شبكة سورية الحدث


النوايا الاستعمارية في الجزء الثاني من وثيقة فؤاد سليم بالقاهرة

النوايا الاستعمارية في الجزء الثاني من وثيقة فؤاد سليم بالقاهرة

سورية الحدث الإخبارية-السويداء-معين حمد العماطوري
كنا قد نوهنا في المقال الماضي والذي هو امتداد لتكملة البيان أو الرسالة التي قام بتوجيهها الكاتب فؤاد سليم تحت عنوان مصائب الانتداب والذي جاء ضمن سياق وثيقة معتمدة قام بنشرها صاحب كتاب /ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/ وهو الباحث المهندس سميح متعب الجباعي، والتي تعمد نشر هذه الوثيقة وهي من الأهم الوثائق الحاملة مجموعة من الاعتبارات أهمها التأكيد على فكرة أن الغرب مهما قدم محسنات لصورته الاستعمارية يبقى مستعمراً ويحمل في فكره وخططه الإطاحة في التركيب البنيوي الاجتماعي للمنطقة العربية، وبث الفتن وفرض التقسيم على البلاد لإضعاف المنطقة والانتماء والشعور القومي والوطني بها وبالتالي منع قيام الثورة السورية الكبرى، والروائز القائمة على التركيب الفكري والثقافي تدهور تراكيبها الثقافية، وتلك الرسالة جاءت بمحاورة بين الكاتب فؤاد سليم وصديقه حول الإنكليز والفرنسيين والنوايا الاستعمارية المضمرة في داخلهما ضد العرب، ومنع قيام الوحدة بين الدولة العربية عن طريق التفرقة والتشتت والاستنزاف قوهم الاقتصادية والاجتماعية أما الحروب القتالية أو الاقتتال الداخلي، وهذه الرؤية التي حملها يؤكد عليها الكاتب "سميح متعب الجباعي" تاريخياً في رؤيته الاستشرافية للمستقبل من خلال المقاربات بين الوثائق وبالتالي آثرنا بدورنا نشر تلك الوثيقة على مرحلتين لمعرفة ومقاربة المعلومات الواردة بين القسمين وتأكيد على الهدف المشترك بين القوى الاستعمارية، والشيء الواضح في التوثيق تاريخ ومكان النشر والأمانة والمصداقية في النقل بحيث دون صاحب كتاب /ذاكرة الثورة/ الباحث "سميح الجباعي" بمنجزه التاريخي الواقع السياسي التاريخي وفق ما نقله بحرفية وأمانة قائلاً:  
كتب القائم مقام فؤاد بك سليم في جريدة الشّورى المصريّة العدد 34 في حزيران 1925م:
وهو الجزء الثاني من الوثيقة:
"إنّنا في أول عهدِ جِدَّةٍ اجتماعيّة ويقظة قوميّة، وممّا لا يحتاج إلى بيان أنّ الأمّة التي تعالج النّهوض وتتلمّس طريقها إلى القوّة يجب أن تحرص في زمن تطوّرها على شخصيّتها المميّزة، وذلك لكي لا يضعف في الفرد شعور انتسابه إلى المجموع، باصطباغ أفكاره وميوله بصبغة أجنبيّة عن قومه، وابتعاد عواطفه ونزعاته عن مجرى الشّعور العام في بلاده. ولا جدال في أنّ الأمم الشّرقيّة، ومنها الأمّة السّورية العربيّة، هي في حالة تطوّر يتّجه بها نحو الحضارات الغربيّة، مقبلاً على ما فيها من وسائل الحياة الاجتماعيّة المختلفة؛ أي إنّ هذه الأمم شرعت تأخذ عن الغرب ما في حضارته من خير أو شرٍّ، كلٌّ منهما حسب استعدادها الخاصّ، وحسب العوامل المختلفة التي تؤثّر في كيفية وماهيّة هذا الاقتباس، وهذا الأخذ عن الغرب أو (التغرّب) قد بات أمراً محتّماً لامناص منه؛ لأنّ العالم جملةً أصبحَ بفضل ارتقاء وسائل النّشر والانتقال أضيق دائرةً من ذي قبل، وباتت شعوبه إلى حدٍّ ما كأنّها أعضاء جسم واحد، يتأثّر أحدها بما عند الآخر، ويحتاج إليه وإلى نتاجه وعمله. ومعنى هذا أنّ عهد العزلة قد انقضى وفات، وأصبح لا يملك شعب من الشّعوب أن يبقى خارجاً عن شبكة الاتّصال العالميّ العظيمة، وهذا الاتّصال يجعل انتشار وسائل الحضارة الغربيّة الماديّة في الشّرق أمراً لا بدّ منه لكلّ شعب من شعوبه؛ فهو إن لم يُقبِل على هذه الوسائل مُختاراً وبمحضِ إرادته، متخيِّراً ما يحتاج إليه منها لحفظ توازنه مع الشّعوب الأخرى سَيقْبَلُ مُجبراً ومُسَيَّراً رغمَ أنفه، وفي هذه الحالة لا يقف أخذه عن الغرب عند حدّ العلم والفنّ وما إليهما، بل يتجاوز ذلك إلى ما سيتضرّر منه جرّاء الآفات التي لم يكن له بها عهد قبل هذا الاقتباس.
     إنّ في كلّ مجتمعٍ عيوباً خاصّة به، ومن مصلحة العالم أن تبقى كلّ هذه المساوئ الخاصّة مقصورة على هذا المجتمع بعينه، لا تمتدّ منه إلى غيره، ولا تشملها عمليّة النّشر والتّعميم. ولكي يقوى أيّ شعب من الشّعوب الشرقيّة على أخذ الصّالح من الغرب ونبذ الطّالح من مدنيَّته، يجب أن يكون هذا الشّعب شاعراً بشخصيّته، عارفاً بحدوده وحقوقه، وهو متى كان كذلك يسلم من مخاطر التّطور كما سلمت اليابان، وإلاّ فإنّ الآفاتِ المجتمعةَ ممّا فيه وممّا يأخذه من جديد تقضي على ما تبقّي من ذماء الرّوح الوطنيّ، وتقوّض الأسس الأخلاقيّة التي يرجو أن يشيد عليها شخصيّته المميّزة. والتّطور في ذاته يشبه المرض في عمله ومجراه؛ فالانتقال من طور إلى طور لابدّ أن يصحبَه ما يشبه الحالة المرضيّة، التي تصير إليها بعض الحشرات الطيّارة في زمن تكوّن الأجنحة، فتنقطع واحدتها عن الطعام، وترتمي على العشب أو تعلق بغصن شجرة، وهي على أشدِّ ما يمكن أن تكون من الارتخاء والانحلال، ومع أنّ الطّور الذي تنتقل إليه في هذه الحالة هو طور القوّة والعزّة فإنّ تطوّرها في ذاته ضعف ومرض، وإنّ ضغطة صغيرة أو نكزة خفيفة، لكافية بأن تترك في جسمها آفةً دائمةً، إن لم تقضِ عليها قضاءً تامّاً. فإذا روعيت هذه الحقيقة وراقبنا ما تفعله فرنسا في بلادنا ثبت عندنا أنّه ليس في الدّنيا شعب مُني بمصيبة أعظم من مصيبتنا بعمليّة التّمدّن المزعوم الذي تدّعيه، وليس بين نكبات الأمم نكبة أشرّ من نكبة انتدابها المعكوس وتمدينها المزيّف.
إنّ فرنسا تسعى قبل كلّ سعي، وتجهد فوق كل جهد لتفكيك وحدة البلاد، ولِتشلَّ نهضتها الوطنيّة وتقتل شخصيّتها القوميّة، وهي في الوقت نفسه تسمح بإدخال كلّ عوامل الفساد التّي تشكو منها المجتمعات الغربيّة، وتفتح الباب على مصراعيه ليؤمَّ البلاد كلّ من هبَّ ودَبَّ من شذّاذ الآفاق "وقنّاصات الظّلام". والإنكليز ليسوا أخفّ وطأة منهم، ولا أسلم نيّة، غير أنّهم لم يبلغوا هذا الحدّ؛ إذ هم على الأقلّ يأنفون من أن يضرّونا بعدِّ جنودهم بجحافل من بنات الهوى والبغاء، ولا يرون أنّ الضّرورة العسكريّة تقتضي منهم فتح مواخير البغاء في كلّ بقعة يحتلّها جيشهم في البلاد.
 ولْنُسلِّم جدلاً مع المتساهلين أنّ هذا لا يؤذي البلاد كثيراً، ولا يشرف بها على خطر كبير، ولكن إذا اضطرّت هذه الدّولة لسبب من الأسباب أن تخلي سوريّة وتتركها وشأنها فليت شعري ماذا تكون قد جنت من محاربة الوحدة القوميّة وهدم شخصيّة الأمّة إلاّ على البلاد نفسها؟ إذا تغادرها وهي منحلّة القوى والأخلاق، فتقع فريسة لكلّ طامع. 
وبعد، ما هي فائدة فرنسا من هذه الجناية التي تأباها المروءة وينبو عنها الوجدان! ولَرُبَّ قائلٍ: إنّ فرنسا لا تفرض مثل هذا الفرض، بل تعمل كأنّها باقية في البلاد إلى ما شاء الله. فإن كان هذا ما تحسبه فرنسا حقّاً، وإن كانت تتوهّم أنّها خالدة في سوريّة فإنّها إذاً لَعَلى ضلالٍ مبين.
القاهرة.. التوقيع: فؤاد سليم".
لاحظنا عملية التوثيق بذكر المكان وهو "القاهرة" وبالبداية ذكر التاريخ ومكان النشر وكأنه ينشر خبراً موسعاً يصر على عناصر الخبر مثل "كيف ومتى وأين الخ" من شروط الخبر، ولكن جعله خبراً موسعاً يحمل الطابع التدويني بوثيقه ذات مصداقية لتكون مصدر الخبر، لما لكاتبه فؤاد سليم من مكانة في قلب ذاكرة الثورة وربما يتبع ذلك من الابداع والادب ما يجعل نترقب مضاعفات ذلك في البقية ...إذ للحديث بقية..

التاريخ - 2021-11-25 6:39 PM المشاهدات 4181

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم