سورية الحدث - محمد الحلبي
فاطمة عبدالله - دانية نعال
لاينحصر العنف في المدارس بين الطلاب أنفسهم، فللعنف أبواب كثيرة، حيث يمكن أن يولد العنف من الأسرة، أو من البيئة المحيطة والعادات المكتسبة، أو حتى من المدرسين أنفسهم تجاه طلابهم وربما العكس..
إذ أن العنف لايمكن أن يكون عنفاً جسدياً فقط، فيمكن أن يكون تنمراً، أو لفظياً.. ولكلٕ منها منعكساته وآثاره على الفرد منا..
حدث في مدارس دمشق.. هذه الحكاية حدثت العام الماضي.. طالب صغير في الصف الثاني الابتدائي، قصير القامة نوعاً، طلبت منه المعلمة أن يحل تمرين رياضيات، وأوقفته على الكرسي كي يطال السبورة، ولما تلكأ قليلاً صفعته على وجهه فوقع أرضاً وكادت تكسر يده..
في مشهدٕ آخر.. وأثناء نزول التلاميذ إلى الفرصة تدافع الطلاب على الدرج مما أدى إلى سقوط إحدى الطالبات وكسرت يدها، لتسمع عبارات التوبيخ من المدرسة المناوبة وعدم الاستجابة لصراخها نتيجة الآلام الشديدة الناجمة عن الكسر الذي أصاب يدها،وأيضاً معلمة الصف رفضت ذهابها إلى المديرة لإسعافها، واتهمتها أنها تتصنع الألم.. بقيت الطالبة تتحامل على آلامها حتى نهاية الدوام لتسعفها والدتها إلى مشفى المجتهد ويتبين أن يدها قد كسرت..
كذلك طالبة صغيرة أخبرتنا قصتها إحدى الموظفات في السلك التعليمي عندما غُررَ بها وتغيّبت عن المدرسة مدة خمسة عشر يوماً، وعند استدعاء ولي أمرها أحضرت شخصاً تعرفه على أنه أبيها، وعندما طلبت المديرة هويته اعترف أنه سائق تكسي وأن الفتاة ربما قد تكون حاملاً، وإن علم أهلها بذلك فقد تحدث مصيبة، وأن من أوصلها إلى ذلك هو عدم وجود حنان الأسرة..
هذه القصص كلها تنضوي تحت عنوان العنف في المدارس.. فماذا قال المعنيون؟
مدارس بنات
قام موقعنا سورية الحدث بزيارة عدد من مدارس دمشق في مناطق مختلفة، فتحدث لنا المعنيون عن صور من مظاهر العنف وكيف تم معالجتها.. البداية كانت من مدرسة عصام كعور في الزاهرة الجديدة، ولن أقول هنا المعلمة أوالمديرة بل سأقول المربية عايدة عبد الله لما لمسناه من حب في عيون طالباتها لها وكم الأسرار التي تحفظه لكل طالبة وتحاول مساعدتها كما لو كانت والدتها حقيقة حيث قالت لنا: نحن نتعامل مع طالبات في المرحلة الثانوية.. أي المرحلة الحساسة من عمرهن، وحقيقة معظم حالات العنف أو التنمر لدى الطالبات تأتي من جانب الأسرة، وهنا ذكرت لنا الأستاذة عايدة حادثة حصلت في مدرستها عندما اتفقت شعبة كاملة من الطالبات على التغيب فاستدعت أولياء أمورهن لتجد منهم محاولات تبرير كاذبة لتغيب فلذات أكبادهن.. فبعض الأمهات قلن أن بناتهن كانوا مرضى، والبعض تذرع بمناسبات عديدة.. فطلبت اجتماع أولياء أمور وقالت لهن أن هذه الحالة قد تتطور ، وقد تتغيب الفتاة لاحقاً دون علم أهلها ويحدث ما لا يحمد عقباه.. وطلبت منهن الاستماع إلى بناتهن جيداً وعدم ارهاقهن بأعمال المنزل ومقارنتهن بمثيلاتهن لأن ذلك يولد لديهن ردات فعل سلبية تؤثر على تكوين شخصيتهن..
المرشدة النفسية هناء أبو زايد قالت: دائماً نحث الطالبات على اكتشاف الجوانب الإيجابية في صديقاتهن، وطلبت منهن أن تكتب كل طالبة ثلاث صفات إيجابية عن كل واحدة في الصف بعد شجار حصل في إحدى الشعب، ليطغى الجو اﻹيجابي على الشعبة وعودة روح المحبة بين الطالبات.. الأستاذة روعة السيروان مديرة ثانوية عادلة بيهم الجزائرلي للبنات في المهاجرين أفادت أن بعض الأهالي مفصولين تماماً عن واقع بناتهن.. وأشارت السيروان إلى ظهور حالات جديدة من العنف وهو العنف اللفظي عن طريق مواقع التواصل اﻹجتماعي، فعند حدوث مشكلةٕ مايلجأ الأهل إلى هذه المواقع لنشر المشكلة بدلاً من مراجعة المدرسة والبحث عن أسباب وحل هذه المشكلة، وهذا مايطور الخلاف غالباً، وقد ينتقل من العنف اللفظي إلى وجوه أخرى من العنف الأشد..
وأضافت السيروان أن عنف البنات قد يختلف عن عنف الشباب، فيمكن اعتبارالغيرة هي بداية لمرحلة عنف قادمة، وذكرت لنا أن فتاتين تشاجرتا حول شاب خارج أسوار المدرسة، ما اضطرها إلى استدعاء أولياء أمورهن لحل الخلاف..
وقالت السيروان أن مدرستها تفتقر لوجود مرشد نفسي، وطالبت الوزارة بتأمين هذا المرشد لما له من دور هام في العملية التربوية، وقالت أن ما تبوح به الفتيات للمرشد النفسي لا يمكن أن يبحن به للمعلمات ..
مدارس شباب
فعلاً عنف الشباب يختلف عن عنف البنات كما قالت الأستاذة روعة السيروان.. وهو بحاجة إلى طرق معالجة تختلف عن طرق معالجة عنف البنات، فقد لاينتهي الأمر باستدعاء أولياء الأمور.. الأستاذ ماهر حمدان مدير ثانوية عبد الرؤوف سعيد بمساكن برزة تحدث عن حالة عنف من قبل والد أحد الطلاب تجاه إحدى موجهات مدرسته وقال أن تصرف الموجهة الخاطئ أدى إلى تفاقم الحالة، لكن ذلك لايلغي تصرف الأب العنيف، الذي قام بكسر بللور المكتب، والصراخ في وجهة الموجهة، وهذا التصرف مرفوض مهما يكن تصرف الموجهة خاطئاً، وطبعا كان الحل هنا هو نقل الطالب إلى مدرسة أخرى منعاً لتطور الخلاف، وأشار حمدان أنهم يقومون بجولات تفتيشية بين الفنية والأخرى خوفاً من وجود آلات عنيفة بين الطلاب قد تؤدي إلى مالا يحمد عقباه، وذكر حمدان حالة عثور على (موس) مع أحد الطلاب، ولدى استجوابه قال إنه يعمل في مطعم ويحتاجه في عمله، طبعاً تم مصادرة الموس وكتابة تعهد بعدم التكرار، وأضاف بالنهاية نحن نريد حلاً تربوياً وليس تأديبياً فقط، فطلابنا بمرحلة حساسة من العمر وهم بحاجة إلى معاملة خاصة في هذا العمر..
المرشدة النفسية سمر بيطار قالت أن الشاب في هذه المرحلة من العمر يحاول إثبات ذاته، وإبراز شخصيته، ونحن نحاول بالتعاون مع الأهل تكوين شخصية هذا الشاب بشكلٕ سليم عن طريق معرفة مدركات الطالب، والتقرب منه..
فيما تحدثت المرشدة النفسية أريج خزعل عن حادثة تنمر تعرض لها طالب صف عاشر بسبب شكله ، فتواصلت الأم مع المدرسة وشرحت مشكلة ابنها، وتم الحديث مع زملائه وحث الرجولة بداخلهم حتى تم وصل أواصرالصداقة بينه وبين زملائه، وانخرط الجميع في بوتقه الأخوة..
أما السيد محمد الحسين مدير إعدادية مروان علي البارودي فقال أن أغلب الأهالي لا يتابعون أبنائهم، وأشار إلى أن العنف قد يتطور من خلاف صغير، وأحياناً من مزحة صغيرة لا يتقبلها الطرف الآخر، فتتطور إلى شجار.. وأشار إلى أنه لا بد من الشدة في بعض المواقف لضبط الأمور ومنعا لتطورها، وعند السيطرة على الموقف ننتقل لمرحلة النصح، وأضاف لا بد من إعطاء الفرصة دائماً للطرف الأخر كي يفكر بخطئه، وفتح باب ثقافة الاعتذار من قبل المخطئ.. والاعتذار هنا دليل قوة وليس إشارة ضعف..
أما المرشدة النفسية شروق أبو حامد فتحدثت لنا عن فتاة حاولت الانتحار عندما كانت مرشدة نفسية في إحدى مدارس البنات.. الفتاة صف حادي عشر، أصيبت بعقدة نفسية بسبب تعامل ذويها معها والاعتداء عليها بالضرب، وتمييزها عن شقيقتيها حتى وصل بها الأمر إلى محاولة الإنتحار لكنها فشلت في ذلك، حاولنا التواصل مع الأهل فتبين لنا أن الأب غير سوي، ومتزوج من إمرأة آخرى غير أم الفتاة، عدا أنه دائماً تحت تأثير السكر الشديد.. وهنا عملنا على معالجة الفتاة ومتابعتها في المدرسة، والوقوف إلى جانبها حتى تحسنت حالتها..
نقطة نظام
بالتأكيد لا يمكننا السيطرة على حالات العنف بشكلٕ كامل، لكن بالإمكان الحد منها أو الحد من خطورتها.. فالأثاث البالي والمهترئ الذي وجدناه في بعض المدارس هو أحد أوجه تطور حالات العنف إلى الإيذاء، كأن يدفع أحد الطلاب زميله على مقعد مكسور لا يوجد فيه سوى الحديد.. وأمر آخر اتفق عليه مدراء المدارس، وطلبوا من وزارة التربية معالجته وإعادة التفكير فيه، وهو موضوع مدارس المتفوقين وإيلاءها الإهتمام دوناً عن باقي المدارس، من خلال سحب الطلاب المتفوقين والمتميزين من المدارس إلى مدارس المتفوقين، هذا أدى إلى القضاء على روح المنافسة بين الطلاب، وبالتالي اختيار صفوة المدرسين لمدارس المتفوقين، بينما معظم المدارس تعاني من نقص في الكادر التدريسي. وإن تم تعويضهم بالمكلفين فغالباً ما يكون المدرس المكلف بدون شخصية، وبالتالي عدم قدرته على ضبط الطلاب..
وقد كنا شهوداً على حادثة شجار بين طلاب وسنحتفظ باسم المدرسة لأنها لا تعكس حالة الانضباط التي وجدناه فيها حيث وقفت المعلمة وأخذت دور (المتفرج) على ما يحصل، حتى تدخل المدير وحل النزاع..
وختاماً نحن نضم صوتنا إلى صوت مدراء المدارس بأن تجربة مدارس المتفوقين هي أسوء قرار اتخذته وزارة التربية في تاريخها.. ونتمنى العودة عنه كي تصبح جميع المدارس في سوية واحدة من المستوى التعليمي، فهل من أذن صاغية؟..
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا