة في كيفية الاحتياطات الواقية من خيانة الفرنسيّين بعد عقد الصّلح معها. وبينما هم في اجتماعهم، وصلتْ إليهم النّجدات من حوران ومن بني حسن وبني صخر مع زعيمهم حديث الخريشة المشهور، وأظهروا ولاءهم للدّفاع معهم عند الحاجة، وفي الحادي والعشرين من آب 1925م عاد بقية المنفيّين إلى الجبل، وعاد النّجّار من المؤتمر حاملاً جواب الدّروز الذي يؤكّد قبولهم شروط الفرنسيين.
أخيراً وقبل الانتقال إلى مراحل جديدة في الحياة التاريخية والسياق التوثيقي فإننا أمام مشهد غاية في الدقة والحرفة التاريخية وهو الواقعية في التسلسل الزمني والحدث، ولنكن معاً في تطور الأحداث يقينا أن للحديث بقية...
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا