شبكة سورية الحدث


الجامعة العربية ضمن وثيقة استنهاض الفكر النهضوي

الجامعة العربية ضمن وثيقة استنهاض الفكر النهضوي


سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد العماطوري   


لقد قد أشرنا في مقال سابق لنا، ضمن وثيقة رسمية تضمنها كتاب /ذاكرة الثورة عامي 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/ للكاتب والمؤرخ المهندس سميح متعب الجباعي، حول تأسيس الجامعة العربية، واستكمال الرؤية التاريخية والفكر النهضوي العربية والمد القومي الثوري الذي كان سائداً في زمن الصراع على تحقيق الاستقلال الكامل، وفق ما أشار إليه المجاهد "فؤاد سليم" لتأسيس الجامعة العربية وكيف ارتبط تأسيسها لغاية أرادها الغرب استعماراً جديداً للسيطرة على قرار ومقدرات الشرق العربية من خلال العرب أنفسهم وقرارتهم، وبالتالي عملوا على انتشار التفرقة السياسية والتقسيم الدولي بحيث قسموا الخليج العربي إلى دويلات صغيرة وأمارات لشيوخ وقبائل، وشجعوا المفهوم القبلي والعشائري على حساب العمق الفكري التوحيدي للبنية التركيبية للإرادة الواحدة والشعب الذي تجمعهم اللغة المشتركة والعادات والمعتقدات، وهذا ما أفرز نوعاً جديداً في الاستراتيجية الاستعمارية عندما تم الكشف عن المقدرات والموارد والثروات الباطنية (النفط)، ووضعوا أسساً لعدم استقرار المنطقة بمخطط جديد وخلق كيان غريب عضوي بنيوي بثقافة مختلفة وسلوك متعارض ينسجم مع تطلعات الغرب على حساب الشرق وعاداته وثقافته، لكن الكاتب في منجزه الثقافي أراد أن ينقل اللحظة التاريخية بمصداقية كيف كان الشعور الوطني القومي، والفكر النهضوي العربي من أصحاب اليقظة وتأثيرهم على الثقافة العربية... 
ويذكر الباحث المهندس سميح متعب الجباعي استكمالاً لوثيقته الواردة في منجزه والتي نهيب لمن أراد الاطلاع عليها تفصيلا العودة للكتاب بالقول: 
غير أنّ استمرار الأقطار العربيّة على التّقاطع والتّفرق فيما تقوم به السياسيّة لا يرجى له بقاء طويل بعد الآن، فالاتّصال الفكري يزداد يوماً بعد يوم، والتّعاطف يقوى كلّما تمادى مغتصبو البلاد العربية استبداداً، وفكرة التّضامن تنتشر وتتأصّل شيئًا فشيئًا كأنّها تسير جنباً إلى جنب مع الرّوح الوطنيّة في كلّ مكان، ولا غرابة في ذلك، لأنّ التّعاطف مقدّمة التّضامن، وهو طبيعي بين أبناء الأمّة الواحدة، لا تنصرف عنه الأفكار إلاّ في حالة تحوّل الرّوح القوميّة وانحطاط الشّعور الوطنيّ، أمّا في عهد اليقظة الذي صارت إليه البلاد العربيّة اليوم فلا مندوحة من أن يتقدّم شعور العطف المتبادل إلى الأمام، ولا خوف من تراجعه بعد أن ظهر وخطا خطواته المعروفة والذي يخشاه النّاهبون إنّما هو هذا التّضامن الذي تجدُّ البلاد العربيّة في سيرها نحو كعبته المقدّسة بحكم الاضطرار. وطبيعة الأحوال، والذين يقلقهم أمرهم حقّاً ليسوا عرب اليوم. لا يزالون في مهد تنظيم قضيّتهم التي ما انفكّت منذ عرف أمرها تتلوّى على أيدي الإنكليز وصنائعهم! وإنّما هم عرب الغد وجامعتهم القويّة التي ستكون من صنع أيديهم ومن ثمرات شعورهم. عرب الغد الذين سيكونون يداً واحدةً على المؤتمرين بهم، وحرباً على هذا النّهم الإنكليزيّ الذي لا يدركه شبعٌ ، وذلك السّعار الفرنسيّ الذي يعيد إلى الذّاكرة حكاية البقرات السّبع العجاف في حلم فرعون ،إذ هو يستشري ويزداد هياجاً كلّما تضاءل جسم هذه الدّولة وقلّت مواليد شعبها المتناقص ،ثم ذلك الجشع الإيطالي الذي لا تكاد تخمد ناره في إلتهامه اليمن حتّى تحتدم في (جنوب) السّودان ، فكأنّما هو ساعور يسهر على إحيائه الزّبانية .ويبحثون له عن وقود في كل قفر وخصاب والذي يراه المتأمّل في خلال هذه الشّبكة العظيمة من الاتّصالات الفكريّة والماديّة التي تجمع بين أبناء اللغة العربيّة في مختلف بلادهم، وتتبسّط وتزداد سعة وشمولا يوماً عن يوم ، أنّ الشّعب المصري وهو أكبر وأغنى الشّعوب العربيّة ، أخذ يتأثّر بما يجري في الشّام والعراق وبلاد الجزيرة العربيّة ،وينفعل بما ينعكس عن شعوب هذه الأقطار من العطف على قضيّته الوطنيّة .وهذه التّأثّر لا يزال ضئيلا غير أنّ التّطوّر الذي يلاحظه المتتبّع بالأفكار والنّظريات السّياسيّة في مصر وأخواتها العربيّات يدعو إلى التّفاؤل بأنّ هذا التّأثير يسير بطريق النّمو والازدهار شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ التّعاطف بين مصر وسائر البلاد العربية حدّاً تتحقّق فيه مبادئ الجامعة العربيّة ولاسيّما بعد فشل التّجربة المصريّة وكلّ تجربة أخرى قام بها أيّ شعب من الشّعوب العربيّة منفرداً للتّحرّر من نير الاستعمار وذلك لتضامن الدّول الاستعماريّة ومحافظتها على جوهر الاستعمار مهما اختلفت على الفروع والجزئيّات إنّ الاستعمار هو جسم واحد متماسك الأجزاء ومبدأ عامّ تعتنقه كلّ هذه الدّول الـمُطبقة على الجسم العربيّ تنهش في لحمه وتمتصّ دماءه، ولا يتوقّع عاقل أن يتمّ خلاص هذا الجسم العربي إلاّ بتضامن أجزائه واتّحادها لإسقاط  مبدأ الاستعمار نفسه ، وإصلاح العقليّة  الغربيّة المتشبّعة بعقيدة التّفوّق الجنسيّ الطّبيعيّ على الشّعوب الشّرقيّة ،وبأنّ هذا التّفوّق يمنحها حقّ إدارة الشّؤون السّياسيّة في بلدان الشّرق ،إنّ هذه الحقيقة رهيبةٌ ولكنّها الحقيقة التي لا شكّ فيها وليس من سلاح يدفع خطر الغرب المستخفّ الطّامع إلاّ التّضامن  المنظّم وتوحيد أساليب المقاومة  والدّفاع السّلميين بقدر ما تسمح به الأحوال المحليّة في كلّ قطر من هذه الأقطار ،أمّا مزاعم الذين يقولون بأنّ الشّعوب التّي تتكلّم العربيّة ليست واحدة، وأنّ هذا يحول دون تضامنها فلن أتعرّض لتفنيدها  الآن غير أنّي  أقول مجملا أنّ العصبيّات القوميّة تقوم على العقيدة أكثر مما تقوم على الدّم، ويكفي أن تعتقد هذه الشّعوب أن اتّحادها ضروريّ لوقايتها من الأخطار الخارجيّة ، و يكفي أن تجمعها لغة واحدة، وثقافة واحدة، ليكون لها من هذه العقيدة أساساً تبني عليه العصبيّة القوميّة . وما على القارئ إلا أن ينظر فيما  حولنا من العصبيّات في الشّرق والغرب ليقتنع بأنّه لا يوجد الآن في العالم كلّه عصبيّة قوميّة تجمع شعوباً هي واحدة في منحدرها  وأصولها، وإنّ الذي يجمعها إنّما هو عقيدتها لأنّها تؤلّف وحدة ممتازة وإرادتها أن تتّحد ، فلا دخل إذاً لفرعون وقحطان وآشور بانيبال وملوك الفينقيين  والآراميين في القوميّة العربيّة التّي لا تعنيهم ولا تتلمّس قوّتها ومبادئها منهم أو في ثقافتهم ،القوميّة العربيّة  التي تتطلّبها مصالحنا المشتركة هي بنت القرن العشرين ووليدة الفكر العربيّ الحديث، ومخلوقة الحاجة المشتركة بين هذه الشّعوب المنكوبة بظلم الغرب وطغيانه .... 
أخيراً نستطيع القول أن ما خطه المجاهد فؤاد سليم من القاهرة هو تعبير وتصوير للحالة الراهنة التي كانت سائدة آنذاك نقلاً موضوعياً للتفكير، وبالتالي ما نعيشه اليوم لعمري هو امتداد لنتائج التفكير والمخططات المرسومة...وبالتالي ندين للكاتب سميح الجباعي أن وضع وثائق توثيقية تدوينية تشير للحظة الراهنة التي نعيشها اليوم...

التاريخ - 2021-10-07 4:25 PM المشاهدات 4443

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم