يعمل رجائي في تصليح الأدوات الكهربائية، التي ربما تعطلت بسبب تراقص التيار الكهربائي، أو انقطاعه والذي بات تحصيل حاصل في حياتنا اليومية، ومع ذلك تقف الكهرباء عائقاً أمام استيعاب كم الأدوات التي تحتاج تصليحاً، يتأفف رجائي كغيره من العمال الذين يصب عملهم في مجال الكهرباء، يقول: لا أملك المال الوفير كي أشتري مولدة كهربائية، وفي كل الأحوال عملي يستدعي الذهاب إلى المنازل كي أفحص الأدوات كالغسالة والبراد وغيرها، وهو ما يجعلني أنتظر الكهرباء ساعات طويلة بلا جدوى، فصرت أنتظر هاتفاً من الزبون يخبرني أن الكهرباء قد أتت، ما إن أصل بعد التأخر في زحمة الطريق حتى يبقى من الوقت ساعة أو أقل، ويتساءل: لماذا لا تكون ساعات التقنين ثلاث ساعات؟!.
يشتكي المواطنون من انقطاع الكهرباء صيفاً وشتاءً، تلوك ألسنتهم الكثير من الشتائم، تلعن الكهرباء وتلعن ظلمة الإرهاب الذي حرمهم من نِعم كثيرة، تأذى بعضهم وانقطع رزق بعضهم الآخر وهم أصحاب المهن التي تدور عجلة إنتاجهم على الكهرباء، فهم من طالبوا بنقل معاناتهم إلى المعنيين، وحملِ تساؤلاتهم لوضعها في جعبة وزارة الكهرباء التي يشكك بعضهم في عملها، رغم أنها تضررت مثلها مثل أي قطاع نتيجة الأعمال الإرهابية، فقد بلغت أضرارها منذ بدء الأزمة حتى أيلول العام الحالي نحو 381 مليار ليرة وفقاً للوزارة.
تلبية للحاجة
في حين كانت مروة التي تعمل في خياطة الملابس تتحكم مزاجيتها في عملها، أصبحت اليوم تعمل على مزاج قدوم الكهرباء التي تأتي «كحرامي» لا يمكن الإمساك به على حد قولها، هذا ما يتطلب منها عناء السهر لتترصد ساعات الكهرباء، فمن يرى أكوام الأقمشة المكومة في بيتها يدرك أن مروة قد تضررت وأنها خسرت نصف زبائنها الذين ذهبوا إلى خياطين يملكون مولدات تلبي طلباتهم للألبسة في وقتهم المحدد.وإن كان مجتمعنا قد تقبل ساعات التقنين التي فرضتها اعتداءات الإرهابيين على محطات التوليد وخزانات الوقود ومراكز التحويل وخطوط النقل والتوزيع، سعى المواطنون ولاسيما أصحاب الأعمال الكهربائية إلى الاستغناء عن ساعات التقنين، ومنهم شادي الذي يعمل في ورشات لتمديد الكهرباء في الشقق السكنية الجديدة، يحجز من راتبه الشهري أجرة مولدة كهرباء حتى يتمكن من إنهاء عمله وتسليم الشقة في الوقت المناسب، حال شادي كحال العديد من العمال الذين تتعطل أعمالهم نتيجة انقطاع الكهرباء، لكن ما يوده من المعنيين أن تحدد ساعات التقنين ليلاً أي بعد أن ينهي عمله نهاراً، رغم أن أصحاب الورشات الصغيرة هم الأقل حظاً، لأنه تتم تغذية ورشاتهم بوساطة خطوط كهربائية ضمن برنامج التقنين المعتمد للمناطق السكنية التي قسمت إلى مجموعتين أو ثلاث مجموعات، ويتم تبديل فترات التقنين أسبوعياً، لأن ساعات التقنين تحدد بحسب كمية الطاقة المتاحة في المحافظة.أعيدت معظم الأدوات الكهربائية إلى علبها، لأننا لا نستعملها إلا في المناسبات الضرورية، على حد قول «أم مروان» التي تطبخ لعدد من المنازل، تترحم على أيام زمان حين كان طبخ ربة المنزل بالطرق البدائية، من تقطيع الخضر والعجن وغيرها الكثير من الأعمال التي بات إنجازها يعتمد على الكهرباء، فهي تمضي وقتاً أطول في المطبخ لكنها تحضر ما هو صعب التحضير يدوياً في ساعات الكهرباء، وحاولت أكثر من مرة أن تطبخ في المنازل التي فيها مولدات كهربائية، لكنها لم تحبذ هذا، فهي حرة التصرف في منزلها وترتاح وهي تحضر الطعام فيه للآخرين، تقسط أم مروان ثمن مولدة كهرباء كي تستطيع أن تكمل عملها في أسرع وقت وخاصة في جو الشتاء وبرده القارس.
على خط التماس
الكوّى أبو معتصم نقل محله إلى منطقة الأشرفية، بحجة أن الكهرباء ليلاً دائمة الحضور فيها، حيث كان في السابق يؤجل موعد عمله إلى أوقات أخرى فهو يداوم في وظيفته صباحاً ويعمل في خياطة الألبسة وغسل الحرامات الشتوية وغيرها من الأقمشة التي تحتاج كهرباء ليلاً.لم تنف وزارة الكهرباء في ردها على تساؤلات المواطنين أن الكهرباء تبقى طوال الليل في المناطق الواقعة على تماس مباشر مع العصابات المسلحة، نظراً للظروف الأمنية و إلى حاجة جيشنا الباسل إلى التيار الكهربائي، حيث تسعى بكل طاقتها لتزويد تلك المناطق بالكهرباء خلال الفترة الليلية، أما أثناء الفترة النهارية فيتم تطبيق التقنين على تلك المناطق، وهذا ما استقطب الكثير من أصحاب المهن بنقل محلاتهم إليها.فالكثير مثل /أبو معتصم/ ساعده نقل محله في إتمام عمله وإنجازه رغم المخاطر التي تحيط به إلا أنه يستند في عمله إلى ما قاله الأجداد «مطرح ما ترزق الزق» وإن كان في مكانٍ خطر!إشاعات وشكوك!
من يثبت تلاعب ضعاف النفوس في تطبيق برنامج تقنين الكهرباء بين حيّ وآخر وخاصة في مناطق ريف دمشق، شكوك وظنون تبقى سيدة الموقف في أيام «التقنين»، تدور في أذهان البعض ومنهم الحرفيّ رضوان الذي اتصل هاتفياً بمكتب الطوارئ الذي وزعت رقمه المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء في الأحياء لتلقي الشكاوى، لكنه لم يلق نتيجة، فجاره النجار لا يزال يستجر الكهرباء من خط آخر ليعمل في «منشرته» من دون حسيب أو رقيب وهو ما يضر الشبكة الكهربائية و يزيد في أعطالها، في وقت تبقى الجولات الميدانية المفاجئة التي يقوم بها المديرون الفنيون ومعاونوهم على مراكز العمليات ومحطات التحويل الكهربائية، بتوجيه من الشركة العامة للكهرباء هي الإجراء الوحيد لتضبط حسن تطبيق برنامج التقنين، ويبقى توعّد الوزارة قائماً بأشد العقوبات بحق المخالفين الذين يقومون باستجرار الكهرباء بطرق غير مشروعة، فهل من مجيب؟
الكهرباء فاكهة الموسم
من منا لا يشعل المدفأة الكهربائية شتاءً، توفيراً لقطرات من مادة المازوت وللاحتفاظ بها إلى ساعات التقنين؟ فانخفاض درجات الحرارة ، سيزيد الطلب على الكهرباء، بسبب اعتماد المواطنين عليها للتدفئة بدلاً من اعتمادهم على مادة المازوت، ومن هنا كان لابد أن تسعى الوزارة إلى توسيع استطاعة المحولات وتركيب محولات إضافية ومد شبكات جديدة و ذلك لمجابهة الارتفاع المتوقع للطلب على الطاقة الكهربائية في فصل الشتاء.فما لا يعرفه المواطن أن عدد ساعات التقنين يتحكم به الإنتاج والاستهلاك، فوفقاً للوزارة إن التقنين يزيد أو ينخفض تبعاً لتوافر الوقود اللازم (فيول وغاز) لتشغيل محطات الكهرباء، وإن زيادة كمية هذه الطاقة سينعكس إيجاباً و سيؤدي إلى تخفيض ساعات التقنين وبالعكس.
استثناء من أجل المصلحة
لا يقدّر بعض المواطنين أن غياب الكهرباء عن منازلهم في ساعات، يعني أنها حاضرة ومتواصلة في المنشآت الخدمية التي تلبي حاجاتهم والمصلحة العامة كالمشافي والمخابز والمطاحن ومضخات آبار المياه، وغيرها، ولم تغب الكهرباء عن المنشآت الصناعية الكبيرة فقد خصصت لها ساعات تقنين بحسب حاجتها، يومين كاملين أسبوعياً، ثم يتم بعدها تأمين تغذية كهربائية مستمرة بقية أيام الأسبوع، وكذلك معامل الحرفيين وأصحاب الورشات في المناطق الصناعية حصراً فهي مزودة بالكهرباء بشكل مستمر لأنه لا توجد أحمال سكنية.تبقى الكهرباء عصب الحياة، الذي لا يمكن العيش من دونه، رغم أن إصلاح أضرارها شيء خطر، فقد بلغ عدد المصابين أثناء قيامهم بواجبهم في مقرات عملهم وفي ورشات الصيانة وإصلاح أعطال الشبكة /183/ مصاباً و/49/ مخطوفاً، ولم تكن الخسائر التي سجلتها الوزارة مادية، بل بشرية أيضاً فقد بلغ عدد شهداء القطاع الكهربائي حوالي /266/ عاملاً.
التاريخ - 2015-12-27 4:46 PM المشاهدات 1043
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا