شبكة سورية الحدث


إعادة تموضع للمسؤولين مسار تعيين كبار الموظفين خاطئ

 مَن بيده تعيين كبار موظفي الدولة، والمسؤولين في المفاصل الأساسية؟ ومن هي الجهات التي تقرّ الترشيحات؟ هذه القضية الأساسية، عادة ما تكون بيد أصحاب الأقلام الخضراء: رئاسة مجلس الوزراء، والوزراء والمحافظين، و غيرها من الجهات ذات العلاقة، كل هؤلاء هم المسؤولون عما يجري من مخالفات للقوانين، وترهّل في العمل، ويدرك هؤلاء أن القضية تبدأ بطرق التعيين والاختيار، ولا تنتهي بمجرد إقالة المسؤول المخالف.يتناوب عدد قليل من الشخصيات على بعض المواقع المهمة، والمؤسسات الاقتصادية، ويستحوذون على المراكز الأولى، ويديرون فعلياً مختلف أوجه العمل الحكومي. هؤلاء هم مشكلة بحد ذاتها، في وقت يصعب التخلص منهم، نظراً لخبراتهم في المحافظة على المنصب، وقدراتهم الإدارية في كسب رضا صنّاع القرار.هي مهزلة إدارية، ألا يُحاسب مدير عما فعله؟ وماذا أنجز في عام؟ وأين أصاب وأين فشل؟ و ما يثير القلق على مستقبل الإدارة، هو بناء هؤلاء المسؤولين تحصينات كبرى، وشبكات قوية، مهمتها الأساسية ليس تطوير العمل، بل المحافظة على الواقع الراهن، وتحييد عمل مؤسساتهم، ودفعها إلى الظل، لتبقى مؤسسات بعيدة عن متناول الرقابة والحساب، مؤسسات منسية تماماً. وساهمت حكومات سابقة، في الدفع بهذا الاتجاه المدمِّر إدارياً، تمهيداً للانقضاض على هذه المؤسسات وتصفيتها لاحقاً.السؤال الجوهري: كيف يمكن التخلص من مديرين، عفّى عليهم الزمن، وتلك الشخصيات التي أتت إلى الإدارة بحكم المصادفة؟ لا نجافي الحقيقة، بإقرارنا وجود صعوبات كبيرة تقف أمام هذا المطلب القديم المتجدد، وفشل معظم محاولات تغيير عدد من المسؤولين، رغم ثبات فسادهم، أو ضعف إدارتهم، أو عدم قدرتهم الفعلية على تطوير العمل. وما ينشره الجهاز المركزي للرقابة المالية في تقريره السنوي (عادة لا ينشر)، عن حجم خسائر مؤسسات القطاع العام، والمخالفات المرتكبة في تطبيق القانون، يعكس الحالة المزرية لسوء الائتمان على المصلحة العامة والمال العام، ويدل على أن عدداً كبيراً من هؤلاء المسؤولين لا يعرفون من الإدارة سوى الجلوس على كرسي المنصب، بينما العمل يسير كما هو، بعفوية. فكيف أتى هؤلاء إلى مناصبهم؟لا يوجد غموض في التعيينات الإدارية العليا، فالقضية واضحة، وتحكمها لعبة المصالح، وتوازن الترشيحات لصنّاع القرار. ويخطئ من يظن أن أصحاب الأقلام الخضراء، لا يعون هذه المعضلة، أو أنهم لا يعرفون كيف تصل الترشيحات إلى مكاتبهم. إذ إنهم على دراية تامة، بأسباب استبعاد هذا المرشح للمنصب، واختيار آخر لا يتمتع بالكفاءة، أو البحث عن أسماء وشخصيات تعمل بهدوء وفي الظل، ليكون وجودها في المنصب مرتبطاً بمن عيّنها، ومن منحها حقاً لا تحلم به.ومن الأمثلة التي يمكن الاستناد إليها في هذا المجال ، قضية التغييرات الأخيرة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، التي أساسها الحقيقي الخلاف وعدم الانسجام بين الوزير همام الجزائري ومعاونه حيّان سلمان، وتطورت المشكلة منذ أشهر دفعت بالمعاون سلمان إلى الاستقالة من رئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، وغيرها من السلوكيات التي سمعنا عنها، ولا ترقى لرسم علاقة بين وزير ومعاونه، في وزارة رئيسية، فكانت النتيجة تغييرات تشبه إرضاء الجميع، وإعادة تموضع للمسؤولين.ومن المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة في البلاد، المزيد من التغييرات، وألا تتوقف هذه العملية لغاية الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب. فهناك عدد من كبار الموظفين، طُلب منهم الترشح، وهذه عادة تعتبر أحد المخارج المتبعة، لإنهاء تكليف مديرين عامين، ومنحهم صكّ مكافأة نهاية الخدمة، وإخراجهم من الحياة العامة بطريقة جميلة.تتمثل مشكلة التعيينات برضوخها التام للولاء، وغياب المعايير الواضحة كالكفاءة والخبرة والنزاهة، فضلاً عن عدم وجود مشاريع وخطط بيد المعنيين، وغيرها من المعايير التي لا تحتاج إلى خطط وبرامج، إنما فقط إلى رغبة في اتخاذ القرار الصحيح. ويتصل هذا الموضوع بشكل مباشر بالإصلاح الإداري، ومن الواضح أن تأجيل إطلاق هذا الإصلاح، الذي تقر بضرورته كل الفعاليات السياسية والأكاديمية والاقتصادية والنقابية ...الخ، هو إحدى أخطر المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، والتي تهدد أيّ محاولة جريئة لمعالجة المرض المتضخم أي الفساد. إذ إن القوانين وحدها لا تكفي، والأنظمة لا تردع، بل إن مطبّقيها، والقائمين عليها، هم الذين يمكنهم سدّ الثغرات. وهؤلاء يشكّلون الملح، وإذا كان فاسداً فبماذا يُملّح؟بمعنى أكثر دقةً ووضوحاً، المشكلة الحقيقية ليست في الإقالات، إنما لها شقّ آخر أكثر خطورة، يتعلق بالتعيينات. تعيين مدير عام أو غيره من كبار الموظفين عملية غير سهلة، لكنها تجري ببساطة في سورية، تصدر القرارات دونما وضوح، غير مشفوعة بمؤهلات المرشحين لها. هذا الإجراء يخرق كل القوانين، وتكون نتيجته بالعموم مؤذية على مستوى البلاد، فالطريق الخاطئ سيؤدي إلى نتيجة خاطئة. ولنبحث عن قصص نجاح حقيقية لكبار الموظفين، ولماذا لا تنتشر ثقافة مفادها الموظف الأقرب إلى المواطنين، لاسيما في المؤسسات التي لها علاقة مباشرة مع الناس، مراكز خدمة المواطن أنموذجاً؟ يصعب إيجاد نماذج وقصص كهذه، لا ندعي افتقادها، لكن وجودها صعب جداً.باختصار، تكمن الصعوبة البالغة، والمسؤولية الوطنية، في التعيينات، وطرائق الاختيار، وهذا يتطلب تصحيحاً لمسار التعيينات، لا إتحافنا بالمزيد من الإقالات المبهمة.تامر قرقوط
التاريخ - 2016-03-10 11:45 PM المشاهدات 826

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم