سورية الحدث الاخبارية - السويداء-معين حمد العماطوري
لم تبتعد أحداث الثورة السورية الكبرى بعد مؤتمر اختيار سلطان باشا الأطرش قائداً عاماً للثورة، من اندلاعها وتوسعها في أنحاء سورية، بل أنها باتت مسؤولية كبرى للثوار في نشر ثقافتها وتعميمها وخاصة بعد البيان الصادر عن قيادة الثورة "إلى السلاح على السلاح" ولعمري ما جرى من أحداث ضمن السياق التاريخي يحتاج إلى مرجعية علمية تؤكد على الأعمال القتالية واستمرارها وأساليب جديدة في العمل، بل هي رؤية في تحديد مسار الثورة وكيف كانت آلية العمل وفق تنظيم إداري قائم على المشورة العلمية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وبالتالي جرت معطياتها ووقائعها في عمل منظم وموثق من استطاع الوصل إلى تلك الوثائق، ولهذا من يكتب في التدوين التاريخي يشعر أنه أمام بحث ودراسة بحثية لابد من دعمها بالمرجعية العلمية والوثائق الثابتة لتلك المرجعيات، وربما ما اعتمد عليه صاحب كتاب "ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي لمؤلفه الباحث التاريخي المهندس "سميح متعب الجباعي" هي تلك المجموعات من الوثائق التي تحمل في مضامينها الأحداث الحاملة عبق المضمر الخفي في الطريقة لنشر الثورة بالمناطق الوسطى...واستطاع الكاتب سميح الجباعي أن ينثر هنا علاقة بين الربط الجغرافي والانتمائي في الثورة وضمن عنوان: "اندلاعُ الثّورةِ شمالِ سوريةَ" حيث اعتمد على وثيقة تاريخية وهي للكاتب عربي فاضل والوثيقة ذات الرقْم (221025-3) بداية شهر تشرين أوّل من عام 1925 تتضمن: حاولت بلاغات الفرنسيّين أن تحصر الثّورة التي شبّت في حماه في القبائل الرُّحّل للتّخفيف من شأنها ولتظهرها بمظهر اللصوصيّة، وقطع الطّرق، ولكنْ لـمّـا انكشف السّتار وبدت الملامح المقنّعة تبيّن أنّ الذين دبّروا أمرها وكانوا في طليعتها هم الذين كانوا على أقرب اتّصال بالفرنسيّين وعرفوا من غدرهم بالبلاد ما لم يعرفه غيرهم.
إنّ الكابتين فوزي وجنوده من الجوقة المختلطة هم الذين أطلقوا أوّل عيار ناريّ في البلدة ليلة الخامس من الشّهر الحاضر أكتوبر 1925) فكانوا بذلك نذير الثّورة التي أخذت تحيط بالحواضر مثل حمص وحماه وما جاورهما إحاطة السّوار بالمعصم ولا يعود الأمن إلى نصابه ما لم تحصل هذه البلاد المتعبة على ما يريحها من أتعابها .
كان مع الثّوّار فريق كبير من الذين عرفوا أنّ الحرّيّة تؤخذ بالقوّة ولا تعطى كما تعطى الصّدقات منّةً وكرما، فكان أوّل متوجّبٍ عملوه شلّ القوى المدافعة ونزع السّلاح منها، ثمّ احتلال دوائر الحكومة وأخذ الأموال المخزونة في صناديقها من عرق الفلاّح وتعب العامل فيصرفها في تنظيم الانقلاب الذي ولا شكّ سيتناول البلاد من أقصاها إلى أقصاها انتبهت السّلطة المنتدبة من غفلتها وشعرت لأوّل وهلة أنّ البنادق والمدافع والطّيّارات لا تعمل العمل المطلوب دائما ففكّرت بالالتجاء إلى السّبل الإدارية لذلك دعت السّيد نورس الكيلاني متصرّف حماه السّابق للسّفر سريعا إلى مقرّ الثّورة علّه يطفئها بحكمته وحنكته السّياسيّة والإداريّة، ولكنْ من لنا بمن يقول للسّلطة "الصّيف ضيّعت اللبن" وأنّ الأمر خرج بطيش الحكومة من أيدي المعتدلين، وأصبح بأيدي القانعين قناعة الإيمان، بأنّ لا راحة لهذه البلاد ما لم تخرج الدّولة المحتلّة بقضّها وقضيضها, إلى طمطام البحر. وعلاوة على ذلك، فإنّ المرحوم الطّبيب صالح قنباز الذي استشهد في هذه الثّورة, كان اليد اليمنى للسّيد نورس فذهابه سيضعف شأن الذين يدعون أنفسهم معتدلين ويقوّى شأن القائلين بوجوب الثّورة ثمّ إنّ ظهور السّيد نورس الكيلاني على منصّة الحكم سيصادف امتعاضاً شديداً في نفوس القوى العاملة، ويبعد عن المسرح تلك الرّوايات، التي أدّت إلى الانشقاق العظيم في حماه، وما يدلّ على الدّور الخطير الذي يقوم به الثّوّار في دمشق، وما والاها من القوى أنّ السّلطة الفرنساويّة، ساقت إلى تلك الأنحاء أوّل أمس زهاء ألفين من الجنود المرابطة في "ازرع وخربة غزالة ودوما" .فماذا يقول صاحب تلك الجريدة الدّمشقيّة الذي لم يترك باباً من لسع الوطنيّين إلا لسعهم منه تحت ستار الوطنيّة وباسم الغيرة على البلاد؟ أيظنُّ أنّ طريقته الخاصّة ببثّ الدّعوة على أساس مزج الحوادث المختلقة بالحوادث الواقعيّة تجوزُ على أحد؟ خُذْ لك مثالا بارداً من الأمثلة التي جرى عليها وهى قوله "من المنتظر أن يصل حمد الأطرش وعائلته اليوم إلى دمشق وإنّ الجنرال غاملان يرفض قبول تسليم حسن بن يحيى الأطرش، وأنّه يأبى أيضاً تسليم سلطان الأطرش !!
إنّ حمد الأطرش قد سلّم نفسه حقّاً وسلّمها بمعرفة سلطان الأطرش لأمر يجهله أمثال صاحب تلك الجريدة إبراهيم سليم النجار وأمّا القول برفض الجنرال تسليم حسن بك وسلطان باشا الأطرش فهو من باب قد خطبت ابنة الملك ورضيَتْ أمي وأبي ولم يبقَ إلاّ رضا الملك وزوجته وابنته ! وعسى أن يكون ذلك الصحافي هو بطائفيّته ونفاقه المستتر أثقل على البلاد من أمثال إبراهيم النّجار المكشوف – يكون واسطة هذا التّسليم فيوفر على فرنسا أمّة الرّؤوم ألوف النّفوس وملايين الفرنكات !!! .....تشرين أول....1925...."متفرج".
أخيراً لا يمكن الولوج في عمق أحداث الثورة دون التمسك بالثوابت التي وضعت لثقافة الثورة لأنها لم تكن ثورة على الفرنسيين فحسب بل هي ثورة أثبتت للعالم معنى الانتماء للوطن، من خلال إلغاء الطائفية والفردية والأنا المتضخمة الاستعراضية، والثبات على الموقف بحيث تشعر أن البطل المقاوم في الشمال هو نفسه المقاوم بالجنوب لا بل من يدافع عن الجزيرة كمن يدافع عن سهول حوران..وللحديث بقية.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا