شبكة سورية الحدث


تقاطع الأهداف في الحرب على داعش

مكتب الميادين في واشنطن بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية والعربية، يقرأ فرص نجاح تركيا في مشاركة واشنطن في الحرب على "داعش"، وحظوظ فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا وما يعترضه من عقبات، إضافة إلى القائه الضوء على الخلافات السياسية والأمنية الأميركية حول هذه الحرب ومآلاتها.   في زمن اشتعال الحروب تعيد القوى والدول المختلفة إصطفافاتها وتتقاطع تحالفاتها مرحلياً، وتتضافر جهودها أمام عدو مشترك، كما شهدت الحرب العالمية الثانية بتحالف نظم سياسية واقتصادية متناقضة، الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة. مرحلة التنسيق وتوحيد الجهود آنئذ غابت تماماً عن اللوحة الراهنة في محاربة "داعش" وتجلياتها في الإقليم.   بيد أن التحالف وتقاطع المصالح ليست ظاهرة ثابتة ومرشحة إلى التبدل والتغيير والتعارض والتناقض في مرحلة أخرى. القاسم المشترك الجامع "لتحالف واشنطن" هو الرغبة لدى البعض لوقف اندفاعة وتحجيم "داعش" وليس القضاء عليه، كما يزعم الخطاب السياسي الأميركي، في سوريا بؤرة الصراع الراهن. أما الأداة الأوفر حظاً للقيام بتلك المهمة فيبدو أنها أوكلت لتركيا، عضو حلف الناتو النشط المفرط بحماس للتدخل، والتي أخرجت الصيغة المطلوبة دون عناء عبر برلمانها الذي يسيطر عليه حزب أردوغان "العدالة والتنمية".   تقدم "داعش" بسرعة ملفتة للانتباه في شمالي سوريا، ووصل قرب الحدود التركية إلى مسافة لا تتعدى 5 كلم، عند مدينة عين العرب – كوباني. تركيا مثلت الحاضنة والداعمة للعناصر المسلحة بكافة أطيافها وتلاوينها بغية تقويض واسقاط الدولة والكيان السوري. وقد أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً أبعاد القرار التركي إذ "أبلغ نائب رئيس الوزراء بولنت آرينك الصحافيين أن الاقتراح الحكومي المقدم للبرلمان سيتضمن مروحة واسعة من الخيارات، بما فيها فتح القواعد التركية أمام الجيوش الأجنبية والقوات التي في طريقها للإنتشار وإقامة ملاذات آمنة للاجئين داخل الأراضي السورية. ترغب الحكومة في نتيجة تصويت واسعة لتفادي اللجوء مرة أخرى للحصول على تفويض برلماني للعمل العسكري".   لتركيا حسابات إضافية تميزها عن الدول المنضوية في "تحالف واشنطن" سيما وعينها على "إحباط" عرى الترابط الوثيق بين أكراد تركيا والأكراد في سوريا، في الدفاع عن مدينة عين العرب المهددة بالسقوط بايدي "داعش". ضرب "داعش" حصاراً على المدينة أدى لفرار ما لا يقل عن 160،000 من سكانها باتجاه الأراضي التركية القريبة، أرفقه بإطلاق بعض القذائف التي سقطت داخل الأراضي التركية. استثمرت تركيا اللحظة وحشدت بعض قواتها المقاتلة بكامل تجهيزاتها العسكرية لافشال تبلور وحدة ميدانية بين القوى الكردية بالدرجة الأولى، وإدراكها أن "داعش" لا يضمر نوايا بالاستيلاء على أراضي تركية.   دأبت تركيا وبثبات على "المطالبة بإنشاء منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية" الحدودية للنيل من السيادة السورية، وإتاحة الفرصة لمخططاتها بقضم أراضي عربية جديدة سيما وأن قوى المعارضة السورية المسلحة مدينة لها بالكامل. يذكر أن الهدف المذكور ايضاً نادت به الولايات المتحدة طويلاً على امتداد الأزمة، وبرز بقوة عام 2013 على خلفية أزمة الأسلحة الكيميائية السورية وتوثب أميركا لشن عدوان مباشر على الأراضي السورية قبل إحباطه ببراعة من أصحاب الشأن.   في المستجدات الأخيرة، وبالنظر إلى تواضع عدد القطعات البحرية الأميركية المتوفرة في المنطقة، أضحى إنشاء تلك المنطقة أمراً مستبعداً مقارنة بما كان عليه الوضع العام الماضي وارتفاع سعير العدوان على سوريا. حرصت الولايات المتحدة على تفادي الاشتباك مع الجيش السوري مسخّرة عدد من الأطراف تحمل رسائل لطمأنة دمشق بأنها لن تنقض عليها وعلى الأخيرة العمل بالمثل. ووصفت عمل شبكات أجهزة الرادار السورية بأنها "ساكنة" خلال طلعات الإغارة، بيد أنها لا تبدي تعاوناً معها، وبالتالي لوحظ غياب المسألة من التداول الإعلامي اليومي ولم يسجل أي شكوى من الطرفين.   فرض منطقة حظر جوي سيواجه بتحرك عدد من الأطراف على الصعيد الدولي والديبلوماسي، ويقين البعض أن سوريا سترسل احتجاجاً لدى الأمم المتحدة بدعم من روسيا والصين وإيران و"دول البريكس" الأخرى، مما سيعرض الخطوة الأميركية إلى مزيد من العزلة على الأقل.   الخيار المتاح أمام الولايات المتحدة في هذا الشأن هو طمأنة تركيا بأن سوريا لن تتعرض لقواتها في محاربة "داعش"، والأفضل مواجهتها هناك بعيداً عن الأراضي التركية. تعي تركيا وتخشى بأس سلاح الجو والدفاعات الجوية السورية، سيما بعد اسقاطه إحدى طائراتها المقاتلة في عرض البحر قبالة الشواطىء السورية، في 22 حزيران 2012؛ وأي مواجهة غير محسوبة بدقة ستأتي بنتائج عكسية لأهدافها في تقويض وإسقاط الدولة السورية. وتدرك أيضاً أن تحركها في تلك المنطقة الحدودية، إن تم، سيصطدم بالوجود الكردي على جانبي الحدود والذي من شأنه تعزيز مكانة القوة الكردية المسلحة، ليس أقلها غريمها الأساس "حزب العمال الكردستاني"، الذي حذر رئيسه المعتقل لديها، عبد الله اوجلان، الحكومة التركية من مغبة التدخل العسكري بحجة محاربة "داعش".   عند هذا المنعطف، تتباعد الأهداف الأميركية والتركية. إذ شنت الولايات المتحدة غاراتها الجوية ضد "داعش" دعماً للقوى الكردية في العراق بالدرجة الأولى والتي لها المصلحة الأكبر في إبطاء تقدم "داعش". وتوضح بيانات وزارة الدفاع الأميركية أن ما يربو على نصف مجموع الغارات الجوية، الاميركية والبريطانية، كانت لدعم القوات الكردية ومكنتها من اتخاذ زمام المبادرة وشن هجمات لاستعادة عدد من البلدات العراقية بعد سقوطها بأيدي "داعش".   تتمحور الاستراتيجية الاميركية الراهنة حول استدراج اكبر عدد من مقاتلي "داعش" من الاراضي العراقية باتجاه الاراضي السورية وابعادها عن "تهديد اربيل"، وحصر نشاطها ما امكن داخل سوريا. في هذا الصدد، نقلت شبكة "فوكس نيوز" عن مصادر خاصة بها داخل وكالة الاستخبارات المركزية تفيد بأن ضباطها يترددون بالمغامرة في ارسال عناصر استخباراتية اميركية داخل الاراضي السورية خشية مفاقمة الاوضاع بما فيها تعرضهم للاعتقال.   اما "حلفاء" اميركا من دول الخليج العربي فقد بدأت تستشعر خطورة "داعش" على أمنها خاصة في الجزيرة العربية والاردن، وقلقون ايضاً من ان تؤتي الغارات الجوية أكلها وتسهم في اضعاف "داعش" في الاراضي العراقية لخشيتهم من تعزيز دور ايران وحلفائها في المنطقة. وعليه ابدوا حماسة منقطعة النظير لشن غارات جوية واخرى ميدانية داخل الاراضي السورية طمعاً في تحقيق مطالبهم بتقويض الدولة السورية.   أميركا غارقة في التردد تعاني الولايات المتحدة من غياب الاجماع الشعبي والسياسي حول سياسة الانخراط مجدداً في حرب مفتوحة ليس لها افق "تستمر لعدة سنوات". فقواعد الحزب الديموقراطي المناهضة للحرب اسمعت صوتها لاوباما وقادة الحزب بان اقصى ما يمكنها التأقلم معه هو ضربات عسكرية ضد "داعش"، من دون التفكير بنشر أي قوات برية سواء في العراق او سوريا. وتفاقمت الازمة الداخلية عقب اقدام شخص اعتنق الاسلام جز عنق زميلته في العمل في ولاية اوكلاهوما الاسبوع الماضي على نسق اسلوب "داعش".   من الثابت ان تطورات "الشرق الاوسط" بكل تجلياتها وتنوعاتها ستسهم في نتائج جولة الانتخابات النصفية المقبلة، وما يراه البعض تراجع قدرة الحزب الديموقراطي الاحتفاظ بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ. في هذا السياق، اتهم الحزب الجمهوري عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ عن الحزب الديموقراطي، كاي هاغان، بالتغيب عن نحو نصف عدد الجلسات التي عقدتها اللجنة؛ فضلا عن  سكوتها المطبق حول سياسات الرئيس اوباما السابقة حول الارهاب"، واخفقت في رؤية وتلمس تنامي شبح داعش"، اذن هي بداية السباق والمزايدة الانتخابية.   وكذلك الامر في شيطنة النواب عن الحزب الديموقراطي في ولاية نيو هامبشير، مثلا اذ اتهم خصم النائبة جين شاهين والرئيس اوباما سوية "بالذهول والحيرة" حيال خطر "داعش" على الاراضي الاميركية. الخطاب السياسي للرئيس اوباما الموجه للعامة لم يحقق مراميه، اذ ينظر اليه جزء كبير من الناخبين بان رده يتسم بالضعف، وعند بدئه الغارات الجوية اعتبرها معظم المعنيين من الخبراء بأن فعاليتها محدودة.   امام هذا التناقض لجأ اوباما لالقاء اللوم على الاجهزة الاستخبارية بتقصيرها في لفت انتباهه مبكراً، مما استدعى ردود افعال غاضبة فورية واتهامه "بعدم الاكتراث للتقارير الاستخبارية المقدمة للبيت الابيض"، واضطرت للكشف عن بعضها، لعام 2012، دون تعريض تصنيف السرية للخطر.   واستدرك اوباما التداعيات المحتملة سريعاً واعلن عن ارساله نحو 2000 عنصر من قوات سلاح مشاة البحرية، المارينز، الى الكويت كمحطة انطلاق لنشاطاتها المختلفة في عموم المنطقة، يعززها تجهيزات عسكرية خاصة بها تشمل طائرات النقل الضخمة من طراز سي-130 وطائرات عمودية هجومية.   ومن بين المهام الاساسية الموكلة لتلك القوة انجاز عملية اجلاء الرعايا الاميركيين من بغداد ان استمر داعش في اندفاعه بالقرب من بغداد، سيما وانها تضم الفوج الثامن في سلاح المارينز الذي انجز اجلاء ما ينوف عن 150 فرداً من الرعايا الاميركيين بطرابلس في حزيران الماضي، ونقلهم براً لتونس في رحلة استغرقت نحو 6 ساعات على متن 40 سيارة ذات دفع رباعي، برفقة طائرات مقاتلة: اف-16، ام في-22ب اوسبري، وناقلة نفط من طراز كيه سي-130 ج. يذكر ان السفيرة الاميركية دبوره جونز احجمت عن استخدام الطائرات العمودية من طراز ام في-22 في عملية الاجلاء بدافع الخطورة.   وتعول الاستراتيجية الاميركية على تلك القوة من المارينز، والتي سيتم رفدها بمزيد من القوات والتجهيزات تباعاً، للدفاع عن دول الخليج ان تعرضت لتهديد "داعش". اتخاذ الكويت مقراً لها اتى بدافع ضمان عدم وقوع حقول النفط في الجزيرة العربية بايدي "داعش"، ولطمأنة الدول الخليجية القلقة من تنامي النفوذ الايراني.   ويجمع اطراف "حلف واشنطن" على ضرورة التصدي لداعش وتتباين المواقف في العداء والقضاء عليه. فالدول الخليجية كانت دوماً جاهزة لتمويل مغامرات واشنطن وترمي لتوظيف التنظيم او مشتقاته وتفرعاته لانجاز هدفها المركزي في تقويض الدولة السورية، وهو الهدف الاوحد الذي يحقق اجماع كافة اطراف الحلف.   بعض الدول الاوروبية المشاركة، الدانمارك وفرنسا وبلجيكا وهولندا، توفر مساندة ودعم للقوات الاميركية فوق اجواء العراق حصراً، في تباين واضح مع دول الخليج المشاركة والاردن ايضاً. دخول تركيا المتأخر وانضمامها للحلف يفاقم حالة الانقسام بين الاطراف المتعددة. نواة تحرك تركيا وهاجسها هو التصدي والحد من تطلعات الاكراد وتحجيم "داعش" وادامة دوره في خاصرة سوريا للحيلولة دون نهوضها وابقائها ممزقة وضعيفة. تركيا ايضا تطمح للعب دور اقليمي بارز الامر الذي يتباين مع تطلعات آل سعود للعب الدور الاكبر.   من نافل القول ان الرئيس اوباما يدرك بتمايز خطابه السياسي عن سياساته العملية، وهو الذي فاز بالانتخابات لمعارضته لشن الحروب والتزامه بانهاء حربي افغانستان والعراق، وما لبث ان وجد نفسه امام غالبية غاضبة من الشعب الاميركي لانزلاق الاوضاع في المنطقة الى مديات خطيرة؛ فضلا عن معارضة قواعده الانتخابية بشدة لمغامرات عسكرية جديدة في العراق وسورية. من شأن اي زلة سياسية من قبله ان تطيح بسيطرة حزبه الديموقراطي على مجلس الشيوخ وما سيترتب عليه من تجميد لاي مبادرة او اجراء قد يتخذه بعد موسم الانتخابات في تشرين الثاني المقبل.   فيما يخص "داعش" فان التحالف الذي انجزته واشنطن بالتهديد والترغيب لا يستند على اسس متينة وعلاقات اطرافه هلامية باستثناء الحلفاء الاوروبيين والاستراليين التقليديين. ويبقى عرضة للانهيار جراء التطورات المتسارعة.
التاريخ - 2014-10-04 6:31 PM المشاهدات 1288

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا