سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد العماطوري
لا يمكن أن تذكر الثورة السورية الكبرى وبدياتها النضالية دون الوصول إلى معركة الكفر التي هي فاتحة انتصار الثوار على الفرنسيين، ولعل معركة الكفر تحمل من الأحداث والوقائع ما يجعل الباحث في التاريخ يقف أمام مجرياتها موقف المتأمل في طبيعة تكوين شخصيات الثوار والعلاقة الإنسانية الانتمائية الرابطة بينهم، وإيمانهم المطلق في الوصول إلى النصر، رغم الفوارق في العتاد العسكري والعدة القتالية، وأن أهالي جبل العرب قد خرجوا من معارك مع الاستعمار العثماني ليس بالبعيد ورفعهم العلم العربي في ساحة المرجة في 30 أيلول 1918 كان بالنسبة لهم مسؤولية وطنية في الحفاظ على التراب المقدس، والمفارقات الوجدانية والوطنية الناجزة في التكوين الفكري والثقافي لهم شكل عن معظم المعاصرين من أبناء ذاك الجيل الرؤية الوطنية في الدفاع عن الأرض والعرض كعامل إيماني معتبرين أن إيمانهم في ذلك هو الجزء الأهم بأيمانهم في الكل الكوني الإلهي، وبالتالي المتتبع لدراسة أحداث معركة الكفر بإمعان الأسباب القريبة والبعيدة لها، وكيف عمل الفرنسيون بإجراءاتهم التعسفية الاستفزازية إلى زيادة النقمة ظناً بهم أن قوتهم ترهب شعب أحب الحياة وطالب اضداده الحرية والاستقلال من براثن الاستعمار، هو الأهم في توثيق وتدوين أعمال أولئك الشجعان الذي دخل فعلهم التاريخ، وصفحاته الخالدة...من هنا تبرز أهمية التدوين التاريخي المغلف في بالصدق والأمانة والحيادية، وربما ما تقرأه في كتاب /ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/ لمؤلفه الباحث المهندس سميح متعب الجباعي يلمس الحيادية في طريقة تحضير المتلقي لاستقبال المعلومة الوطنية النافح بها عطر الانتماء للوطن، بعيداً عن الطائفية والقبيلة والعشيرة والعائلية التي حاول الاستعمار التركيز عليها بغية نشر ثقافة التفتيت في البنية الاجتماعية والفكرية وتخريب المضمون التاريخي الوشاح الوطني المزين في صدر كل ثائر آمن بالدفاع عن الأرض والعرض لذلك إذ ترى الكاتب في مقدماته للكتاب يربط الفكر في واقع حينما يستشهد ما كتب أمير البيان قائلاً: "كتب أمير البيان شكيب أرسلان في مقدّمةٍ من روائع مقالاته أنّ التّاريخ لا يكون بالافتراض والتّحكم، ونحن لا نصنع التاريخ، بل نحاول نقل الأحداث والوقائع التّاريخية بمصداقيّة وشفافيّة عالية، ودون افتراض أو محاولة منّا للتّحكم في الأحداث التّاريخيّة، معتمدين بذلك على ما سمعناه من رجال موثوقين، وأبطال ومجاهدين وثوّار أحرار، ومن وسائل إعلام خالية من التّزوير والتّحريف والفبركة، ممَّن عاشوا مع تلك الأحداث التاريخيّة ونقلوها لنا، وما علينا إلا أن نثبّتها على الورق لنطَّلِعَ عليها وتقرأها الأجيال القادمة بعدنا". هذا ما دونه الأمير شكيب أرسلان ولعل السؤال الواقعي كيف عكس ذلك الباحث المهندس سميح متعب الجباعي في كتابه /ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/، في تدوينه لأحداث الثورة السورية الكبرى وهو الذي نهل كما أشار أمير البيان بنقل الأحداث بشفافية ومصداقية وأمانة، ناقلين ما خرج من صدور المعاصرين الموثقين بالعمل والفعل وليس بالقول والاحتمال، واضعين المنهج العلمي في التوثيق والتدوين، كما أشار بنقله لمعركة الكفر التي جرت في السابع عشر من تموز من بداية الثورة السورية الكبرى من عام 1925 والتي يقول في متن منجزه تحت عنوان / معركة الكفر 17 تموز 1925 واجتماع قنوات/ ما يلي: "بعد أن فشلَ الفرنسيّون في العرض المغري على سلطان الأطرش، وعلى إثر اجتماع أقيم في قنوات، قام الضابط موريل رئيس الشّرطة في السّويداء باعتقال بعض زعماء الجبل كرهائن، وعلى رأسهم عبد الغفّار الأطرش ونسيب الأطرش وحمد الأطرش، ثـمّ أرسلهم إلى معتقلٍ في تدمر، ولم يمضِ يومان حتّى قام الفرنسيّون باعتقال أبرز رجالات الجبل المجاهدين وهم (علي عبيد، وحسني صخر، وعلي فارس الأطرش، وبرجس الحمّود، ويوسف هلال الأطرش).. وقاموا بنفيهم إلى مدينة الحسكة شمال شرق سوريّة. وفي هذه الأثناء، أرسل الفرنسيّون طائرة حربيّة استهدفت الثّوّار الموجودين في تلك القرية، لكنْ تمّ إسقاطها، وأسر طيّارها، ومواصلة تجميع الثّوّار والزّحف بهم إلى صلخد، وهناك تمّ حرق مقرّ البعثة الفرنسيّة. وفي 21 تموز كانت فرنسا قد جهّزت حملة تأديب فرنسيّة، واتّجهت إلى بلدة الكفر بقيادة الضابط نورمان؛ من أجل منع استثمار النّصر الذي حقّقهُ الثّوّار في عرمان، وقبل أن يتوجّهّ سلطان الأطرش إلى الكفر لملاقاة الفرنسيّين فيها أرسل لقائد الحملة نورمان، كلاًّ من قاسم الأطرش وعبد الله العبد الله، لينصحاه بالانسحاب، لكنّه رفض النّصيحة، وتحدّى الثّوّار بكلمات استفزازيّة، ممّا دفع سلطان والثوّار للهجوم على الحملة الفرنسيّة؛ وكانوا لا يزالون في (منطقة العين) فكان مسيرهم إلى الكفر كسيل جارف من الأعالي، حيث اجتازوا مسافة عشرة كيلومترات بأقلّ من ساعة من الزّمن، وتدفّقوا على تحصينات الفرنسيّين من ثلاث جهات، دون رهبة من نيران الرّشّاشات ورصاص البنادق، وأمعنوا فيهم تقتيلًا بالسّلاح الأبيض، لأنّ معظم الثّوّار كانوا عُزّلًا من الأسلحة النّارية، فراحوا يغنمونها من الجنود الفرنسيين القتلى ويتسلّحون بأسلحتهم، ومع أنّ طلائعهم سقطوا شهداء، لكنْ عندما التحوا واختلطوا بالأعداء أخذ السّيف والسّلاح الأبيض يفعل فعله، من خلال الإجهاز على الأعداء بالسّيوف والخناجر والفؤوس (البلطات)، وفي دقائق أجهزوا على الحملة الفرنسيّة وقائدها، ولم يسلم منها سوى عددٍ قليلٍ من الجنود لا يتجاوزون خمسة جنود، تركهم الثّوّار يفرّون؛ لينقلوا إلى قيادتهم بالسّويداء خبر المعركة البطولية للثّوّار والمجزرة التي حلّت برفاقهم الفرنسيّين، وأنّ الثّوّار قد قضوا على قوّة تجاوز عددها مئتين وخمسين ضابطاً وجنديّاً. كانت متّجهة لاعتقال سلطان ورفاقه. وقد استشهد حوالي اثنين وخمسين شهيداً، من الثّوّار الأبطال، منهم المجاهد البطل مصطفى الأطرش شقيق القائد العام للثّورة السّورية الكبرى، والمجاهد الشّهيد البطل شهاب غزالي حامل بيرق ملح، وأجود البربور، وشهاب ومهنا الزّغيّر". أخيراً نشعر من خلال السرد أن معركة الكفر لا تختزل في تلك الاسطر القليلة وهي التي دخلت التاريخ وانعكس نصر الثوار على الصحافة والمجتمع الدولي وهي عبارة عن زيادة ثقة الثوار بنفسهم في انتصار قضيتهم، بعد أن دون الكاتب الأسباب من اعتقالات وأعمال استفزازية، وحاول يجعل المتلقي في حالة تشويق وجداني بتعابير تصويرية حينما قال: /فكان مسيرهم إلى الكفر كسيل جارف من الأعالي، حيث اجتازوا مسافة عشرة كيلومترات بأقلّ من ساعة من الزّمن، وتدفّقوا على تحصينات الفرنسيّين من ثلاث جهات، دون رهبة من نيران الرّشّاشات ورصاص البنادق، وأمعنوا فيهم تقتيلًا بالسّلاح الأبيض/، هذه اللوحة الفنية التي لو أراد فنانون وأدباء ومبدعون إبداعيون يصورون تلك المعركة لنهلوا من معين هذه الجمل لوحاتهم وإبداعاتهم، إذاً نحن أمام إضاءة تحمل في مضمونها أشياء قادمة على المتلقي أن يتابع وأن يبحث في التوصل لمجرياتها التاريخية وانعكاسها على المجتمع المحلي الداخلي والخارجي الأجنبي وإلا كيف استطاع سلطان باشا الأطرش ورفاقه الثوار أن يحققوا النصر على دولة عظمى بمكانة فرنسا لولا إيمان جميع الثوار من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بهدف مشترك واحد هو الوطن والانتماء إليه....يقيناً كما أشار في مقاله أمير البيان شكيب أرسلان بقوله: "أنّ التّاريخ لا يكون بالافتراض والتّحكم، ونحن لا نصنع التاريخ، بل نحاول نقل الأحداث والوقائع التّاريخية بمصداقيّة وشفافيّة عالية، ودون افتراض أو محاولة منّا للتّحكم في الأحداث التّاريخيّة"...من هذا قبيل تحسب للباحث المهندس سميح الجباعي ما دون ووثق وترك القارئ في حالة من الترقب للأحداث ....لأن للحديث بقية..
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا