أن تستدرج وزير المالية (أي وزير مالية في سلسلة حكوماتنا المتعاقبة) إلى خارج دائرة الأرقام التي يتقنون اللعب ضمنها، ذلك أمراً ليس باليسير، وفي حالة الوزير الحالي الدكتور مأمون حمدان تصبح المهمة أصعب، أستاذ المحاسبة يتنفس الأرقام ولا يثق بنتيجة معادلة حتى لو كانت من الدرجة الأولى إن لم يحصل عليها بنفسه. 23 شباط 2017 الواحدة والنصف بعد الظهر، ينهي وزير المالية اجتماعاً استمر نحو 3 ساعات ونصف الساعة /مجلس المحاسبة والتدقيق/، يخرج المجتمعون منهكون بعضهم تنفس الصعداء، ثمة نقاش مرهق أداره معهم الوزير الذي اجتاج أقل من ربع ساعة ليبدأ حل معادلة من الدرجة الأولى في حضرة الكلمة “صاحبة الجلالة” ، ثمة رقم كنا اضطررنا أن نوجه كتاباً إلى وزير المالية للحصول عليه، عادة ما يكون الاقتصاديون عمليون وواقعيون “حمدان” لم يشذ عن القاعدة واختار ما انتهى إليه كتابنا بتحديد موعد لإجراء مقابله صحفية معه.من ثلاثة أبواب متفرقة يدخل عليه فريق مكتبه وبعض الزوار، يبدو الرجل منشغلاً عن التركيز، المعادلة باتت معقدة علينا، ينجز العقل المنظم لأستاذ المحاسبة أولوياته وفق اقتصادية الوقت، يخطف إجابات من مضيفه ويبني عليها مسار الحوار، كادت تنتهي المقابلة بمجرد حصولنا على المبلغ المرصود لبند الدعاية والإعلان والضيافة خلال العام 2016 الفائت للمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، شكل ذلك مدخلاً آخر إلى دائرة الأرقام.كل ذلك سيجعلك في سباق مع الوقت .._ كم يسمح لنا وقتك؟الوزير “مبتسماً”: خمس دقائق_ إذاً سنكتفي بإلقاء التحية عليك ثم نتركك لمشاغلكالوزير: لا يمكنك أن تحلم ولا حتى أنا بأن تسير المقابلة بدون مقاطعة. ولأن الكلمة مطواعة ولكي لا يسقط التاج عن رأسها فتفقد جلالتها عند القارئ المفترض فننقل كلاماً رسمياً مكرراً، نجحنا نسبياً في عقد صفقة مع “وزير المالية” على بناء حديث على هدي الوقت والظرف، فضل “الوزير” عدم التسجيل، ذلك سيحفظ له بعض تلقائيته في ممارسة عمله واستقبال الطارئين على الجلسة والرد على مهاتفيه.طاولة وزير المالية..لعل طاولة مكتب وزير المالية أكثر ما يلفت الانتباه، هي مزودة بثلاثة دروج في واجهتها الأمامية مع مفاتيحها (الدرج الكبير في الوسط)، ربما علينا أن نسأل من صمم تلك الطاولة عن سر وجود تلك “الدروج” من الأمام، الوزير “حمدان” مثلنا تساءل عن السبب عندما دخل مكتبه لأول مرة كوزير منذ نحو 6 أشهر على ما ذكر، ثمة صورة ذهنية تلقفها مبكراً صناع الدراما عن “الدرج” المفتوح في دوائر ومؤسسات الدولة وهو كناية عن “الفساد”، هنا نستطيع أن نفترض أن نجار الموبيليا الذي صمم تلك الطاولة تخطى الخيال الدرامي، فهل كان يعرف أنها ستكون “طاولة” وزير المالية ؟.طبعاً الوزير “حمدان” ورث تلك الطاولة عن أسلافه في المنصب كما ورث ظاهرة الدرج المفتوح في مؤسسات ودوائر وزارة المالية، صاحب مقولة “ليس لدينا مؤسسات فاسدة وإنما هناك أشخاص فاسدون” حاول أن يحرف انتباهنا عن “الطاولة” نحو صغر مساحة المكتب الذي يشغله، مكتب متواضع وفقير حسب وصفه._ ماذا عن الثغرات في آليات العمل التي تسمح بتسلل “الرشوة”؟الوزير: كل القوانين الناظمة لأي عمل في أي مؤسسة شأنها أن تحافظ على نزاهة العمل، بعض الأشخاص يبحثون لنفسهم عن منافذ كسب غير مشروع.يشير “حمدان” إلى حديثه مع أحد “الجباة” الذي تعاطف وتساهل مع أحد التجار ممن خسروا جزء من أعمالهم جراء الحرب، فيسأله “الوزير” عن راتبه يجيبه “الجابي” 40 ألفاً، يعتمد الأستاذ الجامعي على خبرته الطويلة أمام طلابه على مدار عقود لإقناع “الجابي” بأنه يسدد ضريبة على دخله المتواضع تفوق ما يسدده ذلك التاجر من منطلق النسبة والتناسب.نظام المداورة..يؤكد “حمدان” خلال الحديث إتباعه آليات عمل جديدة لكشف “الفاسدين” من مراقبي الدخل، فابتدع نظام المداورة، فليس من المنطق أن يستمر “مراقب الدخل” ذاته في متابعة نفس المكلفين سنوات طويلة وفق رأيه، هو يحاول بذلك أن يقطع مع حالة “الألفة” التي تترتب على العلاقة الطويلة بين الطرفين، فتتأثر إيرادات الجباية، وعليه سيتسنى لمراقب آخر متابعة ملفات مكلفين كانوا في عهدة زميل له في العمل، يشدد الوزير على مراقبي الدخل أن مسؤوليتهم “بمفعول رجعي” ذلك لن يجنبهم المساءلة عن تلك الملفات خلال فترة أسلافهم، وبالتالي يبادرون إلى كشف الخلل السابق وفق تصور الوزير._ ألا تخشى أن يخلق نظام المداورة هذا واقع غير مستقر لمراقبي الدخل وحالة غير مستحبة بين الزملاء؟الوزير: “لا”.. علينا أن نتفق على تأدية العمل بأمانة وكما يجب، حصلنا على نتائج إيجابية من خلال “مداورة” ملفات المكلفين بين مراقبي الدخل، والمقصر يجب أن يعاقب، والحق ألا يسكت أحد عن خطأ يضر بالمصلحة العامة وبسمعة المؤسسة التي يعمل بها.يتحفظ الوزير “حمدان” عن تقييم سلفه في المنصب، نظام المداورة الذي اعتمده في عمل مراقبي الدخل، لا يطبقه على نفسه، أو ربما يطبقه ضمناً ولا يحبذ إثارته إعلامياً، الرجل تجنب الإجابة عن أي استفسار يتعلق بواقع “المؤسسة المالية” عندما تسلمها، هو لا يقيم مرحلة لم يكن شاهداً عليها على حد قوله، ولو أن أدائه في الـ 6 أشهر يشي بأنه غير راض عن آليات العمل السابقة.المطارح الضريبة الجديدة ..يتمسك “حمدان” بالبيان الوزاري وعدم فرض ضرائب جديدة تؤثر على لقمة عيش المواطن، رحلة البحث عن تلك المطارح لا تبدو سهلة ويكتنفها الغموض أقلها بالنسبة للمواطن العادي.ينفي “حمدان” علاقة وزارة المالية المباشرة برفع قيمة ترخيص وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة مؤخراً، ولو أن الأمر عرض على اللجنة الاقتصادية وهي من اقترحته، يسأل “الوزير” هل يمكن أن يبقى مبلغ الترخيص لوسيلة إعلامية على حاله في الوقت الذي ارتفعت جميع أسعار السلع والخدمات، هنا يفرق الرجل بين الضريبة وبين الرسوم المستوفاة لقاء تقديم خدمة معينة، تماماً كما سبق وشرح المسألة مؤخراً أمام مجلس الشعب، الأمر ذاته ينطبق على رسم الخروج للمسافرين خارج القطر، وأيضاً رسم التأمين الإلزامي على السيارات، ورسم البطاقة الشخصية..الخ.اعتاد الأستاذ الجامعي لعقود تكرار محاضراته أمام طلابه وكان من السهل عليه سرد إجاباته أمام مجلس الشعب في لقاءاته الإعلامية، سيبدو مقنعاً في شرحه حول انعدام الثقافة الضريبية، ونبدو الحلقة الأضعف وعرضة للنقل المتشابه، لا جديد في هذا المطرح من الحديث، فكان لا بد من قلب الصفحة._ أليس من الأولى تخفيف الهدر في المؤسسات الحكومية ؟الوزير: الحكومة جادة بهذا الاتجاه وشكلت 6 لجان !!اللجنة الاقتصادية ..جرت العادة أن يترأس وزير المالية اللجنة الاقتصادية (مطبخ القرار الاقتصادي)، أوكلت مهمة رئاستها في الحكومة الحالية إلى وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور أديب ميالة، يوضح الوزير “حمدان” سبب تخليه عن رئاستها معللاً ذلك بالأعباء الكبيرة في وزارة المالية التي تحتاج إلى “رجل مكسورة” على حد وصفه، ويؤكد أنه هو من طلب أن تكون في عهدة وزارة الاقتصاد بغض النظر عن شخص الوزير، الرجل أبدى حماسة منقطعة النظير للأجواء الإيجابية في اجتماعات اللجنة التي تجددت بمعظم أعضائها في الحكومة الحالية باستثناء وزير الزراعة، الصراحة المطلقة والتعاون بين الأعضاء والانسجام على ما قال أمر لم يكن يتوقعه “حمدان” قبل أن يصبح عضواً فيها، تجتمع اللجنة مرتين في الأسبوع، تخفف من ضغط ملفات جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية يوضح “حمدان”._ هل خلقت قضية مبنى الرسوم والضرائب ومحاولة وزير الاقتصاد نقل مقره إليه توتراً بينك وبين الدكتور أديب ميالة؟الوزير: لا أبداً.. أنا تعاملت مع القضية وفق حسابات اقتصادية بحته، وعندما تبين لنا أن عملية مبادلة المقرين مكلفة جداً، الوزير “ميالة” أبدى تفهمه للأمر وكان مرناً للغاية._ ماذا عن الأقاويل التي تتردد عن طلب وزير الاقتصاد بضم المصارف والجمارك إلى كنف “الاقتصاد” بدلاً من المالية؟الوزير: بالنسبة للمصارف الأمر غير مطروح، ولا حتى بالنسبة للجمارك فهي تندرج ضمن إطار استيفاء الرسوم الجمركية إذاً هي عائدات مالية، ولو أن واقع “الجمارك” مرهق، ونتعرض لاتهامات من الإعلام ومجلس الشعب،، بسبب ما يقال عن فساد في هذه المؤسسة، أنا شخصياً سأكون مرتاحاً أكثر لو أنهما كانت مثلاً خارج مسؤولياتي.العلاقة مع رئيس الحكومة..منذ بداية المقابلة التي استمرت لأكثر من ساعتين يحاول الوزير التواصل مع المهندس عماد خميس رئيس المجلس، ثمة أمر هام على ما يبدو، دائماً ما تكون علاقة وزراء المالية برئيس الحكومة متينة، التواصل بين الرجلين يومي طالما أن “خميس” في مكتبه يمكن أن يتصل بأي لحظة بـ “حمدان”، يبقى الرجل لساعات متأخرة من الليل في مكتبه تماماً كما يفعل “خميس” حجم العمل كبير على ما يقول، إذا ما عاد إلى منزله منتصف الليل (12 مساءً”) تسأله زوجته عن سبب عودته المبكرة على حد قوله._ هل من المنطقي أن تداوم كل هذه المدة الطويلة وكأنك تعمل بمفردك ؟الوزير: “إطلاقاً” وأنا لا أؤيد ذلك، لكن المشكلة في فريق العمل، وأنا مضطر لذلك ريثما أوفق بفريق عمل مناسب._ كم تشعر أن المهندس “خميس” مطمئن لوجود شخص مثلك في وزارة المالية؟“حماسة الوزير جعلته يجيب عن السؤال بشكل معكوس”الوزير: “جداً”.. لا يمكنك أن تتصور كم أنا مرتاح لوجود المهندس “خميس” بعقليته المنفتحة في رئاسة الحكومة، ودرايته بتفاصيل العمل.“نضطر لإعادة طرح السؤال”..الوزير “بحماسة أقل”: عليك أن تسأله عن مدى اطمئنانه لوجودي وزيراً للمالية لكننا نعمل بجد وبتنسيق عالي على ما أعتقد.د. مأمون حمدان وزيراً للمالية..منذ أول تغيير وزاري بداية العام 2011 لم يغب اسم الدكتور “حمدان” عن الترشيحات لاستلام حقيبة وزارية، المدير السابق لسوق دمشق للأوراق المالية كان فضل “السوق” على منصب الوزير في حكومة عادل سفر، ولم يتلقف إشارة “رياض حجاب” إبان تكليفه تشكيل ثاني حكومة أزمة سنة 2012، وقتها كان “حجاب” يرسل رسائل إلى شخصيات محددة يتأكد إمكانية قبولها بتسلم حقيبة في حكومته، كان الظرف السياسي والأمني صعباً تعفف كثر عن المنصب وقتها، وبعد هروب “حجاب” منشقاً إلى الخارج، شكل الدكتور وائل الحلقي حكومتين متتاليتين وأجرى عدة تعديلات، يؤكد “حمدان” أن الوزارة عرضت عليه في غير مناسبة، لم يكن تعففه عن المنصب تهرباً من المسؤولية في الظروف الصعبة على ما يقول، فهو كان في دائرة المسؤولية كمدير سوق دمشق للأوراق المالية، يكشف الرجل جانب إنساني كبير في حياته، يشير بحساسية عالية لحديث جرى بينه وبين “الحلقي” بعد أن أصر الأخير عليه لقبول حقيبة وزارية في حكومته، كان مرض والد “حمدان” سبباً كافياً له للاعتذار، عرض عليه “الحلقي” فرز ممرضة خاصة لوالده، يقول “حمدان” رباني والدي بنفسه وسأخدمه بنفسي.يؤكد “حمدان” أنه لم يكن يحلم يوماً أن يصبح وزيراً، يتذكر لحظة أدائه القسم أمام رئيس الجمهورية، يخبرنا عن قشعريرة اعترته لأيام جراء تلك المسؤولية التي ألقيت على عاتقه، هي تشبه على حد تعبيره شعوره يوم زواجه وأيضاً تذكره عندما رزق بأول مولود.على هامش المقابلة.._ أي حديث عن زيادة الرواتب والأجور وفق تصور وزير المالية مرهون بسؤال عن كيفية تغطية تلك الزيادة، ولا حل سوى بزيادة الإنتاج على حد تعبيره، وهو بذلك يحسم الجدل._ التوجه نحو الأتمتة والتخلص من المراسلات الورقية في “الماليه”، يستلم الوزير عدة ملفات من موظفيه عبر “فلاشة” يقرأها من خلال “لابتوب” شخصي على مكتبه، “سنستغني قريباً عن الورق” يقول الوزير._ يضع الوزير نصب عينيه كبار المكلفين، كهدف لرفد إيرادات الخزينة العامة، يعتقد أن ما يدفعوه أقل بكثير مما يجب تحصيله منهم._ لا تهاون مع القروض المتعثرة، على المقترضين أن يسددوا التزاماتهم، والبيع بالمزاد العلني آخر العلاج يؤكد الوزير._ على المواطن أن يبحث عن فرصة عمل بعيداً عن الوظيفة الحكومية وفق تصور وزير المالية.الحدث - صاحبة الجلالة
التاريخ - 2017-03-09 6:36 AM المشاهدات 1600
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا