سورية الحدث - خاص - ثمانون في المائة من الموطنين يعيشون تحت خط الفقربقلم محمد الحلبي – رولا نويساتي - سعت الحكومة منذ اندلاع الأزمة في سورية قبل خمسة أعوام إلى الحفاظ على احتياجات المواطن الأساسية والضرورية وخاصةً فيما يتعلق بالأمن الغذائي وإبقائه تحت السيطرة، وقد استطاعت فعلاً من الإمساك بزمام الأمور قرابة ثلاث سنوات، إذ أن زيادة الأسعار في السنوات الثلاثة الأولى من عمر الأزمة كانت ضمن الحدود المقبولة، وخصوصاً أن الحكومة كانت تزيد من رواتب موظفيها بين الفينة والأخرى كي تحافظ على الحد الأدنى المقبول للعيش قبل أن تنفلت زمام الأمور في السنتين الأخيرتين من يد الحكومة وتخرج عن السيطرة، وبالتالي سقطت من حسابات المواطن جلَّ احتياجاته الضرورية الواحدة تلو الأخرى بدءً من المحروقات إلى اللحوم والبيض وليس انتهاءً بالخضار وذلك بالتوازي مع انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية أمام القطع الأجنبي، وسيطرة تجار الأزمة على الأسواق وسط عجزٍ واضحٍ من الحكومة في استعادة زمام المبادرة، وأمام هذه الحال لم يجد المواطن خياراً أمامه سوى البحث عن فرصة عملٍ إضافي يحاول من خلاله سد العجز الذي خلفه راتبه الثابت رقماً والمنخفض قيمةً وقوةً شرائية لتلبية احتياجاته الأساسية في أدنى مقوماتها إذا ما أراد البقاء على قيد الحياة..حكايا الناسرنَّ هاتفه الجوال فركن سيارته التاكسي على جانب الرصيف، واستسمحني بالحديث لدقيقةٍ واحدة، كان يتحدث مع محدثه عن محاضرات وحلقات بحث ومشاريع تخرج قبل أن نتابع مشوارنا عندما دفعني الفضول لسؤاله عن مهنته الأصلية وسبب عمله على سيارة الأجرة فقال: أنا مدرس جامعي في أحد المعاهد التقانية، لي من الأولاد ثلاثة، وقد تهجَّرت من منزلي الكائن في ريف دمشق ما اضطرني إلى استئجار منزل في قلب العاصمة بخمسين ألف ليرة سورية شهرياً، وأنا أجد نفسي محظوظاً بهذا المنزل رغم أنه لا يملك من مقومات المنزل الصحي شيئاً، وراتبي في أحسن حالاته لا يتجاوز ثمان وثلاثون ألف ليرة سورية، فلم أجد حلاً أمامي سوى البحث عن عملٍ إضافي أعوض به عجز الراتب المسكين أمام ارتفاع المصاريف الشهرية التي أصبحت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه قبل الأزمة، وحقيقةً أقول أن العمل على سيارة الأجرة يدر علي دخلاً إضافياً يضاهي راتبي الشهري، فأنا استأجر هذه السيارة بألفي ليرة يومياً، وتكون حصيلة دخلي منها وسطياً بحدود الألفي ليرة أيضاً في اليوم الواحد بعد اقتطاع تكلفة البنزين والإصلاح..فيما قال (علاء) موظف شاب: لازلت عريساً جديداً، أما شهر العسل فقد اختزل على ثلاثة أيام عطلة قضيتها في المنزل مع زوجتي قبل أن أعود إلى وظيفتي التي ما أن ينتهي دوامي منها حتى أسرع إلى المطعم الذي أعمل فيه في دمشق القديمة حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، وأضاف (علاء) أنه غير قادر على تلبية احتياجات حياته الجديدة من أقساط شهرية لسكن الشباب الذي ينتظره، وأجرة مسكن، فيما يوزع باقي دخله الشهري بين البقال واللحام ومصاريف دراسة زوجته الجامعية، هذا فضلاً عن الالتزامات الاجتماعية التي باتت تكلف أرقاماً فلكية، ويقول (علاء) أن الأمور سابقاً كانت تحت السيطرة قبل أن ينصب الدولار نفسه وصياً شرعياً على كافة السلع في الأسواق ابتداءً من أسعار العقارات وحتى الفجل والبصل..أما السيد (أبو كمال) موظف أيضاً فقال: الأمر يتطلب بعض التنازلات، فإذا ما أردت من الحكومة أن تحل لي مشكلتي فسأموت جوعاً أنا وزوجتي وأطفالي.. لقد استدنت مبلغ عشرين ألف ليرة سورية من أحد أقربائي واشتريت عربةً قبل أن أستعين بأحد معارفي لتزويدي ببعض البضائع على أن أسدد ثمنها بعد بيعها، وفعلاً ارتفع دخلي الشهري من هذا العمل ضعفي راتبي الحكومي، واعتقد أن العمل مهما كان ليس عيباً، ويبقى أفضل من التسول واستدرار عطف الناس واستجداء رحمتهم.ماذا عن ضعاف النفوس ؟؟!لا نريد أن نعرِّج على هذا الموضوع كثيراً، فالفساد والرشاوى والمحسوبيات قد استشرت في أوصال القطاع الحكومي بشكلٍ مخيف، وضعاف النفوس هنا يجدون في تلك الأبواب تعويضاً عن العمل الإضافي الذي يحتاج إلى وقت وجهد وتعب، فتكون وظيفتهم أو عملهم الإضافي بالتحايل على النظام والقانون واستغلال ثغراته إن وجدت لتحقيق مصالحهم الشخصية.. أما بعض العمال وضعاف النفوس من العاملين في قطاع الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي فيكتفون بالإكراميات التي تتراوح قيمتها حسب نوع الخدمة المقدمة خلال أوقات الدوام الرسمي، أما خارج أوقات الدوام الرسمي فلها تسعيرة خاصة بها..يقول السيد (أبو ياسين): في العام الماضي قطع التيار الكهربائي عن حيّنا، ولدى الاتصال بطوارئ الكهرباء قالوا أن الكبل الكهربائي معطل وتالف، وضربوا رقماً فلكياً لإصلاحه، وإلا علينا الانتظار لحين توفره، وقد رفض سكان الحي جمع المبلغ وبقيت الكهرباء مقطوعة قرابة العشرة أيام عن الحي إلى أن اقتنع أولئك الموظفون أننا لن ندفع لهم حتى قاموا بإصلاح العطل..محاولات حكومية.. ولكن !!حاولت الدولة مراراً أن تسد الخلل الحاصل والعجز في رواتب موظفيها من خلال زيادات متلاحقة على الراتب كما ذكرنا في مقدمة التحقيق، حتى أن بعضها معفي من الضرائب تماماً، كما عملت الدولة على إيجاد فرص عمل جديدة من شأنها مساعدة جيل الشباب على وجه الخصوص من خلال برامج تشغيل الشباب أو العقود السنوية لتخفيف العبء عن مواطنيها، إذ تضمنت موازنة عام 2015 خمس وتسعون ألف فرصة عمل في القطاعات الحكومية، بينما تضمنت موازنة عام الـ2016 وحسب إحصائيات رسمية إضافة مئة وستون ألف موظف، وأن إجمالي عدد الموظفين الجدد في السنوات الأربعة الأخيرة حوالي الـ300 ألف موظف، وهذا لا يحدث حتى في أكثر بلدان العالم تقدماً ناهيك عن ظروف الأزمة التي يمر بها الوطن، فيما أشارت تقارير الإعلام المحلي أن الحكومة استخدمت 400 ألف موظف بعقود مؤقتة وهذا يعني زيادة كبيرة في الكتلة النقدية المسددة من قبل الدولة شهرياً، وطبعاً هذه الأرقام تحتاج إلى موارد مالية، ما يتوجب على الدولة التقنين بالكتل النقدية المصروفة في قطاعات الحكومية جميعها والسعي إلى المساواة بين الجميع لتأمين الحد الأدنى من الخدمات بأسعار مقبولة، لكن ما يضع علامات الاستفهام على وجوه المواطنين بشكلٍ عام هو تغاضي المؤسسات الرقابية والتنفيذية عن تجار الأزمة والسماح لهم بالعبث في لقمة المواطنين و التقاعس عن حضهم على تخفيض هوامش أرباحهم الخيالية، والعمل إذا ما اضطر الأمر إلى منعهم من استيراد المواد الأساسية التي تمس حياة المواطنين بشكلٍ مباشر، وحصرها بيد الدولة كالمواد التموينية مثل (السكر والشاي والسمون والزيوت) والعمل على ضبط أسعار المنتجات المحلية أو المستوردة وطرحها في الأسواق بأسعار مدروسة لتوفر للمواطن العيش بالحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة..تصاريح لا تسمن ولا تغني من جوع المواطن عندما يتقاضى 25000 ليرة سورية فهذا يعني أنه يتقاضى أقل من50 دولار، و لكن بطبيعة الحال نحن نعيش بأزمة ، إضافة إلى أن موارد الحكومة تراجعت كثيراً، ومن حق الحكومة أن تحصل على احتياجاتها، بهذه الكلمات بدأ السيد عدنان دخاخني رئيس جمعية حماية المستهلك حديثه لسورية الحدث ، وأضاف:نعلم أن الأسعار قد ارتفعت على الأقل 900% وإذا زاد الراتب 20% أو 25% فأين الفرق بين هاتين القيمتين.. المواطن عموماً و أصحاب الدخل المحدود أو المتقاعدين، وخاصةً القدامى منهم باتوا يعيشون تحت خط الفقر، فعلبة الدواء التي كان ثمنها 100 ليرة سورية أصبحت اليوم بـ1000 ليرة سورية...وأشار الدخاخني أن وضع المواطن خلال سنوات الأزمة الأولى كان أفضل مما هو عليه حالياً، ولكن برغم انخفاض قيمة دخله فقد اختار أن يصمد، لكن الوضع الحالي بات يفوق قدرة معظم المواطنين على مجاراة حالة الغلاء غير المسبوقة وخاصة الغلاء الذي طال المواد الأساسية والمعيشية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي.وهنا يرى دخاخني أن الوضع المعيشي القاسي للمواطن يحتم البحث عن حلول وعلى أعلى المستويات الحكومية، وفي مقدمتها إيجاد آلية لضبط سعر صرف الدولار وتثبيته لأنه بيت الداء حالياً في مسألة الغلاء، إضافة إلى وضع حد من الحكومة للتجار الذين يتلاعبون بالأسعار بحجج ارتفاعات سعر الصرف واحتكار المواد وفرض واقع سعري يناسب جشعهم، وخاصة أن هؤلاء التجار يرفعون أسعارهم بثوان بعد زيادة سعر الصرف لكن لا أحد منهم يغير أو يخفض أسعار مواده المعروضة بعد أي حالة انخفاض في سعر صرف الدولار.نقطة نظاميرى خبراء اقتصاديون أن تدهور العملة السورية أدى إلى تضخم فاق الـ500%، وأن هذا التدهور جعل ما يزيد 80% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، في حين لم تستطع الدولة رفع أو زيادة رواتب موظفيها بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي المفروض خصوصاً أن معظم المقيمين في البلاد حالياً هم من فئة الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص، وإن انهيارهم الاقتصادي سيساهم في انهيار الحياة الاقتصادية برمتها لاتساع الفجوة بين الأسعار والمرتبات التي يتقاضونها وسط عدم قدرة الحكومة على ضبط الوضع، ويجب الاعتراف أن انخفاض الليرة أمام الدولار وضعف الاحتياط النقدي للعملة الصعبة في خزينة الدولة إضافة إلى تكالب التجار على الدولار زاد من معاناة المواطنين وخاصة الطبقة الوسطى التي أصبحت معدمة في ظل هذه الأزمة ...
التاريخ - 2016-05-18 7:38 PM المشاهدات 1064
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا