شبكة سورية الحدث


السوريون منقسمون: مدافعون يرونه تكريساً للإسلام المعتدل .. ومعارِضون يعتبرونه تسييداً للسلطة الدينية

مـــــــــع أو ضد؟!… جدلية أثارتها الضجة الحاصلة إثر طرح المرسوم /16/ لعام 2018 الخاص بآلية عمل وزارة الأوقاف، حيث أبرز هذا التفاعل النادر حالة شعبية إيجابية من الاهتمام والجدل، بعيداً عن اللامبالاة التي سادت طويلاً تجاه المسيرة القانونية والتنظيمية لحياة المواطن السوري، ومؤسسات الدولة.وعلى الرغم من أن هذا الجدل قد شابَهُ بعض التطرف والمبالغة في الاتهامات وسوق الحجج المتبادل بين مؤيدي ومعارضي المرسوم، فالمحصلة كانت اهتماماً وجديةً غير مسبوقة تجاه ما يُطرح من مراسيم وقوانين تحت قبة مجلس الشعب.المؤكد أن هذا الجدل لم يأتِ من فراغ، بل له مبررات وتخوفات لدى الطرفين، من ينتقد المرسوم يعتقد إلى حد الجزم بالأمر أنه عبارة عن تكريس للسلطة الدينية تصل لحد أسلمة خفية للدولة… ومن يؤيد المرسوم يعتبر أنه ضمن الحد الأدنى المطلوب لتنظيم شؤون وزارة الأوقاف.التخوفات المطروحة… لها مبرراتهايرى الكاتب والسيناريست السوري الدكتور ممدوح حمادة أن المرسوم بما ورد في سطوره وما خفي بين سطوره يُحوّل وزارة الأوقاف إلى وزارة سيادية، وأضاف في معرض حديثه لـ «الأيام»: «المرسوم سيشكل في حال إقراره خطراً استراتيجياً على مستقبل البلد، وعبئاً إضافياً على اقتصاده، ذلك أن كل البنود المذكورة ضمن المرسوم ليست إلا طعماً من أجل قبوله، فالبنود الواردة فيه يجب أن تكون من صلاحيات القانون العام لا وزارة الأوقاف، التي أرى أن  من صلاحياتها الاهتمام بالوقف التابع لها، لا التدخل في حياة المجتمع، فالمجتمع السوري مجتمع متنوع دينياً وطائفياً وعرقياً، ومن جهة أخرى الناس الذين ينتمون لهذا الدين أو ذاك ليس من الضروري وضع رقابهم في براثن مؤسسات دينية».وفي السياق ذاته يقول المحامي تمام حسن: «من المعروف أن لكل قانون أسباب موجبة تكون واضحة ومحدودة، تشرح الموجبات القانونية والظروف كافة التي أدت لصدوره، وربما المشكلة في المرسوم /16/ المتعلق بوزارة الأوقاف أنه لم يجعل الشارع السوري بحالته العامة يطَلع أو يفهم الأسباب الموجبة اللازمة لإقراره، والمشكلة الثانية في صدور هكذا مرسوم إشكالي في طبيعته هي الجهل العام في القانون، والتي تتحمل مسؤوليته وسائل الإعلام الوطنية، حيث تركت المواطن يلجأ إلى مصادر غالباً ما تكون غير موثوقة للحصول على المعلومة، ومن الممكن جداً أن يكون لها توجهات أو أهداف تحاول من خلالها حرف مسار الشارع كله عن الفكرة الرئيسة لأي مرسوم أو قانون، وبالتأكيد لأن الموضوع يتعلق بالدين وهو أهم الأسلحة التي دفع ذلك الشارع ثمناً باهظاً لتفسيره الخاطئ».العلمانية للدولة… والدين للأفراديعتقد الكثيرون ممن تم استقصاء آرائهم أن هناك فهماً مغلوطاً لمبدأ علمانية الدولة، وأن الفهم الخاطئ لمبدأ العلمانية، وربطها بفكرة الإلحاد هو فهم مغلوط بالمطلق، وهي لا تتعارض إطلاقاً مع ممارسة الأفراد لشعائرهم ومعتقداتهم الدينية، وما هي إلا فصل للدولة وقوانينها عن الدين.يقول الدكتور ممدوح حمادة: «بخصوص الدولة العلمانية التي صورتها الدعاية المضللة لرجال الدين على أنها نوع من الإلحاد، بينما هي الضامن الوحيد لأي مؤمن ليمارس عبادته، هذه الدولة ما زلنا بعيدين عنها طالما مصادر تشريعنا تعتمد بشكل أساسي على نصوص دينية، وما زال بعض منها من المرحلة العثمانية، إذ لم يتم أي إصلاح جذري لها، ولذلك من الصعب الحديث عن دولة علمانية الآن، ومن أجل الوصول إلى هذه المرحلة لا بد من ضمان ممارسة الحقوق التي يوفرها الدستور، والتوقف عن تجريمها  تحت رعاية قوانين يُفترض من اسمها أن تكون آنية مثل قانون الطوارئ وما يشبهه، فقط عندما يمارس المجتمع حقوقه التي تؤدي إلى قيام مجتمع مدني حقيقي يمكننا الحديث عن العلمانية».في السياق ذاته يتساءل المحامي تمام حسن عن حقيقة إمكانية أن تصبح سورية دولة علمانية؟! مضيفاً: «الحقيقة أن هناك أمراً واقعاً لا نستطيع إنكاره، هل من الممكن أن نصبح دولة علمانية؟ مع أنني شخصياً أتمنى بشدة ذلك، لكن التجربة القاسية أثبتت عكس ذلك تماماً».نص المرسومتمدد الصلاحيات المبالغ بها لوزارة الأوقاف – الوزير تحديداً من خلال البنود الواردة ضمن المرسوم، خلقت لدى الكثيرين توقعاً بأن مثل هذه الصلاحيات ستتدخل مستقبلاً في التعليم ومناهجه، الجمعيات الأهلية والخيرية، الثقافة وغيرها كثير، ولا ريب أن تدخّل الدين في مؤسسات الدولة له من السلبيات ما لا يحصى، ولكن منطقياً هل ترك المرسوم ثغرات مبهمة لتكون باباً لذلك مستقبلاً؟من خلال قراءة نص المرسوم لا يظهر أي كلام عن تداخل في العمل أو سلطة أو رقابة لوزارة الأوقاف على أية مؤسسة أو وزارة أخرى، وبدا لمن قرأ المرسوم أن صياغته كانت محكمةً في هذا المجال بحيث أنها لم تترك مثل هذه المواضيع مفتوحةً لأي اجتهاد مستقبلي، إذا لماذا تعرّض المرسوم لكل هذا الانتقاد؟!هل يتعلق الأمر بتخوف مستقبلي من سطوة متزايدة لرجال الدين وإمكانية تحريكهم للأوساط الشعبية في الاتجاه الذي يريدون؟تجيب الباحثة الاجتماعية حنان ديابي بخصوص ذلك بالقول: «نحن أمام أمر واقع، سورية مازالت في مرحلة الحرب، وعلينا ألا نمارس سياسة الاختباء وراء الإصبع، باعتقادي بلد مثل سورية فيه إثنيات عرقية، ودينية، وطائفية، تناسبه العلمانية تبعاً لهذا التنوع، غير أن الأزمة فرضت واقعاً مختلفاً، وفقدت وسائل الاتصال بالقواعد الشعبية». و أشارت ديابي إلى أن المشروع الذي طرحه المرسوم جيد في حال تم تنفيذه وتطبيقه بالشكل الذي رسم له، وفي حال لم يطبق بالشكل الصحيح ستكون له آثار اجتماعية بالغة الخطورة على المجتمع السوري، وأضافت قائلة: «نحن في دولة مؤسسات، ووزارة الأوقاف جزء من هذه الهيكلية، ما يُخشى حقيقة هو آلية التطبيق والتنفيذ، علينا أن نفهم أن معظم القوانين فيها الكثير من الثغرات، لكن مشروعاً كهذا يحتم على من سيناقشه تحت قبة مجلس الشعب التفكير ملياً في كل البنود الواردة وإزالة كافة السلبيات التي من شأنها زعزعة استقرار بنية المجتمع السوري».وهنا يقول المحامي تمام حسن: «الحقيقة أن هذا المشروع سلاح ذو حدين فهو نظرياً جيد جداً، ونحن بحاجة إليه، وأراه ضرورة فرضتها الدراسة المنطقية لأسباب الحرب على بلدنا، لا يمكن أن ننكر أمراً واقعاً يتمثل بجيل كامل كان مهيأً ليسمع التحريض والفتنة من الخارج والداخل ممن يسمون أنفسهم أرباب الشعائر الدينية، ولم يكن هدفهم إلا التحريض والقتل وتدمير شباب البلد، وبالتالي تدمير البلد نفسه، لذلك من الجيد أن يكون هناك قانون يحتوي أولئك الشباب ويوجههم ويعيد صياغة أفكارهم لتتناسب مع فكرة أن الدين والوطن متلازمة، فرضها كما يقول المرسوم الجديد الإسلام كما أنزله الله تعالى.ويؤكد المحامي حسن أن «مشروع المرسوم بفكرته وأسبابه الموجبة جيد، ومناسب، لكن التفاصيل متروكة لمن سيناقشه أولئك الذين من المفروض أن الشعب اختارهم، والنقاش تحت قبة المجلس، ويجب أن تتم المناقشة بالحجة القانونية والاجتماعية لكي يفهم الشارع أن المرسوم لا يهدف إلى سيطرة الدين على المجتمع أو عدم احترام العقائد، أو فرض رأي دين على آخر، هذا أهم ما يجب مناقشته تفاصيل المرسوم وليس المرسوم نفسه». دروس من الواقع:في الأزمة السورية برزت وقائع لا بد أن تكون دروساً مستقبلية للسوريين، خاصةً في الجانب المتعلق بالتطرف والإرهاب وكيفية اجتثاث جذوره من المجتمع، فهل هذا المرسوم خطوة في هذا الطريق؟ الدكتور ممدوح حمادة ليس مع هذا الرأي حيث قال: «الآن حين يتمكن شيخ فتنة بغض النظر عن انتمائه من أن يدير فئات واسعة ويقودها حتى إلى حتفها، فالحديث عن دولة علمانية صعب جداً، ولكن برأيي نحن لسنا مضطرين إلى هذه القفزة الطويلة دفعة واحدة، ويكفينا كخطوة أولى اعتماد شكل الدولة المدنية الخاضعة لحكم القانون المدني الذي يحتوي على أفضل ما توصلت إليه البشرية، من خلال تجربتها العملية من قوانين تم اختبارها على أرض الواقع، إذا كان لدينا دولة قانون، فإن هذا القانون (أي المدني) قادر على تنظيم كل التفاصيل التي وردت في القانون 16».المحامي تمام حسن يرى أن المرسوم لا يخلو من إيجابية في هذا المجال فيقول: الفكرة الأهم التي يطرحها المرسوم هو الاعتراف بكافة المذاهب والأطياف تحت مجلس فقهي مهمته الرئيسة تعزيز الوحدة الوطنية وليس التبشير بالدين، كما أن الطرح المتكرر ضمن بنود المرسوم عن مكافحة التطرف ونشر روح الإخاء بين المواطنين ومحاربة التكفير هو من أهم بنود مشروع القانون، والأهم من كل ذلك البند المتعلق بأن منبر المسجد هو منبر عام وهذا ما كنا نحتاجه لأن هذا ما يجعله يخضع لضوابط الدين والدولة والمجتمع من دون أن يمرر أحدهم من خلاله السم في العسل، ربما كثيرون منا يتمنون أن تطبق نظرية الدين لله والوطن للجميع، وربما هذا ما يحاول المشروع طرحه ولكن بوجه آخر.الإشكالية الفعلية: صلاحيات وميزاتالمرسوم لا يعدو كونه إعادة هيكلة وتنظيم لعمل وزارة الأوقاف ومؤسساتها، وهو ليس حالة جديدة، فعمل الوزارة كان يخضع لأحكام المراسيم والقوانين، التي تم إلغاؤها صراحةً في نهاية نص المرسوم /16/ وأهمها المرسوم /204/ لعام 1961، ومنطقياً فإن عمل الوزارة والمؤسسات الدينية يحتاج التنظيم والتدقيق لما له من أثر يجب تلافي ظهور السلبيات فيه، والنقاط التي تحتاج مراجعة في المرسوم بشكل أساسي تتمحور أساساً في أمرين، الأول صلاحيات الوزير، والثاني الميزات الممنوحة للوزارة وأموالها وأوقافها وموظفيها.فقد أعطى المرسوم لوزير الأوقاف أقصى الصلاحيات الممكنة في تشكيل المجالس واللجان والتعيين والتكليف من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يرد ذكر أي نوع من الرقابة أو الجهة الرقابية صاحبة الحق في تدقيق حسن سير عمل مؤسسات الوزارة بعكس بقية الوزارات التي لها العديد من الجهات التي تراقب أعمالها.الأمر الثاني، المتعلق بالميزات الممنوحة، يثير تساؤلاً منطقياً عن أهمية عمل هذه الوزارة وموظفيها، فهل عملهم أهم من عمل قطاع البناء أو الخدمات؟ وهل قدّم العاملون في الشأن الديني أكثر مما قدّم عمال الكهرباء والهاتف والشركات الإنشائية، في هذه الأزمة لكي تتم مكافأتهم بإعفاءات ضريبية بالجملة مع جواز الجمع بين أكثر من تعويض؟تقدّم الخبيرة الاقتصادية الدكتورة نسرين زريق إضاءةً على بعض البنود الواردة في المرسوم قائلةً:المادة 12 البند /أ/ المتضمن شروط المكلفين دينيا (للوزير أن يستثني من شرط الجنسية من يرى تكليفه).مضيفة: «أعتقد أن بنود استخدام العمالات الخارجية غير المحلية يستوجب أن تخضع للقوانين السورية الناظمة للأمر، بعد التدقيق الأمني اللازم لتوفر العمالة المحلية، كي لا يتم تشغيلها في تيارات دعوية من جهة ولحساسية وضع سورية من ناحية استقدام وتوظيف عمالات إسلامية قرابة انتهاء حرب جزء منها تكفيري، هذا البند أعتبره اقتصادياً إذ أنه ليس من الضروري نهائياً دعم أي عمالة غير سورية مالياً أو لوجستياً، بينما تتوفر البدائل من الكوادر الشابة من جهة، وتوفر أموال الأوقاف لدعم أبحاث تطويرهم ورفع سوية أدائهم حسب نفس المرسوم، بما يؤهلهم لممارسة العمل الديني بالطريقة التي تخدم الوطن، و إن كان للبند هذا أن يمرّ، أرجو أن يخضع لقوانين الإقامات والقوانين التجارية والمدنية الناظمة له أصولاً مع التدقيق الأمني، وأن لا يكتفى «بصلاحيات الوزير».الفصل 7 من المادة 29 التي تنص على (تعفى البدلات النقدية التي يتقاضاها المكلفون من أي اقتطاعات ضريبية).تقول الدكتور زريق: «حقيقة الأمر أن الشعب بأكمله بما فيه موظفي القطاع العام والمشترك والأعمال الحرة وحتى المستهلكين يدفعون ضرائبهم، وهذا واجب عليهم تجاه دولتهم لتغطية نفقات تخديمها لهم، من شوارع وإنارة وغيرها، أظن أن المستحق للإعفاء الضريبي هو الجيش العربي السوري، كما أن الموازنة العامة في الدولة السورية تخصص موازنة لوزارة الأوقاف، رغم أن عائدات وزارة الأوقاف من تأجير وقفي واستثمار أوقافها، والتبرعات، وصندوق الزكاة، يتمتعون بالاستقلال المالي ولا يعودون لخزينة الدولة بعوائد وبالتالي لا يمكن أن يستثني أحد نفسه من أداء واجبه تجاه الدولة، التي تقدّم خدماتها للجميع من دون تمييز بين رجل دين وبين مواطن».وتتابع الدكتورة زريق: «بنفس الإطار تأتي المادة 33 لتتحدث عن ترك أمر التسجيل بالتأمينات الاجتماعية، أمراً اختيارياً يتحمله المكلف بالعمل الديني مباشرة من دون تحمّل الوزارة أي عبء مادي في ظل فرض ذلك على القطاع العام والقطاع الخاص في سورية، وتعميم المبدأ الحضاري في حماية مستقبل تقاعد الأشخاص الذي لم يغفله المرسوم ولكن ذكره ببند آخر. نرى وبموجب أن الوزارة لديها عوائد مستقلة أن تعامل معاملة مؤسسة مالية مستقلة لأغراض دينية، وتسدّد ضرائبها وتسجّل العاملين فيها بالتأمينات أصولاً ومن ميزانيتها المستقلة، التي تؤكد على استقلالها في كل بنود المرسوم».وتساءلت الدكتورة زريق لماذا لا يوجد في أي بند من البنود المذكورة ما يسمح للرقابة المالية في الدولة بالاطلاع على واردات ونفقات الوزارة المذكورة، وتنفيذها لمهامها وخططها وما تصل إليه. أليست وزارة سورية من ضمن الحكومة نفسها؟ وهل تمتعها بالاستقلال المالي من حيث أن تغطي نفقاتها من عوائدها يشمل عدة نقاط واجبة التحقيق، بدءاً من قدرتها على تحمل رواتب الموظفين لديها طالما أن المرسوم نفسه ينص على السماح للوزير أن يعين من يراه مناسباً بالعدد، وعدد ساعات العمل والمهام وفق الذي يراه مناسباً من جهة ومن دون أية رقابة أو تحقق!! هذا لا يعد استقلالاً مادياً بل أصبح أكثر من ذلك».آخر الكلامالمراسيم والقوانين بالشكل العام ضرورة حياتية مستمرة ومتطورة دائماً، وعلى الرغم مما قد تسببه من جدال، فالحقيقة أن البعض لديهم أسس منطقية للحذر من مفاعيل أي قانون يتم طرحه، لا سيما إذا كان يتصل بموضوع الدين، والمواطن السوري معذور في حالة -الفوبيا- الحاصلة له بسبب ما شاهده خلال هذه الأزمة، ومن شاهد طرق الطناجر، والتكبير، إثر خطب بعض «المشايخ»، له الحق في عدم التعويل على التنفيذ السليم لأي حالة دينية.الأيام
التاريخ - 2018-10-09 9:24 PM المشاهدات 860

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم