خاص - بقلم محمد الحلبي – رولا نويساتي - تاء التأنيث ونون النسوة تغزين أسواق العمل السورية ...تشغيل الإناث خيار استراتيجي يفرض نفسه في ظل الأزمةعوامل كثيرة أثّرت على فرص العمل في سورية خلال الخمس سنوات الماضية وقلبت الموازين، وجعلت من جمع المؤنث السالم الخيار الوحيد لسد الشواغر المتوفرة في القطاعين العام والخاص.. إذ بات لا يخفَ عن أحد نزوح الكوادر الشابة من الذكور إلى خارج البلاد لأسباب كثيرة أو التحاقهم بالجيش والقوات المسلحة، كل ذلك أدى إلى ارتفاع أسهم الإناث في السيطرة على فرص العمل المتاحة، وأمام هذا الواقع المفروض اضطر العديد من أصحاب الفعاليات الاقتصادية والسياحية وحتى الحكومية إلى القبول بهذا الواقع المفروض، واستقبال البديل المتاح – ونقصد الإناث – في الوظائف التي كان يسيطر عليها الشبان ويعتبرونها خطاً أحمراً لا يمكن لأي فتاة القبول بها سابقاً، كنادلة في مطعم أو صبي نارة في مقهى وحتى في وظيفة سائق خاص..هذه النتائج التي أفرزتها الأزمة لها أسباب ومسببات لا بد من تسليط الضوء عليها، والبحث في أسبابها التي دفعت بالقطاعين العام والخاص إلى الاستعانة بالكوادر المؤنثة لسد الفراغ الذي تركه أقرانهم من الذكور، فمن هذه الأسباب:أولاً – سد النقص وملأ الشواغرجولة بسيطة على الجامعات تكفي لوضع نسبة تقديرية بين أعداد الطلاب الذكور مقارنةً بالإناث، وهذا طبعاً ينعكس على سوق العمل بشكلٍ مباشر، فأعداد الخريجات هو أضعاف أعداد الخريجين الشباب، وهذا الأمر بالطبع يدفع الشباب المتبقي إلى السعي وراء وظائف القطاع الخاص، حيث يفوق راتب التعيين الراتب المقدم من قبل الحكومة، وخاصةً إذا كان الخريج صاحب اختصاص عملي ويمتلك بعض الخبرة ليتخطفه أرباب العمل في القطاع الخاص، أما باقي الاختصاصات وخاصة المكتبية فلا بأس أن تشغلها الإناث.. أما في القطاع الحكومي ومن خلال النظر إلى نتائج أي مسابقة حكومية جرت مؤخراً في ظل الأزمة، ولأي جهة كانت نجد أن أسماء الناجحات في هذه المسابقات يفوق الـ 90% وعلى أقل تقدير، وإذا ما نظرنا إلى أوضاع الشباب الناجحون في هذه المسابقات سنجد بكل بساطة إنه إما وحيد أو معفى من الخدمة الإلزامية..وكأن شرط تاء التأنيث أو نون النسوة وإن لم يذكر صراحةً بات أحد الشروط لخوض غمار أي مسابقة حكومية ولكنه مخفيٌّ بين الأسطر، وإذا ما بقيت الأمور على هذه الحال فمن المؤكد أن دوائرنا الحكومية ستصبح عمّا قريب بإدارات وكوادر مؤنثة دون أدنى شك، وسيصعب تقبل الذكور بينهم لسنوات طويلة، وخصوصاً إذا ما أصبحت اللجان التي تقوم على انتقاء الموظفين من العناصر المؤنثة أيضاً، أما في القطاع الخاص فبات من الطبيعي أن تجد بائعة حلويات أو نادلة مطعم أو صبية نارة ومعلمة أركيلة أو سائقة خاصة كما أسلفنا في مقدمة المقال..على لسان أصحابهاكانت تحمل منقلاً للفحم وتتجول بين الطاولات، سألناها عن هذه الجرأة التي تمتلكها فقالت إنها طالبة جامعية تدرس في كلية الآداب، وإنها ترددت كثيراً قبل الخوض في غمار هذه المهنة الغريبة بالنسبة للفتيات إذ إنها كانت حكراً على الشبان فقط، لكن الراتب المغري والإكراميات التي تأتيها من قبل الزبائن أنساها حاجز الرهبة والخجل من هذه المهنة.. فيما تقول صديقتها (رهام) والتي تعمل معها في ذات المقهى أن إحدى قريباتها تعمل كسائق خاص عند إحدى العائلات، وتقوم بجلب احتياجات صاحبة المنزل، وتقوم بإيصال الأطفال إلى مدارسهم وترافقهم إلى الحديقة، بالإضافة إلى قيامها بالعديد من المهام التي كانت توكل إلى السائق الخاص..ثانياً – تدني الأجورسمة جديدة تجعل من أرباب العمل في القطاع الخاص على وجه التحديد تتجه نحو اليد العاملة المؤنثة لسد الشواغر المتوفرة لديهم ، إذ أن الأنثى تقبل في كثيرٍ من الأحيان بنصف الأجر الذي يتقاضاه الرجل عن نفس العمل، وهذه الميزة وحدها تدفع أرباب العمل إلى اصطياد عدّة عصافير بتاء تأنيث واحدة في ظل الظروف التي نعيشها، الأجر القليل، وزيادة عدد العاملات مما يعني زيادة الإنتاج.. الدقة والإتقان في بعض الوظائف التي تتطلب الهدوء إذ أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن الإناث أكثر دقة واتقاناً للأعمال التي تتطلب الهدوء والتروي.. الإطاعة وتنفيذ الأوامر بدقة دون اعتراض على عكس الشبان الذين غالباً ما يتمرَّدون على صاحب العمل عند أي مشكلة تصادفهم، وأخيراً قبول الإناث العمل لساعات طويلة بذات الأجر دون تعويضهم بأجرٍ إضافي، ويهضم حقهم غالباً أيضاً من خلال عدم تسجيلهم في مؤسسة التأمينات الاجتماعية دون أي اعتراض تحت طائلة الطرد من العمل..يقول السيد (أبو علاء) صاحب معمل حلويات: حقيقة لا يمكننا أن ننكر أن إنتاجية الشباب من حيث الكم هي الأجدى، لكن مع هجرة اليد العاملة فرض علينا الاستعانة بالكوادر المؤنثة في بعض الوظائف، واستطعنا التغلب على معضلة الكم بالإنتاج من خلال زيادة الكادر، لكن هناك أعمال مجهدة لا تستطيع الإناث القيام بها، كحمل أكياس الطحين والسكر مما يعيق ويؤخر حركة الإنتاج أحياناً..محاولة لكسر تاء التأنيث ولكن؟؟!إحدى الجهات العامة وفي سابقة تبدو غريبة نوعاً ما في قطاعاتنا الحكومية طلبت إحدى المؤسسات لملء الشواغر المتوفرة لديها ذكوراً فقط وتحت سن الـ35 عاماً، وحقيقة لا نعرف هنا هل هذا ضرباً من الخيال أم هي شروط تعجيزية فقط، حيث أشرنا في بداية المقال أن الشبان في هذا العمر إما أنهم التحقوا بالخدمة الإلزامية والاحتياطية أو أنهم خارج البلاد، فمن هم الذين سيتقدمون لهذه المسابقة إذا ما علمنا أن القطاع الخاص يقدم عروضاً لاستقطاب الشبان للعمل برواتب لا تستطيع الحكومة تقديمها إلا إذا استثنينا شرط الخبرة والكفاءة، ليطفوا على السطح من جديد خيار الأنوثة كحلٍ وحيدٍ وبديل..نقطة نظامهذه الحال التي وصلت إليها البلاد بعد خمس سنوات من عمر الأزمة ينذر بواقعٍ كارثي لا يقل خطورة عن دمار البنى التحتية جرّاء الحرب الطاحنة على أرض الوطن واستنزاف الكوادر البشرية فيه، وإن نزوح وهجرة بعض الشبان خارج البلاد واستشهاد البعض الآخر في الحرب أو حتى التحاق بعض الشبان بالمجموعات المسلحة بعد أن غرر بهم يصبون في بوتقة واحدة ألا وهي خسارة الوطن لأبنائه، وهذه القضية من وجهة نظرنا بحاجة لدراسة لا تقل أهمية عن دراسة مرحلة إعادة إعمار الوطن، إما من خلال ضمان وظيفة للشبان الذي دافعوا عن تراب الوطن بعد انتهاء واجبهم النضالي، أو تخصيص مقاعد خاصة بهم في الوظائف الحكومية عبر المسابقات التي تجريها الحكومة، أو من خلال برامج تشغيل الشباب أسوةَ بأبناء الشهداء أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فالوطن يكبر بأبنائه ويعمَّر ويبنى بسواعدهم..


التاريخ - 2016-03-14 12:46 AM المشاهدات 1293
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا